كيّ الوعي كبديل لميثاق الأمم!

بقلم: 

بعد أن قتلت 2145 مواطناً ومواطنة في غزة ودمرت البنية التحتية، تعود حكومة نتنياهو لتواصل استباحة الضفة فتصادر أربعة آلاف دونم من أراضي بيت لحم والخليل رداً على اختطاف ومقتل المستوطنين الثلاثة. ما حدث في غزة من قتل للأطفال والأبرياء ومن تدمير للمنازل والمدارس والمستشفيات يعد جرائم حرب بمقياس القانون الدولي وهي تعتبر جرائم بحق الإنسانية. وما حدث ويحدث اليوم في الضفة يعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي. الانتهاكات الإسرائيلية في قطاع غزة التي هي بمستوى جرائم حرب تمر مر الكرام. وقضم وتحويل الضفة الغربية ومدينة القدس يمر بسلام ايضا. يقول المفكر الإسرائيلي إلان بابيه: لا يوجد رد فعل دولي كبير على استخدام الأسلحة الأكثر شراسة وفتكا التي أدت الى المجازر والدمار الوحشي في غزة". كان الاعتراض الدولي الرسمي عالي الصوت عندما قتل طفل إسرائيلي واحد لكن موت 600 طفل فلسطيني قوبل باحتجاج لفظي خافت الصوت، الاحتجاج الدولي على أسر ضابط إسرائيلي اثناء المعارك كان مرتفع الصوت. لكن رد الفعل الدولي الرسمي على فصل جديد من حرب الإبادة والدمار والخنق الذي يمارس على الشعب الفلسطيني ينطوي على تأييد للرواية والأهداف الإسرائيلية، كما يقول المفكر الإسرائيلي بابيه، والأخطر من ذلك هو تشجيع إسرائيل على استئناف حرب التدمير واستمرار الحصار والسيطرة على مقومات حياة شعب بأكمله.
لماذا تحرك النظام الدولي وحشد قواته للرد على اعتداءات داعش في العراق وسورية ولم يتحرك النظام الدولي لمنع إراقة الدم الفلسطيني بوقف العدوان الإسرائيلي، لماذا لم يتم تأمين الحماية بأبسط أشكالها للشعب السوري الذي كان نصيبه من الخسائر والانتهاكات والدمار والتهجير الشيء الذي يفوق التقدير والوصف. ما أكدته هذه الحرب ان الشعب الفلسطيني بدون حماية منذ ان تعرض لعملية التطهير العرقي عام 1948 وحتى اليوم. منذ ذلك التاريخ وجد الشعب الفلسطيني نفسه تحت رحمة هيئة أمم متحدة تجاهلت كل قواعد القانون الدولي المنصوص عليها في ميثاقها والتي تسمح بتأمين الحماية لشعب يتعرض لتطهير عرقي. فضلا عن ذلك جرى تجاهل ما جرى كليا على الأرض، والأسوأ تم اقتلاع التطهير من الذاكرة العالمية الجماعية ومحوه من ضمير العالم. وبفعل ذلك ما زلنا نشهد فصولاً إضافية من تلك العملية في قطاع غزة، وما زلنا نشهد فصولا في القدس والضفة الغربية التي جرى اقتطاع 4 آلاف دونم من أراضيها بجرة قلم. ما زال التجاهل الدولي ساري المفعول، باستثناء محاولات بائسة. يكفي الإعلان الإسرائيلي سواء عبر جنرالات العسكر أم عبر جنرالات الإعلام ان هدف العدوان "كي الوعي الفلسطيني" والمقصود هنا وضع الفلسطيني أمام خيار الموت والتشرد وسرقة الأرض والموارد أو القبول بالعبودية الجديدة والعنصرية الجديدة. كيف تتجرأ دولة في القرن الـ 21 على العمل بمنطق شريعة الغاب وبمنطق الدوس على القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة دون ان تتعرض للمساءلة.
إذا كان ضعف العامل الفلسطيني كان له دور في نجاح الخطط الصهيونية عام 1948، من زاوية الضعف والتفكك وفقدان الاتجاه اثناء حرب التطهير العرقي، فهل يستمر ضعف العامل الفلسطيني في تمرير وإنجاح حلقات جديدة من المسلسل. علينا ان نتفحص العامل الفلسطيني ونحن نعيش فصولا جديدة من حرب الإقصاء وتدمير المشروع الوطني.
