حكومة المصالحة والتحديات الاقتصادية المقبلة

بقلم: 

ما إن أعلن الإخوة المنقسمون سابقا اتحادهم وتوقيعهم على اتفاقية المصالحة الوطنية خلال شهر نيسان 2014 في مخيم الشاطئ ، تفاوتت ردود أفعال الفلسطينيين ما بين من اتخذ موقف الحياد وما بين من شعر بعدم الاكتراث و  اللامبالاة ، بالرغم من فرحة بعض الناشطين السياسيين الذين تفاعلوا مع أخبار المصالحة بشكل ايجابي كون جهودهم المبذولة لإنهاء الانقسام قد أتت ثمارها.

و مع التهديد الاسرائيلي المستمر بعقاب السلطة الوطنية اقتصاديا بسبب تحالفها مع حركة حماس ، برزت في الأفق عدة تحديات سياسية و اقتصادية أمام حكومة الوحدة المرتقبة التي يجب أن يتم مواجهتها بشجاعة كبيرة و التعامل مع تلك التحديات بحكمة وذكاء شديدين ، فقد بدأ الشارع الفلسطيني يطرح بالفعل بعض التساؤلات القلقة حول مدى قدرة الحكومة المرتقبة في التعامل مع المشاكل الاقتصادية اليومية التي يعاني منها المواطن الفلسطيني خاصة المواطن المتواجد في قطاع غزة الأكثر تضررا جراء الحصار الاسرائيلي و اغلاق معبر رفح البري.

ويرى المراقبون لعملية المصالحة الوطنية أن من أهم الأولويات التي يجب أن تركز عليها الحكومة الجديدة هو العمل على التفاوض مع الحكومة المصرية من أجل فتح معبر رفح البري بشكل مستمر بناءً على اتفاقية المعابر لعام 2005 ، لذا فإن من ضمن الحلول المطروحة على طاولة المصالحة هو أن يُشرف حرس الرئيس على ادارة معبر رفح البري بالتعاون مع المسئولين الأمنيين الحاليين التابعين لحكومة حماس في غزة وذلك من أجل تسهيل حركة المواطنين و ضمان استمرارية عمل معبر رفح بدون أية معيقات وحجج أمنية مصرية.
لذا تعتبر عملية ادارة معبر رفح البري من أهم التحديات السياسية و الاقتصادية التي سوف تواجها الحكومة الفلسطينية المقبلة و التي يقع عليها عاتق مسئولية التخفيف من الحصار الاقتصادي المفروض على قطاع غزة عن طريق البحث عن حلول ابداعية لإدارة الأزمة الاقتصادية ، فعلى سبيل المثال هناك اقتراح تم طرحه من قبل بعض المختصين حول التفكير في تطوير معبر رفح البري المخصص لعبور الأفراد بأن يصبح أيضا ممرا تجاريا لتسهيل حركة التجارة الفلسطينية وعمليات الاستيراد و التصدير من و إلي القطاع.
أما بالنسبة للتحديات الأخرى التي يمكن أن تواجها حكومة الوحدة هي عملية دمج موظفي حكومة حماس في قطاع غزة مع الموظفين القدامى في السلطة الوطنية واللذين معظمهم منقطع عن العمل في قطاع غزة بالرغم أنهم يتقاضون رواتبهم الشهرية ، لذا فستكون من أهم مهام الحكومة الجديدة هو تأمين رواتب شهرية لجميع الموظفين و ادارة عدد كبير من الموظفين الجدد و القدامى.

