عزازيل: وما أدراك من عزازيل

بقلم: 

من الكاتب ؟ من المترجم؟ سؤال بدأ فيه مشوار عزازيل وانتهى . قد تكون هذه الرحلة بين الكاتب المترجم وبين الكاتب الراوي من اصعب الرحلات التي يقوم فيها القارىء بينما يتسلق جبال صفحات هذه الرواية والغوص في أعماق محيطاتها …

“العبقرية” هي الكلمة التالية التي صاحبتني منذ بدء الرواية التي رسمت ذاتها في تلك المنطقة من وعيي الذي عاش اياما في أفئدة اللا وعي مع ثنايا العبارات والاماكن … في كل مرة كدت انسجم فيها مع الحبكة المرجوة من صانع هذه القصة ، كنت استيقظ لواقعية الاحداث.

خلط امتزج بالماضي والحاضر . بالديانات والوثنية . بالمسيحي واليهودي والاسلامي الغائب عن ذلك الزمن الحاضر في تفاصيل الرواية مع مجريات هذا الزمن.

موضوع المرأة ؟ ام موضوع الدين والسياسة ؟ أم موضوع التجهيل الممتد ؟ ام موضوع عزازيل؟ لا تكاد تنشغل بأحد هذه المواضيع وتشعر بوصولك الى القمة فيما فهمت ، حتى يلقي بك في قعر بحر لا قرار له .

احيانا افكر ان كان هناك علاقة باسم “زيدان” بالادب العربي والتركيز على المرأة ، واخراجها من حيز الهامش الى اصل الرواية حتى لو لم تكن مركزها . فمنذ اكتشافي لجرجي زيدان وانا انحني لجمالية فزلكاته واستمتع بمداعبات عقلي بحكاياه . ولكن يوسف زيدان جعل في عقلي عرشا للمرأة منذ “ظل الافعى” لا يقبل بدور اقل من دور الالوهية. وبين نصير للمرأة وبين مؤمن بالمرأة يكمن الاختلاف بين الزيدانين.

سيدات عزازيل الثلاثة : اوكتافيا: الخادمة الارملة اللعوب . هيباتيا: العالمة المدللة الجميلة . مارتا: المغنية المطلقة الفاتنة. تجتمع بهن عظمة المرأة منفصلات كل عن الاخرى . بقصة كاملة ، لا يمكن دمجها ومن المستحيل فصلها …. امام ضعف الرجل في احسن احواله واوهنها.

اختلفت النساء بماهيتهن الحياتية واقررن بسمو وجودهن رغم التحقير والظلم والجبروت في كل مرة امام نفس الرجل الذي توحد في شخصه وانتشر في رجال البشرية في صفاته.

ضعفه المزري امام قوة تلك السيدات اللافت في اصعب المواقف … في الحياة كما في الموت .

هروبه وقتله وعجزه المحصور في ذاته امام هربها وقتلها وعجزها المفروض عليها من المجتمع بأكمله.

حريتها بالرغم من تحديد حراكها بكل الاصعدة . وحبسه بصومعة بلا ابواب يقفلها كيانه المعقل.

وبين محطات سيداته يحملنا الراوي او الكاتب او المترجم … بتلك اللحظة تسقط الرموز وتغلب الرواية لتحملنا في رحلة وعي او لا وعي . لأماكن حقيقية او خيالية . لتاريخ مؤرخ ام مفزلك …لا يهم … تلتقي الصحاري بالبحار وتتسلق الى المغارات وتجوب في اروقة الكنائس والصوامع والمعابد . تتجول في ازقة المدن الكبيرة وتلك التي زالها الزمن من الوجود المرئي . تسمع صخاب الشوارع وتتوق معه الى العزلة في صومعة بين كتب ورقائق. ولا تنكف تتساءل عن غرابة التاريخ الذي يصر ان يعيد نفسه باشكال واشخاص وديانات ومعتقدات تصر على الاختلاف من الخارج ولا يتغير من دواخلها شيء . تاريخ يعصر بنا ويفتك بنا ويبيدنا وفي كل عملية اعادة احياء نصر ان نبقى كما كنا … لا يتغير منا الا قشور التاريخ الذي نحن للملمته وتجسيده في مجسم مثالي تمتزج فيه حقيقتنا المرجوة وتلك الطاغية علينا.

ويبقى عزازيل …. كشاهد الزور يطوف معنا ونطوف به

يكون نحن ونتملص منه

يؤرقنا ويطمس الداخل الداكن الساكن فينا