محاكاة لوحة : زي مدرسة يحاكي الواقع المرير

بقلم: 

تأملت في لوحة طلب مني صديقي الفنان تحليلها . رحت انظر في ذلك الحبل الاحمر الرفيع في خلفية سوداء

معلق عليها زي مدرسة محمول بعلاقة خشبية اعتيادية يمسكها والحبل ما يشبه المنجل من تعليقة.

للوهلة الاولي تبدو الصورة اعتيادية / زي مدرسة معلق على حبل غسيل . الوانه تشبه في تخطيطها الزرقاوي والابيض زي المدارس الحكومية. فكرت لوهلة بتلك الفتيات في الشوارع صباحا وعند انتهاء المدارس ظهيرة . تخيلت المشهد الذي يسبق هذه اللوحة. زي توسخ من يوم مدرسي طويل . نقاش دار بين الام والفتاة . زي انهكه

الغسيل فبهتت الوانه . شعار عميق ترمقه في صدر الزي وتنظر بتعمق فيتبصر امام عينيك العلم الفلسطيني بآلوانه متجسدة داخل شعار السلطة الفلسطينية.

رحت اتأمل اكثر باللوحة . هناك ما يتدلى وكأن هواءا ما يحرك الزي المتشبث بتلك العلاقة بظلمات ليل ساحق . للحظات تخيلت افلام الرعب التي يخرج فيها القاتل صاحب يد المنجل ويخلع قلوب ضحاياه بيده المنجلية. وكأن الزي المعلق على حبل الغسيل تحمل الوانه الباهتة رسالة اخرى . رسالة لا تتعلق بمسحوق غسيل كان على الام استخدام غيره . تلك البقع الباهتة وذلك الثقب ربما في الجهة الاخرى من الصدر القريبة من القلب . هل كانت الطفلة تتناول البطاطا ورب البندورة ومسحته بيديها المتسختين مما اضطر الام غسله . تخيلت الام وهي غاضبة بسبب رب البندورة الذي لم يستطع مسحوق الغسيل ازالته.

شتمت صديقي في سري … وقلت في نفسي. لما علينا دائما تصوير البؤس. لما لم يعلق زيا كان غسيله بتأثير مسحوق غسيل كذلك الذي نراه بالدعايات؟ الا ان تلك الخلفية السوداء بسكونها الشاحب السحيق وذلك الحبل الرفيع احمر اللون وكأنه خيط من شريان دم.

قبة زي المدرسة بيضاء ناصعة بالرغم من اثار الجعلكة البادي على الغسيل . ستحتاج الام الى ان تكويه بعد تجفيفه .

يبدو الليل قاتما حالكا قارصا مع اسوداد الخلفية. سيجف بسرعة.. فكرت.

تلك البقع الباهتة بلون التراب ربما . تخيلت يدان تدعكان بقوة وشدة وحرقة في محاولة تنظيف تلك البقعة الكبيرة المتفشية على الصدر عند العلم المدروز على ذلك الجانب. وكأنها استخدمت مبيضا فبهت اللون الازرق وانكسر توازي الالوان فيما بين الابيض والازرق الاصليين. يمتد نظري اكثر نحو البقع الباهتة التي كانت محاولات ازالتها عبثا وهباء نثر المحاولة في التبييض لمناطق اخرى في الزي . ذاك اللون البني الترابي ،الاحمر او الخمري ربما كان فيما قبل. رب البندورة ذكرت نفسي. تخيلت تلك الطفلة المشاكسة تزيد من رب البندورة فوق رقائق البطاطا ،فتطاير زخات المسحوق الاحمر من الانبوبة وتملأ الزي . محاولات عبثية للتنظيف.

ثم تركت الزي ليجف في عقلي ، ولتهدأ الام الغاضبة ، ولربما ترضى الطفلة المشكاكسة. هل سترضى ان تذهب غدا للمدرسة بزي لم تختف البقع منه؟ هل ستصحو الام مبكرا لتكوي الزي ؟

اتخيل السيناريوهات المختلفة . أرى ابنتي في ذلك الحوار. اقول في نفسي “الحمد لله ان زي المدرسة الخاص بها كحلي غامق يمكن من اخفاء البقع المندرجة تحت الالوان اقل حدة وقوة”. كانت سترفض ابنتي الذهاب الى المدرسة بهذا الزي الملطخ ببقع لم يزيلها مساحيق ولا مبيض.

طردت تلك الافكار مع صوت انين ابنتي الصباحي ورفضها لبس ذاك الزي اذا ما كان لها في مخيلتي ، وفكرت . قد تكون هذه اللوحة تجسيد لحال الطلاب في هذه الايام في ظل الاضرابات .

فالزي معلق ،يعبر من خلال حبل الغسيل الاحمر على حدة الوضع . فقر الطلاب بزي ملطخ متجعلك ، غسل مرارا وتكرارا حتى اهترى القماش . وضع الطالب كوضع الاستاذ. فقر في فقر . غسلة تلو الغسلة حتي لم يعد هناك مجال لمظهر افضل . الزي المغسول في ابهى حالاته يتدلى من حبل يعبر من خلاله عبير هواء وسط خلفية ظلماء.

الظلم الواقع على المعلمين اليوم ، هو ظلم واقع على الطلاب.

الضرر المترتب على هذا الظلم هو ضرر ضراره يتسع الي فضاءات اللا معلوم من الظلمة ينتظره غيب مهيب حالك .

زي المدرسة معلق ليجف براحته ، فغدا ليس يوم دراسيا منتظر ….

نظرت ابنتي الى اللوحة ، وسألتها عما تراه فيها .فأجابت بسرعة لم تستدعها الكثير من التفكير : ” هل المقصود بها أطفال سوريا الغارقين في زوارق الموت ؟” استغربت لما رأت . واذا بها تشرح اكثر ، بإن الزي يوحي وكأنه غارق في ظلمات بحر عميق. وان الازرق هو تعبير عن موج البحر الهائج ، والاسود هو بحر عميق أغرق الاطفال . الفكرة هي فقدان اولئك الذين كانوا او كن طالبات مدارس.

انتهى خيالي بتلك اللوحة هناك .

فكرت كيف تتشعب المآسي الانسانية في بلادنا ، وتتوحد على حبل غسيل يتدلى منه زي مدرسة لطالبة بمدرسة حكومية .

شاركت صديقي الفنان صاحب اللوحة فيما نتجت عنه تحليلاتي من لوحته المبهمة بالرغم من صروخ تفاصيلها ودقة ذلك الزي .

أجابني : ” هذه اللوحة محاكاة للوحة سابقة ” لينا النابلسي” لفنان يكون أستاذي .”

وأرسل لي اللوحة الأخرى …..