مراوغات عباس وحماس في ملف المصالحة

بقلم: 

لم يكن عندي أدني شك بأن الفشل سيكون من نصيب حوارات المصالحة التي جرت في تركيا وقطر، لا علاقة بالتفاؤل أو التشاؤم بهذا الموقف بقدر علاقاته بحسابات سياسية قبل الحكم  بهذه النتيجة، واستناداً لتجارب سابقة من الإتفاقات وجولات الحوار التي لم تفض مصالحة حقيقية تعيد بناء ما دمره الإنقسام.

الحوار بين حركة حماس ومحمود عباس حاجة ملحّة أملتها الأزمة التي أغرقتهما في الكثير من المسائل السياسية والإقتصادية، بعد جملة من محطات الفشل في إدارة شؤون المجتمع الفلسطيني، فهما لم يحققا نصراً سياسياً على الإحتلال الإسرائيلي ولم ينشئا نظام حكم قائم على العدالة الإجتماعية واحترام الناس، ويعيشان حالة ذهول أمام ما يفعله الشباب الفلسطيني الذي يخوض غمار إنتفاضة بطولية على امتداد مدن وقرى ومخيمات الأراضي الفلسطينية المحتلة بدون قرار، ووضع الخصمان أمام محكات عملية فتحت سؤالاً كبيراً حول علاقة الفصائل الفلسطينية بالإنتفاضة الشعبية، وعن المرجعيات الوطنية المعبّرة عن هذه الإنتفاضة سياساً وتمثيلياً، واذا ما كان محمود عباس أو حركة حماس ما زالا يمتلكان الحق في الحديث نيابة عن الشعب الفلسطيني، وإن كانا كذلك، فأين هما من مسألة الوحدة الوطنية وتبني الإنتفاضة بالكامل، وحمل رسالتها إلى العالم برسالة مجمع عليها تستند إلى قاعدة شعبية تعيد الإعتبار للقضية الوطنية وتدافع عن الحق الفلسطيني بالنضال المشروع ضد الإحتلال أيّ كان وسائل وأدوات الفلسطينيين في ذلك؟

الإنتفاضة الفلسطينية وضعت الإحتلال الإسرائيلي في مأزق، بعد أن ظنّ أنه جرى تدجين المجتمع الفلسطيني، وبالقدر ذاته، فقد وضعت الفصائل الفلسطينية والسلطة بفرعيها في غزة والضفة في نفس المأزق، حيث لا أجوبة في المستقبل القريب ولا المتوسط عند أي طرف عّما ستؤول إلية الحالة الفلسطينية الداخلية بزحمة تعقيداتها ومشكلاتها، ولا على مستوى العلاقة مع الإحتلال المفتوحة على كل الإحتمالات بما فيه إحتمال إنهيار السلطة والإنتقال لمستوى المواجهة الشاملة التي ستضع الجميع على أعتاب مرحلة جديدة مرغمين.

جمهورية مصر العربية المعني الأول بالشأن الفلسطيني، لديها قراءة دقيقة لتفاصيل الحالة الفلسطينية، فقد سعت لإنقاذ الموقف تزامناً مع الإنتفاضة الحالية، وفتحت صفحة جديدة في ملف المصالحة، وحاولت تفكيك هذه العقدة من خلال مصالحة فتحاوية تمتد لتصبح شاملة لكل أطراف الحركة السياسية الفلسطينية، إلّا أن محمود عباس المسكون "بعقدة دحلان" أفشل جهودها، لصالح ضغائنه ومصالحه الشخصية مع إمارة قطر، حيث إستثمارات عائلته التي لا يعلم عنها الشعب الفلسطيني شيء سوى ما يسرب في وسائل الإعلام، فهو يدرك أن هناك ثمن شخصي سيدفعه إن جرى توحيد حركة فتح، لهذا يتجنب دفع الثمن معتقداً أنه يستطيع حجز مكان دائم  له في منتصف الطريق بين الدوحة والقاهرة.

الإحتلال الإسرائيلي اللاعب الأبرز في ملف المصالحة الفلسطينية،  ما زال يؤثر على مواقف الكثير من القوى العالمية وعلى رأسها أمريكا، هذا التأثير الذي يتم ترجمته مالياً وعسكرياً بدءاً من حجب التمويل عن السلطة واحتجاز جزء من اموالها في البنوك الإسرائيلية، مروراً بتفتيش بيت محمود عباس تحت أعين حرس الرئيس الذي إعتدى على المتظاهرين المتجهين للمواجهة مع الإحتلال عند حاجز "بيت إيل" في رام الله، فالإحتلال الذي انسحب من قطاع غزة بشكل منفرد، وأحرج السلطة مئات المرات، وحصل منها على كل شيء ولم يمنحها سوى بطاقات ال "v.i.p"  وبعض الإمتيازات الإستثمارية لرجالاتها ووفر بيئة صالحة للإنقسام، حاضر في تفاصيل الحالة الفلسطينية، ويمكنه أن يفشل جهود المصالحة في ظل قيادات مرتبكة منزوعة الإرادة، وقد يشترط وقف الإنتفاضة لقاء إتمام المصالحة، وهذا ما سرّبته بعض وسائل الإعلام التي لا أثق بها.

السؤال الأبرز المطروح أمام محمود عباس وحركة حماس وهو عقدة مناورة الحوار الأخير في الدوحة، هل فعلاً بإمكانهما التضحية بالإنتفاضة الفلسطينية وبموقف الدول العربية ناقص قطر مقابل مصالحة ترعاها قطر وتركيا وقد تمولانها إلى حين وبشكل مشروط؟ ألم تكن تجربة إتفاق الشاطئ درساً مفيداً لهذا المسار؟

تقديري أن كلاهما يعرفان الإجابة ويتجنبان الإفصاح عنها، وما جرى في الدوحة هو تأكيد على علمهما بالإجابة، ولكنهما يواصلان المراوغة في إنتظار مجهول لن يأت، وبين الإنتظار وإنتظار تواصل الأطراف خسائرها، ويواصل الشعب انتفاضته التي وجد فيها "تصوره العملي" الوحيد على كل المهزلة.