كان أداء المقاومة المسلحة في الحرب مميزاً من زاوية الإرادة الصلبة والتخطيط والمبادرة والشجاعة والقدرة على الاستمرار، ما أدى الى إرباك وحدات النخبة الإسرائيلية، والى تفوق إرادة المقاوم الفلسطيني على إرادة الجندي الاسرائيلي. وهذا يعود الى الفارق الجوهري بين مقاتل يناضل من اجل الحرية ويدافع عن شعبه وبين جندي معتدٍ يدافع عن أهداف كولونيالية وسياسة عنصرية.
مقابل ذلك، كان أداء المستوى السياسي للمعركة (قيادة حماس وبمستوى اقل الجهاد) مرتبكاً. كيف؟ إن أي مقارنة بين بنود اتفاق وقف إطلاق النار الأخير والمبادرة المصرية الأولى، ستقول انه لا يوجد فرق ذو مغزى بين الصيغتين. الفرق كان في حجم الخسائر التي لحقت بالمواطنين وبالبنية التحتية. وهذا يطرح سوء تقدير للموقف السياسي الذي انبنى على احتمال رضوخ دولة الاحتلال لشروط المقاومة التي تعني قبولها بهزيمة سياسية وعسكرية جزئية. ثمة فرق بين إفشال أهداف العدوان وطرح المطالب والأهداف الفلسطينية المشروعة وبين إرغام دولة العدوان على التسليم بالشروط استناداً لأداء المقاومة وقدرتها على مواصلة المعركة. فهذا يحتاج الى ميزان قوى سياسي وعسكري واقتصادي لمصلحة المقاومة وهذا غير قائم ومن الصعب تحققه في الشروط القائمة مهما كانت شجاعة المقاومين. فالنظام الدولي كما شاهدنا العدوان وأهدافه، والنظام العربي الرسمي لم يمارس اي شكل من أشكال الضغط السياسي. للأسف، لم يقرأ المستوى السياسي هذا الوضع ولم يتأثر به وهو يتخذ القرارات. ما أدى به الى التراجع والقبول بوقف إطلاق النار قبل ان تتحقق الشروط التي سيتم التفاوض حولها خلال شهر من وقف الحرب واثناء حالة الهدوء وليس قبل ان تتوقف الحرب كما كان يشترط المستوى السياسي. لقد وعد نتنياهو جمهوره بأنه لن يوافق على الشروط الفلسطينية. بل ان مشروع قرار مجلس الأمن الذي يجري إعداده سيطرح سلاح المقاومة على بساط البحث. وهذا يطرح سؤالا مفاده، عندما ترفض إسرائيل الشروط الفلسطينية خلال التفاوض، وعندما يصدر قرار من مجلس الأمن يمس سلاح المقاومة هل ستستأنف المقاومة الحرب؟.
إن رفض المبادرة المصرية والبحث عن مبادرة قطرية تركية بديلة، أدى الى ضياع الوقت وخسر الشعب في كل يوم وكل لحظة المزيد. وكان على المستوى السياسي أن يدرك بأن مكانة مصر بحكم جوارها لقطاع غزة ووزنها الإقليمي لا يمكن شطبها او استبدالها، مصر وبقطع النظر عن طبيعة النظام حقيقة موضوعية ينبغي الحرص دائماً على العلاقة معها كشعب أولاً وكدولة ثانياً. كان سبب هذا التقدير الخاطئ هو وضع هدف سياسي آخر لمعركة غزة من قبل المركز المعتمد من قبل حركة حماس هو استعادة مكانة الإخوان المسلمين في المنطقة وفي مصر. ولم تكن الشروط الواقعية الفلسطينية تحتمل فتح معركة سياسية إقليمية بهذا الوزن الثقيل اثناء الهجوم الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة. لقد أدى هذا التشتت الى فقدان زمام المبادرة السياسية والسماح لدولة العدوان بانتزاعها، والى مفاقمة الخسائر السياسية والبشرية والمادية الفلسطينية.
تراجع دور المستوى السياسي الرسمي الذي تمثله قيادة المنظمة والسلطة، الى مستوى الوسيط الذي ليس له علاقة بقرار الحرب ووقفها. صحيح انه شكل غطاء سياسياً للمقاومة. إلا أن المركز السياسي للمنظمة والسلطة بدأ يتردد في طرح جرائم الحرب بعد وقف إطلاق النار، ويتردد في البحث عن مسار بديل للمفاوضات وللإشراف الأميركي، بفعل الضغوط والتهديدات من جهة وبفعل الوعود التي تتحدث عن عودة المفاوضات من جهة أخرى. لا بديل عن انتزاع زمام المبادرة السياسية انطلاقاً من معركة غزة.

المصدر: 
الأيام