ومن الجدير بالذكر أن السلطة الفلسطينية تعتمد في دفع رواتب الموظفين الحكوميين على الأموال التي يقدمها الاتحاد الأوروبي و أموال المقاصة التي تجبيها اسرائيل نيابة عن السلطة والتي تتراوح ما بين 400 إلي 500 مليون شيكل شهريا. ولقد هددت اسرائيل عدة مرات السلطة الفلسطينية بعدم تحويل تلك الأموال كجزء من العقاب الاقتصادي ضد السلطة لكن الحكومة الاسرائيلية على ما يبدو قد تراجعت مؤخراً بقرارها واكتفت فقط بزيادة نسبة استقطاعها من تلك الأموال لتصبح قيمة الخصم تبلغ نحو 132 مليون شيكل شهريا بدلا من 100 مليون شيكل وذلك حتى لا تتسبب اسرائيل بحدوث انفجار اقتصادي و أمني في الضفة الغربية ، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس سلبياً على أمن اسرائيل القومي ، فإسرائيل تعلم جيدا أنها لو قامت بتشديد العقاب الاقتصادي على السلطة فإن ذلك قد يؤدي إلي انهيار السلطة الفلسطينية مما سيدعو إلي تحويل مسئولية ادارة الشعب الفلسطيني إلي أيدي الحكومة الاسرائيلية.
وعلى صعيد أخر ، برزت أيضا تحديات اقتصادية أخرى قد تواجها الحكومة الجديدة من ضمنها احتمالية قطع المساعدات الدولية عن تلك الحكومة وبالأخص الدعم الأمريكي للسلطة الفلسطينية الذي يبلغ مئات الملاين من الدولارات سنويا ، فقد جاء على لسان أعضاء في الكونغرس الأمريكي من الحزبين الكبيرين الديمقراطي و الجمهوري "أن أي تسوية دائمة بين السلطة الفلسطينية التي تلقى تأييدا من الغرب وبين حركة حماس التي تصنفها الولايات المتحدة منظمة إرهابية، سيجبر الولايات المتحدة على التوقف عن دفع ما يقارب 400 مليون دولار من المساعدات المالية السنوية للفلسطينيين."

ولقد استند أعضاء الكونغرس في تصريحاتهم هذه على القانون الأمريكي الذي ينص صراحة على أنه لا يجوز تقديم أي دعم خارجي "لأي كيان تسيطر عليه حماس، أو أي حكومة تشارك فيها حماس أو أي حكومة تأتي نتيجة اتفاق مع حماس ويكون لحماس نفوذا عليها."

لذلك أعتقد أنه من الأفضل أن تلتزم الحكومة الجديدة بالحياد و أن لا تتصدر المشهد السياسي بل عليها أن تسلك في اتجاه التفكير بحلول ابداعية وعملية لمشاكل الشعب اليومية و محاولة التغلب على التحديات الاقتصادية ، فإذا ابتعدت الحكومة الفلسطينية الجديدة عن اصدار التصريحات و البيانات السياسية النارية وتعاملت بدبلوماسية محنكة مع الدول المانحة ، أعتقد أن ذلك من شأنه أن يدعم موقف الحكومة الجديدة دولياً و سيضعها في خانة العمل الانساني و الشعبي بدلاً من أن تنال انتقادات دولية على مواقفها السياسية ، لذلك أعتقد بأنه حين تقرر الحكومة الجديدة أن تبتعد بشكل متزن عن الانخراط في الشأن السياسي فإن ذلك سيؤدي الي كسب تعاطف الدول المانحة معها وسيجلب لها مزيد من التمويل الخارجي ، حينها ستشهد الضفة الغربية و قطاع غزة استقرارا سياسيا و اقتصاديا.

لذا فلتترك الأمور السياسية ليتم مناقشتها في أروقة منظمة التحرير الفلسطينية و اجتماعات الأحزاب و الحركات السياسية الفلسطينية و لتعمل الحكومة الفلسطينية الجديدة بالتركيز فقط على تحسين الوضع الانساني و الاجتماعي و الاقتصادي للبلاد، فالشعب الفلسطيني بأشد الحاجه لخطوات جدية تساهم في ايجاد حلول لمشاكله اليومية و ليس لمجرد خطابات رنانة وحماسية تلهب المشاعر الوطنية و لكنها لا تنقذ أمال الشعب الفلسطيني.