مجلس التعليم العالي ... تعليم بلا مقود

بقلم: 

ما هي الخبايا وراء "أزمة" الجامعات الفلسطينية، وأن الجامعات الفلسطينية على حافة الانهيار؟ هل هذا متعلق بسوء الادارة داخل تلك الجامعات أم انها نتيجة خلل في توزيع الموازنة العامة على القطاعات المختلفة؟ ماذا تعني حالة الضياع في السياسات العامة للتعليم العالي في فلسطين؟ ماذا يعني أن تقبل ترخيص برامج في كليات نتيجة مصالح مشتركة لمجموعة أفراد، كيف يمكن لمجلس تعليم عالي أن يوجه ويخطط السياسات التعليمية في البلد وهو ممثل من أصحاب المصالح المشتركة رؤساء الجامعات.
الجامعات والدعم  الحكومي
بدايةً لماذا تحتاج الجامعات العامة في فلسطين الى دعم من الحكومة؟  إن واقع الجامعات يقوم بأن الطالب الجامعي يغطي من خلال دفعه للأقساط ما نسبته (80%) من تكلفة تعليمه، وهذا ما يجعل الجامعات، إما أن تذهب إلى رفع الأقساط الجامعية على الطلبة، وإما مطالبة الحكومة بتغطية فجوة العشرون بالمئة المتبقية.
انعكاس الأزمة على تطور الجامعات
لسان حال الجامعات يقول، أننا وفي كل الدراسات التي عملنا عليها نكتشف بأن الطالب يغطي فقط 60% من رسوم دراسته الجامعية، وأن الحكومة مجبرة على دفع الحصة التي تعهدت بها بقيمة 40 مليون دولار من خلال قرار في المجلس التشريعي، ومنذ أكثر من 5 سنوات الحكومة لم تحول ما لا يتجاوز أل 5% من المبلغ. وفي كل مرة لم تحل فيها هذه المشكلة تتضخم وتزداد حدتها لأنها وبالضرورة تنعكس على العملية ككل حيث تؤثر على قدرة الجامعات على التطور والحفاظ على المخرج التعليمي، وضعف مستمر في البحث والانتاج العلمي، تجعل إدارة الجامعات غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها اتجاه المدرسيين، وهذا بدوره ينعكس على الاستدانة من صناديق التوفير التي أوصلت الجامعات اليوم إلى درجة باتت فيها غير قادرة على دفع مستحقات المدرسيين عند التقاعد!
دعم من خلال بند الموازنة
لسان حال الحكومة يقول نحن عملنا ونعمل على دعم التعليم العالي والجامعات العامة الفلسطينية وقد حرصنا على رفد الجامعات بالدعم المالي بشكل مستمر بما تسمح بها الاوضاع المالية السائدة، لكن لسنا ملزمين بتحمل هذا العبء من قبل الجامعات ، فالقانون واضح أن عملية دعم الجامعات تتم من خلال بند من بنود الموازنة الذي ينص على الدعم المالي عند توفر المال والفائض المالي في الموازنة ولا تعتبر مخصص اساسي من مخصصات قانون الموازنة الذي يجعلنا ملزمين اتجاهه، وعلى صعيد آخر، هل عملت الجامعات على تطوير استراتيجيات ومشاريع إنتاجية لتخفيف من الفجوة المالية التي تعانيها؟.

