هبة القدس والدولة الفلسطينية

بقلم: 

يصادف يوم  29 تشرين الثاني / نوفمبر الذكرى الثالثة للاعتراف الأممي بدولة  فلسطين كدولة  بصفة مراقب في الامم المتحدة ، وهو ايضاً ذكرى اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني بحسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1977 ، وفي ذلك اليوم من العام 1947 اعتمدت الجمعية العامة قرار تقسيم فلسطين رقم 181 والذي يدعو الى قيام دولتين يهودية وفلسطينية على ارض فلسطين وإنهاء الانتداب البريطاني ، وقد أقيمت دولة إسرائيل بناءً على هذا القرار ، واعترفت بها العديد من دول العالم ، ولكن الدولة الفلسطينية لم ترى النور حتى اللحظة نتيجة الإجحاف التاريخي الذي لحق بالفلسطينيين نتيجة عدم تطبيق القرار بالكامل، والمطلوب الآن هو تفعيل دور الأمم المتحدة ورسالتها الأساسية في صنع السلام المبني على المبادئ التي قامت من أجلها ، وعلى جميع الدول بما فيها الولايات المتحدة  وبريطانيا دعم قيام دولة فلسطينية لإعادة الحق لأصحابه بسبب الظلم التاريخي الذي ارتكبته بريطانيا بإصدار وعد بلفور القاضي بإقامة وطن قومي لليهود على ارض فلسطين .

وقد أعلن المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشرة التي عقدت في الجزائر عام 1988 استقلال دولة فلسطين ، إلا أنها لم تستطع الانضمام للأمم المتحدة في ذلك الحين بسبب رفض الولايات المتحدة الأمريكية وخلافات حول كينونة منظمة التحرير الفلسطينية ووضعها القانوني، واليوم وبعد سبعة وعشرون عاماً على الإعلان ، مازال الشعب الفلسطيني يناضل من أجل نيل حقوقه المشروعة وتحويل هذا الإعلان إلى واقع ملموس ، واقع  انجاز حق تقرير المصير وتجسيد الإعلان بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية .

وبالرغم من محاولات القيادة الفلسطينية المتكررة دعوة إسرائيل لتنفيذ التزاماتها القانونية والدولية، ودعوتها  لطاولة المفاوضات على أسس الاتفاقات الموقعة بعد وقف الاستيطان بشكل كامل في الضفة الغربية والقدس الشرقية ، الا انها استمرت استغلال مسار المفاوضات لفرض وقائع غير قانونية على الارض في ظل تقاعس دولي واضح ،  مما حذى بالرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية البحث عن خيارات أخرى لإنقاذ مشروع حل الدولتين ولتصحيح المسار التفاوضي ولاعادة القضية الفلسطينية لوضعها الصحيح على أساس قرارات الشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي ولإنقاذ ما تبقى من الأراضي الفلسطينية من وحش التهويد الإسرائيلي ، فكان خيار الذهاب للأمم المتحدة وطلب العضوية   في 23 / 9 /2011 ، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن حيث عملت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على إجهاض مشروع هذا القرار بالضغط المباشر على الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وتهديدها باستخدام حق النقض الفيتو ، ولم تستطع السلطة الوطنية الفلسطينية اجتياز نسبة الحسم لإقرار الطلب بتسعة أصوات .

وفي 29-11-2012  ، وبعد ان استمرت إسرائيل  بإدارة الظهر للجانب الفلسطيني والعالم اجمع  في مخالفاتها لقواعد القانون الدولي والاتفاقيات الموقعة ، فقد رأى الجانب الفلسطيني الذهاب للجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب دولة غير عضو بصفة مراقب في هذا المحفل الدولي الهام في خطوة استراتيجية لوضع حد للانتهاكات الإسرائيلية ولنصبح (دولة تحت الاحتلال) وليس سلطة تحت الاحتلال لها أراضي متنازع عليها ، فهذا الواقع القانوني الجديد بعد الحصول على صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة يعطينا الحق في الحفاظ والاعتراف بأراضينا دون انتقاص على حدود الرابع من حزيران 1967 .

