الاصلاح الديني وظاهرة داعش

بقلم: 

من الجدير الاشارة الى ان الفكر الداعشي او الظاهرة الداعشية، لم تأت من فراغ او من صدفة عابرة، حيث أن داعش يعد جزءا عضوي من ظاهرة متأصلة في منظومة الفكر الجهادي المتطرف؛ الذي تنتمي اليه القاعدة وبوكو حرام وسواهما من الحركات الاسلاموية التي نشأت على خلفية مراجع ومدارس فكرية ظهرت في العالم الاسلامي بعد انهيار الخلافة العثمانية مطلع القرن العشرين، وهي المراجع التي دعت الى مفهوم الاحياء الاسلامي في عشرينيات وثلاثينيات واربعينيات القرن الماضي(حسن البنا،سيد قطب)،وبالتالي ان داعش تنتمي الى مشروع يمتد عمره لاكثر من ثمانين عام خلت يهدف الى البعث الاسلاموي واقامة الخلافة الاسلامية حسب عقيدة هذا التيار. وقد انطوى هذا المشروع على ابعاد خطيرة نتيجة قيام هذه المراجع بعملية دمج وأدلجة ما بين الاجتهاد و الفكر في الدين وبين الدين كعقيدة وعبادة في الوعي الغام لدى المسلمين، الامر الذي سنتحدث عن خطواته في سياق قراءتنا لهذه الظاهرة وابعادها الغكرية التاريخية. هنا، من الاهمية بمكان العودة قليلا الى تجربة تنظيم القاعدة في تسعينيات القرن العشرين وبداية الالفية، لنلاحظ كيف ان هذا التنظيم المتطرف، حظي بتضامن وتعاطف من قبل السواد الاعظم من المسلمين في مختلف الاقطار،رغم عقيدة هذا التنظيم التي تعادي الانظمة و الاوطان العربية وتستهدفها وفق نظرية العدو القريب قبل العدو البعيد، وهذا يرجع بشكل او بآخر الى هيمنة خطاب المراجع الدينية المتشدد التي ذكرناها اعلاه، والذي تنامى في ضوء غياب المرجعية الدينية الرسمية(كالازهر الشريف)او بمعنى آخر؛ في ضوء قصور دور هذه المرجعية وتقاعصها عن معالجة ومواجهة هذه المدارس والمراجع المتطرفة التي خرجت باجتهادات انحرفت عن جادة الدين الحنيف وتسللت افكارهم لتغزو اجيالا من الشباب الذي اعتقد خاطئا انه يمارس السبي والقتل والثأر ، وبالتالي وضعوا الاسس التي مهدت لنشوء جل هذه المجاميع الجهادية المتطرفة كالقاعدة وداعش ..الخ. ولكن على الرغم من ان مرجعية هذه المجاميع واحدة وبالتالي هدفها واحد الا انها تفاوتت في تطرفها، هنا نتطرق الى ظاهرة داعش التي تميزت عن بقية هذه المجاميع في غلوها وايغالها في الاساءة للمسلمين وتشويه مقاصد الدين الاسلامي الحنيف عبر عمليات القتل والسبي البربرية ومعاداة الآخر ايا كان عرقه او دينه تحت شعارات وراية الاسلام ؛ الأمر الذي دفع وبقوة قضية الخطاب والفكر الديني المتشدد وخلفياته الى الواجهة وبالتالي التساؤل من قبل عموم المسلمين الذين صدمتهم كثير من المواقف والاحداث عن موقف الاسلام والشريعة من هذه التنظيمات ومن هذه الظاهرة المتوحشة. هنا نلاحظ كيف ان سؤال الدين اصبح السؤال السائد في هذه المرحلة ،ومن حسن الطالع ان تطرف داعش ساعد على ذلك؛ الامر الذي كان قبل ذلك يعد من الخطوط الحمراء ومن المحرمات التي يتجنب الجميع الحديث عنها نظرا لحساسية هذا السؤال في الفطرة الاسلامية لدى عموم المسلمين، اذ ان طرحه في اوقات سابقة كان كفيلا بتشريع اقامة الحد على صاحبه كما حدث مع المفكر المصري فرج فودة الذي تم اغتياله في تسعينيات القرن الماضي بموجب فتوة لاحد مراجع التيار الاسلاموي، بعد دعوته للاصلاح الديني وتصحيح خطاب ورسالة المساجد. مما لا شك فيه ان ظاهرة داعش واخواتها ادت الى الدعوة دون خوف او تردد الى فتح وتفكيك الخطاب الديني المتشدد، او بمعنى ادق الوقوف ومعالجة كافة المغالطات التي تعرض لها الدين على امتداد العقود الماضية وبالتالي تجدر الدعوة الى الفصل التام بين الفكر الاسلاموي السياسي وبين العقيدة الدينية الحنيفة الواردة في القرآن والسنة النبوية. تجدر الاشارة هنا الى المؤسسة الدينية الرسمية رغم ارتفاع صرخة الاصلاح الديني وسؤال الدين حول كل ما يجري، لا تزال تعاني من قصور حاد في معالجة وتناول هذه الجدلية التي احدثتها الظاهرة الداعشية في الوعي العام للمسلمين، ولعل امتناع الازهر الشريف الذي يعد احد مراجع التشريع الاسلامي، عن تكفير داعش وتوحشها، والاكتفاء بدلا من ذلك بتعريف ظاهرتها وافعالها على انها تشكل انحراف عن نهج السلف،يعد مؤشرا قويا على ضعف وبطؤ مشروع الاصلاح الديني الملح في هذه المرحلة، الامر الذي يوفر هامشا لتغلغل فكر الحركات الجهادية المتطرفة لدى الكثير من البسطاء في مختلف أرجاء العالم الاسلامي. اخيرا ان الخروج من هذه المرحلة يبدا من خلال الشروع في عملية الاصلاح الديني بشكل جذري وجوهري يشمل رسالة المدارس والمناهج الدراسية وفوضى الاجتهادات ، وهي مهمة مناطة بالمؤسسة الدينية الرسمية التي يقع على عاتقها مسؤولية الخروج من حالة الحياد وعدم الاكتفاء بالمؤتمرات التي لا تعدو اكثر من تظاهرة دينية تكتفي بادانة او شجب نشاط الارهاب الجهادي، دون الدخول بصلب وجوهر المعضلة الرئيسية الا وهو سؤال الدين، كما تقع على الدولة مسؤولية تعزيز دور هذه المرجعية وتعزيز خطابها دون تدخل او توظيف اجنداتها السياسية، وصولا الى خطاب ديني حداثي يضع حدا لخطاب ومفهوم الماورائيات الذي تسيد العقل والمشهد المجتمعي على مدار العقود الماضية. 

بقلم الاسير ماهر عرار.

سجن النقب والصحراوي