ليش يا فرعون؟

بقلم: 

بقلم الأسير: أمجد أبو لطيفة

بعد جهد كبير أجمعت عليه حركة فتح ليكون مرشحها الوحيد في الانتخابات الرئاسية مطلع العام 2005، حيث قدم نفسه للجماهير المفجوعة برحيل الزعيم ياسر عرفات، كمنقذ وصاحب مشروع ورؤيا لحل الصراع والتغلب على المشاكل الداخلية الفلسطينية، فالتف حوله أبناء حركة فتح على أمل أن يكون لديه القدرة على الوفاء بتعهداته وصولاً لتحقيق حلمهم بوضع حر وآمن خالٍ من الفساد.

ولأن الشعب الفلسطيني كان يعاني في تلك الفترة من جرائم الاحتلال التي كانت تمارس من خلال الاجتياحات المتكررة للمدن الفلسطينية، وما انتجته من حالة فوضى وفلتان أمني وارباك خاصةً مع رحيل الزعيم ياسر عرفات، كذلك الوضع الاقتصادي السيئ الناتج عن الحصار وانتشار البطالة، بحث الشعب عن من يخلصه من هذه الحالة الصعبة، فانتخب مرشح حركة فتح السيد محمود عباس ليصبح رئيساً منتخباً للشعب الفلسطيني يقع على عاتقه العمل من أجل حل مشاكل المجتمع الفلسطيني، ومواجهة التحديات، وتنفيذ ما تعهد به في برنامجه الانتخابي.

على الأرض.. ومنذ السنة الأولى لانتخابه قرر الذهاب لانتخابات تشريعية، متجاهلاً الوضع الداخلي لحركة فتح، والذي لم يكن جاهزاً لخوض مثل هذه التجربة، وكذلك تجاهل الوضع الفلسطيني الداخلي الذي كان يعاني من دمار وعلى كل المستويات نتيجةً للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة...قاد الرئيس عباس حركة فتح باصرار نحو نتيجةٍ كان يعرفها مسبقاً متجاهلاً كل التحذيرات واستطلاعات الرأي، فأصر على قيادة فتح نحو هزيمة بشعة في انتخابات عام 2006، ليزيد بذلك الوضع الفلسطيني الداخلي تعقيداً، هذه الهزيمة التي مكنت حماس وأظهرتها بقوة تفوق الحقيقة وأنتجت سلوكاً حمساوياً قاد نحو نتيجة معروفة سلفاً وهي سيطرة حماس على قطاع غزة بالقوة.

انقلاب حماس في غزة كان كارثة وطنية كبيرة وبكل المقاييس، لكن بالنسبة للرئيس عباس كان الانقلاب فرصة، حيث لم تكن لديه القدرة على السيطرة على قطاع غزة وضبط حماس، كان الانقلاب فرصة الخلاص من غزة وحماس في نفس الوقت، ليتفرغ بعدها للضفة ويعمل بها بحرية مطلقة في ظل الاحتلال لأجل تكريس سيطرته على كل شيئ (فتح، السلطة، منظمة التحرير) وإنهاء المقاومة بذريعة كبح حماس في الضفة وإنهاء ظاهرة الفلتان الأمني.

في اللحظة التي أعطى فيها الرئيس عباس أوامره بتشكيل لجنة تحقيق في انقلاب حماس يكون قد أعفى نفسه من المسؤولية عن ما حدث في غزة بصفته رئيساً للسلطة، وأعلن عن بدء معركة تصفية الخصوم وإبعادهم عن فتح والسلطة لأجل إحكام سيطرته تكريساً لحكمه الفردي.

بالفعل بدأ الرئيس عباس بتصفية المقاومة وعمل بشكل منهجي على الربط بين المقاومة ومعضلة الفلتان الأمني، وبدأ بسياسة الإحالة إلى التقاعد خاصةً في المناصب الأمنية العليا ليبدأ بتعيين مقربيه، بهدف إحكام السيطرة معتمداً على الأجهزة الأمنية وكذلك أبعد فتح والتنظيمات عن السلطة مما يعني تدمير المؤسسة والاستمرار في تعزيز مكانته وصولاً لما يعرف في النظام السياسي بحكم الفرد المطلق.

