حسناً فعلت الحكومة، وحسناً فعل الرئيس، ولكن!

بقلم: 

حسناً فعلت الحكومة عندما استجابت للضغط الجماهيري المطالب بتعديل قانون الضمان الاجتماعي، الذي تتوج في تظاهرة الثلاثاء 19/4/2016 الحاشدة أمام مجلس الوزراء. وحسناً فعل الرئيس عندما تدخل الشهر الماضي لقبول مطالب المعلمين بعد تحركهم الجماعي وتضامن الجمهور معهم في تظاهرات جماهيرية حاشدة أمام مقر مجلس الوزراء أيضاً، وحسنا فعل الرئيس قبل شهرين عندما استجاب لشبه الإجماع بين جمهور الصحافيين الذين اعترضوا جماعيا وبطرق مختلقة على المصادقة على مسودة قانون الاعلام.

هذه الاحداث الثلاثة، التي اجتذبت مشاركة جماهيرية واسعة وأدت الى تغيير تشريعات او قرارات مهمة، تتطلب مراجعة جادة لواقع واسلوب الحكم الذي تمارسه سلطتنا الوطنية الفلسطينية.

توجد طريقتان للحكم في العصر الحديث لا ثالثة لهما: الاولى طريقة الحكم الاستبدادي، حيث يتحكم بالشعب فرد أو عائلة او حزب، وتنعدم فيه او تكاد، المشاركة والتعبير والمعارضة والتعددية، وأقرب مثال على ذلك الآن نظام الحكم القائم في قطاع غزة.

الحركة الوطنية الفلسطينية الحديثة اعتمدت على الأسلوب الثاني، الذي يستمد القوة والصلاحيات من التفويض الشعبي عبر شكل أو آخر من الانتخاب، وأبقت دائما على قدر ما من التعددية والتعايش مع وجود معارضة.

كان ذلك جليًّا في جناحي الحركة الوطنية الفلسطينية، ففي الخارج، اعتمدت القيادة التعددية الحزبية والمعارضة وحق التعبير وأشكالاً ومستويات مختلفة من الانتخابات، سواء في أطر منظمة التحرير أو في مكوناتها من فصائل سياسية واتحادات شعبية.

وفي الداخل، تميز العمل الوطني بالاستناد الى الاطر والمؤسسات الوطنية، التي كانت تحرص على إجراء الانتخابات الدورية المنتظمة، بما يشمل النقابات العمالية والمهنية والأطر النسائية والشبابية والجمعيات ومجالس الطلبة، ولا شك أن ذلك كان سببا في حيوية هذه المؤسسات وفي تقبل الجمهور لقيادتها للعمل الوطني، ولعل المثل الأسطع هو دور رؤساء البلديات المنتخبة في أواسط السبعينيات من القرن الماضي وقيادتهم لمرحلة مهمة من تاريخ كفاح شعبنا ضد الاحتلال.

في الفترة الأخيرة، ارتبط ترهل أداء المؤسسات العامة، السياسية والمجتمعية، وكذلك ازدياد الفجوة بينها وبين الجمهور، بتراجع ممارسة الانتخابات وتراجع ثقافة الانتخابات عن حياتنا العامة، سواء في المؤسسات السياسية القيادية مثل المنظمة والسلطة والأحزاب، أو المؤسسات المجتمعية كالنقابات العمالية والمهنية والجمعيات، ونتجت عن ذلك فجوة كبيرة بين ما تتخذه القيادات من قرارات أو تشريعات، وبين ما يتوقعه أو يمكن أن يتقبله منها المجتمع.

غياب آليات التمثيل والتفويض والمشاركة المعروفة، أخذت تدفع الجمهور للتعبير عن نفسه والتفاعل مع قرارات السلطة بشكل مباشر وفي الشوارع والميادين ووسائل الاتصال والتواصل الحديثة، وهذا مربك للجميع وغير صحي.

هذه التطورات الثلاثة المهمة الأخيرة تشكل ناقوس إنذار بأننا على مفترق طرق، فإما أن نتجه إلى تفعيل آلية الانتخابات الدورية المنتظمة في مؤسساتنا العامة والمجتمعية وتعزيز ثقافة الانتخابات في المجتمع، وإلى حين ذلك نعوض عن غياب التمثيل الشرعي بقدر كبير من التشاور الحثيث والمنظم، أو أن ننزلق تدريجيًّا إلى حالة من الاستبداد و/ أو الفوضى تقضي على ما تبقى لنا من أمل في الحرية والاستقلال