  ان أهمية هذا القرار تكمن  باعطائنا الاهلية للانضمام لاكثر من 18 منظمة وهيئة دولية ، وخصوصاً محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية بعد استيفاء شروط العضوية لكل منظمة على حده .

وقد أتت هذه الخطوة الفلسطينية  بعد تعاظم التاييد الدولي لحقنا في اقامة الدولة المستقلة ، وإضافه تراكمية واستراتيجية هامة لمجمل قرارات الامم المتحدة السابقة التي تخص القضية الفلسطينية ، حيث سيتم التعامل معها ( كدولة ) في نظام الامم المتحدة وأمام المجتمع الدولي ، وأنها ستعزز العمل الفلسطيني نحو انهاء الاحتلال وتجسيد الاستقلال .

واليوم وبعد ثلاثة اعوام من الاعتراف الاممي بنا كدولة بصفة مراقب في هذا المحفل الدولي الهام كيف اصبح حالنا ؟؟ وماذا حققنا ؟؟
سؤال اعتقد ان الاجابه عليه غاية في الصعوبة بسبب التعنت الاسرائيلي وسياسة ادارة الظهر للجانب الفلسطيني ولقرارات الشرعية الدولية ، حيث استمرت اسرائيل بعدوانها على الشعب الفلسطيني في كافة مناحي حياته واستمرت بالاستيطان وتهويد القدس وبناء الجدار العنصري والاعتقالات وقتل المدنيين فبعد الاعتراف الاممي زادت اعتداءات المستوطنين وبدات باختطاف الطفل محمد ابو خضير واحراقه حياً ،   ثم احراق عائلة دوابشة واستمر قتل الاطفال واعتقالهم واقتحامات المسجد الاقصى والاعتداء على المرابطات والمرابطين وتوسيع المستوطنات على حساب الاراضي الفلسطينية ، مما حدا بالقيادة الفلسطينية التوجه لمحكمة الجنايات الدولية وبعض المنظمات الاممية بعدد من الملفات في محاولة منها لردع الجانب الاسرائيلي عن الاستمرار في انتهاكاته بحق الشعب الفلسطيني .

لقد كان قرار الذهاب للامم المتحدة لانتزاع قرار أممي هو لانقاذ مشروع حل الدولتين ، ولتصحيح المسار التفاوضي، ولاعادة القضية الفلسطينية لوضعها الصحيح على أساس قرارات الشرعية الدولية لانهاء الاحتلال ولاقامة الدولة المستقة وحماية ابناء الشعب الفلسطيني واراضيهم وممتلكاتهم ، الا ان هذا لم يتحقق حتى يومنا هذا !! 

لقد ضاق صدر الفلسطينيين من كثرة النداءات و بيانات الشجب والاستنكار وتوجيه المطالبات الضعيفة للمجتمع الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية حليفة اسرائيل بدون اي نتيجة ، وجاء الرد الشعبي اقوى من كل التوقعات فكانت (هبة القدس) الشعبية في وجه الاحتلال ، صرخه وجهها اطفال فلسطين وشباب وشابات فلسطين بأن كفى للظلم والاجحاف وكفى للاحتلال ، فانتفض شباب القدس وتبعته الخليل ثم باقي مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة في رسالة واضحه مفادها نريد انهاء الاحتلال ، ونريد العيش بحرية وكرامه مثل باقي شعوب العالم.

وهنا لا بد من التأكيد أن خيار المقاومة الشعبية هو خيار الشعب الفلسطيني لمواجهة فشل المفاوضات واستمرار الانتهاكات الاسرائيلية ، وهو الخيار الذي تتفق عليه كافة جماهير شعبنا الفلسطيني وفصائل العمل الوطني لان الظلم طغى ولا بد من انهاء الاحتلال مهما كان الثمن ، وبات من الضروري ايضاً انهاء الانقسام الداخلي واعادة اللُحمة السياسية والجغرافية لشطري الوطن لمواجهة غطرسة الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة ، ويجب التركيز على بناء الاقتصاد الوطني ودعم الصناعة والزراعة لانها من اهم مقومات تجسيد الدولة على الارض.