وحين بدأ بالإعداد لترتيب وضع فتح الداخلي والإعداد للمؤتمر السادس للحركة، بدأ الإعداد له بصورة تمكنه من السيطرة على فتح من خلال تحكمه بنتائج المؤتمر وفرز قيادات ضعيفة مرتبطة به مصلحياً تكون موظفة في خدمة مشروعه الشخصي الذي أصبح واضحاً أنه بعيد كل البعد عن فكرة تحقيق المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.

وحين لم تكن نتائج المؤتمر بمجملها على هواه، لجأ إلى سلوك غير قانوني وظالم لتصفية خصومه داخل الحركة منقلباً بذلك على نتائج المؤتمر، حيث قام بفصل قيادات فتحاوية كبيرة وقوية وجودها لم يمكنه من سرقة الحركة وقيادتها نحو مشروعه الشخصي المرتبط بوجود الاحتلال، ولو نظرنا اليوم لحركة فتح لوجدناها ضعيفة، قيادتها عاجزة ليس لها صلة بالجماهير، وعلى طاولة اللجنة المركزية للأسف يوجد شخوص وظيفتهم تنحصر في هز رؤوسهم للرئيس عباس حفاظاً على مصالحهم الشخصية.

الرئيس عباس يعلم علم اليقين أنه القائد الأقل شعبية في تاريخ الشعب الفلسطيني ويعلم هو وكل من حوله أن أغلب الشعب ينتظر لحظة رحيله، وأن استمرار وجوده لا يعبر عن مصالح الشعب بقدر ما يعبر عن مصالح الاحتلال ومصالح فئة قليلة من حوله.

إن استمرار وجوده معتمداً على سياسة الترهيب وكبت الحريات ووقف المخصصات عن فصائل منظمة التحرير لجرها لبيت طاعته سيدمر مستقبل وآمال وأحلام الشعب الفلسطيني.
الكل يعلم أن الرئيس عباس جعل منظمة التحرير مدمرةً وضعيفة، ولجنته التنفيذية عاجزة عن وقفه ومساءلته، والمجلس التشريعي مشلول وعاجز، إذن فالمسؤولية تقع على عاتق حركة فتح... حركة فتح هي صمام الأمان ووحدها القادرة على وقفه عند حده، فكل الفتحاويون يعلمون جيداً، وخاصةً قياداتها وكوادرها أن سلوك الرئيس عباس مدمر وكارثي ويهدد مستقبلنا الوطني ونظامنا السياسي بأكمله... فلماذا كل هذا الصمت والسكوت؟؟

كل الفتحاويون يعلمون أن فتح بحاجة إلى وحدتها الداخلية، ويعلمون أن الرئيس عباس هو المسؤول الأول عن الانقسامات الداخلية في الحركة، والتي أدت إلى ضعف دورها خاصةً في ضبط سلوك الرئيس عباس الكارثي، إن الخيارات أمام قيادات الحركة محددة، فيجب العمل فوراً على تشكيل لجنة من داخل فتح مسؤولة وصاحبة قرار مهمتها الأولى إلغاء كل قرارات الفصل والإقصاء التي طالت قيادات فتحاوية منتخبة لتعود فوراً لمواقعها، لتتحمل مسؤولياتها في قيادة مشروعنا الوطني في هذه المرحلة الحرجة، كذلك يجب الإعداد الجيد للمؤتمر السابع من خلال لجنة تحضيرية نزيهة تقوم بالإعداد لمؤتمر حقيقي يكون قادراً على استعادة الهوية النضالية للحركة، وانتخاب قيادة جديدة للحركة، تعبر عن هويتها وتقود مشروعنا التحرري من خلال فتح قوية وموحدة.

إن الاستمرار في سياسة الصمت من قبل قيادات وكوادر حركة فتح إزاء سلوك الرئيس عباس التدميري وأسلوبه في الحكم واتخاذ القرارات سيجعله يتمادى في تدمير مشروعنا الوطني بكامله، لذلك يجب على الكل الوقوف أمام مسؤولياته الوطنية والدفاع عن مصالح الشعب ومقدراته التي تنهب وتسرق أمام أعينه، فحركة فتح بقياداتها وكوادرها هي وحدها القادرة على إحداث التغيير المطلوب حمايةً للحركة وحلم الاستقلال الذي أصبح بعيداً في ظل وجود الرئيس عباس، وإلا فإن التاريخ لن يرحم كل من سار خلف مصالحه الشخصية على حساب مشروعنا الوطني الأكبر.