صراع داخلي أم فقدان للأمن في غزة

بقلم: 

قبل أكثر من ثلاثة أسابيع نفى خليل الحية، القيادي في "حماس" أن تكون لحركته أية علاقة بالتفجيرات التي استهدفت بيوت وسيارات ومنصة للاحتفال بذكرى رحيل عرفات. الحية قال: إن "حماس" كان يمكنها أن تمنع إقامة المهرجان وهي بالتالي ليست بحاجة للقيام بذلك من خلال "تفجيرات" من هذا النوع، لكنها وافقت على إقامته لأن "الرئيس عرفات ليس شخصاً عادياً بل هو رمز من رموز الشعب الفلسطيني". داخلية غزة، أعلنت أيضاً أنها شكلت لجنة تحقيق من كافة الأجهزة الأمنية لمعرفة الجناة. النتيجة بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من ادعاء وجود "تحقيق" لا شيء. قبل ثلاثة أيام وزع بيان في غزة يحمل اسم "الدولة الإسلامية" يهدد كتابا فلسطينيين بالقتل بسبب آرائهم الفكرية والسياسية وصفته "حماس" بنزوة شبابية.
دعونا نتحدث بصراحة. يمكن تفهم الإجراءات الأمنية الشديدة التي تتخذها "حماس" لحماية مقراتها، وقادتها، وجناحها المسلح لأنها مستهدفة من إسرائيل ولأنها في حالة صراع مع "فتح" منذ العام 2007. يتبع ذلك أيضاً، أن قيادات "فتح" (بيوتهم والأماكن التي يترددون عليها مشياً أو بسياراتهم) هي موضع رقابة مستمرة من قبل أجهزة "حماس" الأمنية. لذلك بدا لي للحظة أن ما يقوله الحية فيه نوع من مجافاة الحقيقة لكني فضلت كما يقال أن أعطي الرجل "the benefit of doubt" وأن أنتظر المعلومات التي ستكشفها "حماس" بعد التحري والتحقيق. لكن يبدو أن "حماس" لا نية لها في الكشف عن الجناة لأن ما جرى هو شأن داخلي "حمساوي". لماذا؟
السبب في تقديري يعود الى أن "حماس" ليست تنظيماً متجانساً. فيها من يرغب بالمصالحة مع "فتح" وفيها من يرفضها. فيها من يريد الاستمرار في حلف مذهبي طائفي وفيها من يريد أن يبني تحالفاته لخدمة المقاومة بعيداً عن الطائفية. فيها من يرى التنظيم أو "الجماعة" أولاً وأخيراً وفيها من يرى فلسطين أولاً ثم "الجماعة". في "حماس" معتدلون بمعنى أنهم على استعداد لحلول وسط في الصراع مع إسرائيل وفي الشأن الداخلي الفلسطيني وفيها متشددون لا يكترثون بالوحدة الوطنية وجاهزون لتكفير الآخر. وفيها من يرى الحكم في غزة مسؤولية ترهق "التنظيم" وتقلل من حجم التأييد له وفيها من يرى في التخلي عن حكم غزة مغامرة لا تصب في صالح الجناح المسلح، لكن هنالك أيضاً من يرى الحُكم في غزة "بقرة" حلوباً لا يجب التخلي عنها طواعية.
ليس في هذا الكلام تجنٍّ على "حماس". جميعنا تابع الصراع على موقع رئيس الحركة والذي استمر لأشهر طويلة بعد الخروج من سورية. تيار كان يرغب بالوقوف على الحياد في الصراع الذي يجري في سورية لعل هذا يحافظ على وحدة محور قديم داعم للمقاومة، وتيار كان يُهرول باتجاه تكريس الطائفية فيها من باب "البرغماتية" السياسية التي قد تفتح أبواب الخليج لهم على مصراعيها. لهذا شاهدنا "هنية" في البحرين مثلاً (شباط 2012) في الوقت الذي كانت فيه "المملكة" تواجه ثورة سلمية متصاعدة وليس "مسلحة" على الطريقة السورية، ثورة يشارك فيها غالبية الشعب، وليس جزء منه فقط كما هي حال سورية.
