درب الآلام نحو المعرفه

بقلم: 

تمثل المعرفة سلاح الدول في تقدمها العلمي والفكري، وقد عدها الفلاسفة والمفكرين عنصر الإنتاج الأساس الذي ينتشر بالمشاركة ويزداد بالممارسة والاستخدام وهي بمثابة العمود الفقري والمفتاح الرئيس لنجاح دول العالم المختلفة ومنها العربية.

إن اتجاهات المعرفة العربية وتحولاتها وكيفية تطورها ليس في المنهج الجديد مثال ذلك فكيف تحدث الفارابي من خلال المعرفة العربية عن المدينة الفاضلة وكيف ربطها بالدين في كتابه المدينة الفاضلة أو حتى قبل الفارابي في عصور الفتوحات الإسلامية وبعد ذلك جاء ابن خلدون ليطرح بشكل مختلف تماما آلية المعرفة العربية واتجاهاتها وانتاجها وكيف تطورت عبر الزمان، حيث قدم في كتابه مقدمة ابن خلدون تحليل وتفكيك لمختلف الظواهر الإيديولوجية والسياسية والاقتصادية التي تدخل في البناء المعقد للمجتمع الإنساني، وقدم جملة من المفاهيم العامة والتي يمكن تطبيقها على أحداث تاريخية من مختلف الأمكنة والأزمنة.

كانت فترة العصر الذهبي للمعرفة العربية والانتاج المعرفي في ظل الأنظمة الإسلامية المتعاقبة الا أن المشاكل المتلاحقة في تلك الحقبة أدت إلى نهاية وتراجع المعرفة العربية والمنهج الفكري والانتاج المعرفي وحتى الديني لكثير من الأسباب التي صاحبت انهيار الدولة الإسلامية مثل الدولة الأموية وصولا إلى العثمانية.

مع بدء تطور أوروبا فكريا وفلسفيا بعد الثورة الصناعية والاكتشافات الأوروبية الحديثة والتطور في مختلف المجالات وفتح عصر جديد مع النهضة الأوربية في ظل ذلك كانت الدول العربية تعاني من الاحتلال والمشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية مما أدى إلى ضعف انتاج المعرفة وبداية مرحلة الدخول في نفق مظلم لم يعرفوا العرب نهايته إلى يومنا هذا الا القليل من المفكرين والأفكار التي تعالت هنا وهناك في عالمنا العربي ومحاولة النهوض في المجتمعات العربية، وارتباط الانتاج المعرفي في العالم العربي في الوضع السياسي العربي والعالمي فاتخذ العرب المنهج اليساري في ظل التحالفات مع الاتحاد السوفيتي وكانت الفكرة العامة للمعرفة العربية هي الفكرة الاشتراكية الشيوعية التي نمت وتطورت في العالم العربي وحتى في فلسطين كفكر ثوري وانتهت سريعا او تجمدت مع انهيار الاتحاد السوفيتي.

وفي ظل الهيمنة الأمريكية ظهرت بعض الأفكار اللببرالية الرأسمالية التابعة لأمريكا وعادت الشعوب العربية من جديد إلى جذورها الإسلامية وخاصة بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران، فظهرت الحركات الإسلامية في العالم العربي ومنها الإخوان المسلمين ومن انبثق عنهم وصولا إلی الدولة الإسلاميه أو ما يسمی "داعش".

فالسؤال المهم الآن اين اتجاهات المعرفة في العالم العربي وفلسطين ؟. ستبقى المعرفة العربية ونظرية اتجاهات المعرفة الفكرية حبر على ورق ما لم يتم محاولة أدلجتها وجعلها نهج الشعوب العربية لبدء مشروع نهضوي جديد يقوده فلاسفة ومفكرين على غرار الثورة الفرنسية وللخروج من الهيمنة الصهيوامريكية.

فنشاهد الآن المشاكل وصراعات في الوطن العربي والانقسامات العربيه العربية وصولا الی دينيه، كما يتداول الربيع العربي أنه ليس قيم أو مبادئ أو منتجا ثقافيا أو فكريا أو فلسفيا؛ هو حراك شعبي اجتماعي نشأ عفويا سيّر ليخدم أهداف ومصالح ويحقق سياسات ويخلق موازين جديدة في العالم العربي، لذلك يجب على المفكرين العرب والنخب الاجتماعية اخذ دورهم الطبيعي في بناء وتوجيه المجتمعات، وتشكيل رأي عام لخلق أنظمة عربية ديمقراطية حرّة قادرة على اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية ووطنية والتي تتمثل في القدرة على مواجهة الاستعمار بكافة اشكاله وأنواعه في العالم العربي وفلسطين كقضية مركزية وإعادة انتاج المعرفة العربية والإسلامية البعيده عن الرديكاليه وخلق جيل مثقف واعي ومدرك للمشاكل الاجتماعية والقادر على حلّها والوقوف في وجه التحديات والصعوبات في العالم العربي في حالة الانجماد الثقافي والفكري والسياسي.

ولتمكين ذلك على الاعلام في العالم العربي و الطبقة المثقفة ونخبة السياسية ان تاخذ دورها الطبيعي والتي يجب ان تكون صالحة في الاساس لقيام في هذه المهام والاخذ على عاتقها كل المتطلبات للخروج من هذا المستنقع  فيجب خلق وسائل الاعلام موضوعية  ومهنية للبدء في تطبيق المرحلة الفكرية والمعرفية الجديدة في المجتمعات العربية.