موقف نقابات العاملين في الجامعات
لسان حال النقابات يقول في كل عام نقف هذا الموقف، ونطالب الحكومة وادارات الجامعات لتحمل مسؤولياتها، ولكن مع كل اتفاق نوقعه مع حكومة ونضع سلم لتنفيذ تأتينا حكومة أخرى لا تعترف بما مضى، والجامعات غير قادرة على الضغط على الحكومة للإيفاء بالتزامها، وتذهب الى صناديق الادخار وتفرغها، وحتى هذه اللحظة لم تستطع الجامعات تحريك الطلبة وحشدهم لصالحها للضغط على الحكومة.
طلاب الجامعات في متاهة
لسان حال الطلاب يقول نحن الان أمام متاهة. لسنا قادرين على فهمها، وقد أصبحنا اليوم بين إدارات الجامعة التي تتحدث عن أزمة مالية في الجامعات، ولم نر حتى هذه اللحظة التقارير المالية التي تثبت ذلك فهي لم تطلعنا عليها حتى نقف الى جانبها لضغط على المسؤول عن الأزمة، أما النقابات فلم تطور حتى هذه اللحظة الأداة التي تدمجنا من خلالها في حراك لتحقيق مطالبها وتشكل ضغطا على المسؤول عن الأزمة، فقد عملت على استخدام الأدوات التي تجعلها في موقف أمام الطالب والحكومة والإدارة، وهي الإضراب وإغلاق الجامعات. أما الحكومات فسياساتها المشوهة المعبر عنها في توزيع الموازنة لا تمت بصلة للتنمية وخلق جيل واع ومنتج ومتعلم، حيث أن توجهاتها بعيده كل البعد عن البنى الأساسية للدول القوية من تعليم وصحة وثقافة .
مناهج التعليم وسوق العمل
في أكثر من جلسة ومؤتمر ولقاء ذهب الحديث عن أكثر من مشكلة يعاني منها النظام التعليمي في فلسطين من مناهج وتخصصات ومناسبة سوق العمل والمال وغيرها من المشاكل، وعندما قمت بالبحث المعمق في العديد من هذه القضايا، وكان آخرها قضية خريجي العلاج الطبيعي من الكلية العصرية الجامعية حيث يعتبر العلاج الطبيعي تخصصا تم إطلاقه من قبل الكلية في عام 2006 فرع من فروع المهن الطبية المساعدة، وقد سمحت الكلية لطلبة الخريجين من الفرعين الادبي دراسة هذا التخصص بواقع الترخيص الذي حصلت عليه حينها من وزارة التربية والتعليم، علما بأن جهة منح الترخيص والمصادقة  تعود الى وزارة التربية والتعليم ومجلس التعليم العالي من الناحية القانونية بحسب البند (17) من المادة (5) من القانون رقم (11) لسنة 1998 بشأن التعليم العالي، والتي نصت على أن "تحديد المعدلات الدنيا في امتحانات الثانوية العامة أو ما يعادلها كأساس للقبول في مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية هو من صلاحيات وزارة التربية والتعليم العالي"
مزاولة المهنة
وبعد أن أنهى الطلبة متطلبات التخصص وحصلوا على توقيع الكلية بالتخرج، بالإضافة إلى مصادقة الوزارة، أكملوا المسير باتجاه التدريب في المستشفيات الحكومية، وبإشراف وزارة الصحة وأنهوا هذه العملية حتى وصلوا الى نقابة العلاج الطبيعي برئاسة د. محمد عمرو، فقد رفضت النقابة إعطاءهم مزاولة المهنة بناء على أن الكلية يجب الا تقبل خريجي الفرع الادبي لدراسة هذا التخصص.
تساؤلات مشروعة
من خلال لقاء العديد من الاكاديميين والمهتمين في القضية  طرحت مجموعة من الأسئلة ، من أهمها: كيف يمكن للكلية العصرية الحصول على الترخيص؟ هل هناك صلاحية لنقيب برفض إعطاء المزاولة بعد استيفاء جميع الشروط ؟ من يتحمل مسؤولية هؤلاء الطلبة بعد قضاء فترة من الدراسة والتكاليف الدراسية؟ ماذا فعلت النقابة لعلاج القضية، غير أنها رفضت المزاولة؟ هل هناك مصالح مشتركة بين الكلية والوزارة في حينها؟ وهل هناك مصالح مشتركة بين النقابة والكلية؟ من هو المسؤول عن الفض في تلك الخلافات وضمان التنسيق بين كامل أجزاء العملية التعليمية؟.
مجلس التعليم العالي
منذ السبعينيات، وهناك مجلس تعليم عالي يهتم في الإشراف على مؤسسات التعليم العالي والتنسيق فيما بينها ودعمها في تحقيق أهدافها الرئيسية، واستمر هذا العمل بعد مجيء السلطة، وتركزت المهام في قرار السياسة العامة للتعليم العالي  ووضع الأسس العامة المتعلقة بقبول الطلبة في مؤسسات التعليم العالي، وإقرار الأسس العامة لتخصيص وتوزيع الدعم المالي في المجالات المختلفة ، كجسم حامي للعملية التعليمية في فلسطين.
لكن، كيف يكون هذا الجسم حاميا للعملية التعليمية ومحركها، وهو بتركيبته يتعارض مع ذلك؟ يتشكل مجلس التعليم العالي من رؤساء الجامعات، اي هم أصحاب المصلحة الأساسية من القرار، إذ بموجب قرار رقم (13) سنة 1994 يشكل مجلس التعليم العالي الفلسطيني بقرار من رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية بناء على تنسيب وزير التربية والتعليم العالي لمدة سنتين قابل للتجديد وكما يلي: 1. وزير التربية والتعليم العالي رئيساً 2. أمين عام وزارة التربية والتعليم العالي نائباً للرئيس 3. أمين عام مجلس التعليم العالي مقرراً 4. مستشار وزارة التربية لشؤون التعليم العالي عضواً 5. رؤساء الجامعات الفلسطينية أعضاء 6- الخبراء والأكاديميون.
إن مجلس تعليم عالي يعاني من هذا الشلل الهيكلي كيف له أن يحافظ على سياسية التعليم العالي ومخرج العملية التعليمية؟، كيف له أن يرسم ويراقب ويشرف على العملية التعليمية؟، كيف له أن يدرك المدخل التاريخي لفكرة الجامعة وتطورها، والتحديات الخارجية والداخلية التي تواجه التعليم العالي، ركائز ينبغي أن تبني عليها فلسفة التعليم الجامعي، وظائف الجامعة، مجالات تطوير التعليم الجامعي؟ كيف لمجلس أن يفرض على الجامعات تقديم تقاريرها الواضحة على المستوى المالي وتضع كل الصمامات التي تحمي العملية التعليمية من الاستغلال والاتجار وتحويله الى سلعة.