ومثلما كانت الحال مع سورية كانت الحال مع مصر. هنالك من وضع نفسه في خدمة سياسة جماعة الإخوان المسلمين في مصر على حساب مصلحة القضية الفلسطينية وتطوع لبث كم من "الإشاعات" لا أساس لها من الصحة من نوع أن معبر رفح مفتوح وأن الحصار "انتهى". وذهب البعض حتى للادعاء بأن المقاومة حصلت على كل ما تريد من الأسلحة في عهد الرئيس مرسي علماً بأن شيئاً ما لم يتغير على معبر رفح وأن عملية إغلاق الأنفاق بمياه الصرف الصحي بدأت في عهد مرسي، وأن هذا الأخير، لم يكن يملك شيئاًَ في كل القضايا المتعلقة بغزة.
أما على صعيد الوحدة الوطنية الفلسطينية، فإن هنالك بلا شك من هم داخل "حماس" من لا يرغب بها. وهؤلاء يمكن تقسيمهم الى ثلاث فئات. الأولى لا ترغب بالوحدة لأنها تفرض تحديات أمنية جديدة على الجناح المسلح في الحركة لأسباب لها علاقة بالموقف السياسي للسلطة الفلسطينية من الصراع مع إسرائيل وهي تعتقد بأن عودة السلطة لغزة تعني عودة للتنسيق الأمني بما يحمله ذلك من مخاطر تعتقد هذه الفئة أنها في منآى عنها في ظل غياب السلطة. والثانية لا تريدها لقناعات أيديولوجية لأنها تكره كل ما يتعلق بحركة "فتح" وتنظيمات منظمة التحرير. أما الثالثة فهي لا تريدها لأنها ستخسر امتيازات مادية تحققها من سيطرتها على غزة. جميع هذه الفئات لها مصلحة في حادثة التفجيرات التي استهدفت منازل قيادات "فتح" وسياراتهم.
قد يكون الحية صادقاً بأنه أراد أن تتمكن "فتح" من إقامة مهرجانها لكنه يعلم أيضاً بأن هناك أطرافاً في "حماس" لم تكن راغبة في ذلك، وأن هناك أطرافاً فيها لا تريد للوحدة الفلسطينية أن تتحقق. إبراهيم حمامي مثلاً وهو من المحسوبين على "حماس" وله مناصرون فيها رد على خطاب الحية الذي قال فيه إن عرفات رمز للشعب الفلسطيني كافة بالقول: إن "الخونة" مثل عرفات ليسوا رموزاً للشعب الفلسطيني.
تهرّب "حماس" من مسؤوليتها في إيجاد الجناة وتقديمهم للعدالة هو مؤشر خطير على حالة عدم تماسك داخل التنظيم وعلى فقدان للقدرة على ضبط الأمن في غزة.
عدم التماسك داخل التنظيم تتعامل معه "حماس" من باب أن كل حركة فيها جماعات واجتهادات مختلفة. على الرغم من صحة هذا الكلام، حادثة التفجيرات لا يمكن وضعها في إطار التعددية السياسية داخل الحركة لأنها ببساطة تعني أن هنالك من قرر أن يمارس اجتهاداته بعيداً عن الموقف العام للحركة وقرر فرضه على الحركة بالقوة وفي هذا مؤشر انقسام وليس تعددية. وفيه أيضاً مؤشر على أن الحركة بدأت تفقد قدرتها على ضبط الأمن في غزة وهو ما يعززه البيان الصادر عن "داعش" غزة الذي يهدد ويتوعد كتاباً فلسطينيين بالقتل إن استمروا في "غِيهم". ادعاء "حماس" بأن بيان "داعش" هو مجرد "نزوة شبابية ومغامرة" لا يعفيها من مسؤوليتها الأمنية. لكننا نعتقد بأن حال هذا البيان هو مثل حال حادثة التفجيرات، وأن "حماس" التي تعرف الجناة لن تقوم بفعل أي شيء ضدهم فقد تكون راغبة بالاستفادة من هذا البيان في "إخراس" أصوات معارضة لها، وقد تكون راغبة في إرضاء تيارات متشددة داخلها. في كلتا الحالتين مؤشر على عدم القدرة على توفير الأمن لأهل غزة مثلما هو مؤشر على صراع داخل "حماس" بدأ يخرج للعلن.
الوضع صعب ومعقد في غزة بسبب الحصار والحرب الأخيرة التي شنتها دولة الاحتلال عليها، لكن الطريقة التي ترد بها "حماس" على حادثتي التفجيرات والبيان الصادر عن "داعش" غزة تزيد من سوء الأوضاع فيها.

المصدر: 
الأيام