الشهيد زعيتر.. أردني أم فلسطيني… ما الفــرق؟

بقلم: 

سطّر القاضي الدكتور رائد زعيتر بدمه ملحمة في العزة والكرامة والاباء. سما الى الشهادة لأنه لم يقبل أن تمتهن كرامته من اي كان، لا سّيما من جندي احتلال شذاذ الافاق. ما عكر صفو عرس الشهادة هــــم زمــــرة من المسمّين بالصحافيين في الاردن، الذين سارعوا الى نشر الخبر، ‘مقتل فلسطيني’ بــــدلا من ‘استـــشهاد اردني’ على جسر الكرامة. كنت أحسب ان الاردن سيفخــــر بوصف الشهيد اردنيا، اما الفلسطينيون فقد نالوا فخر انتسابه لهم، مع ان المنطق يقول انه لا’ينبغي أن يكون هناك فرق أصلا، خصوصا في قضية مثل هذه، ولا اسمى من الشهادة.

المؤسف حقا أن النغمة النشاز في الاردن، ما زالت عالية الايقاع، فجّة، من باب هل هو أردني أردني ولاّ…؟ والمقصود طبعا، هل هو اردني فلسطيني؟ هذه الفتنة النائمة توقظها فقط زمرة قليلة من الخاسرين، قصيري النظر، والهدف هو خلخلة التركيبة الاجتماعية في الاردن والدخول في متاهات سياسية تافهة تلهي عن التركيز على العدو الحقيقي للشعبين الاردني والفلسطيني، ولا يخدم هؤلاء الا اسرائيل.
مثيرو النعرة بين الاردني والفلسطيني يتمترسون خلف مقولة محاربة التوطين. الوطن البديل والتوطين وهم اخترعه هؤلاء وبدأوا يخافون منه ويضعون الخطط للتصدي له. فئة قليلة جدا من الاردنيين الاردنيين (حتى نتكلم بلغتهم مؤقتا) يخافون على الاردن من الضياع في حال نجاح مشروع التوطين والوطن البديل! مع الاحترام الشديد للاردن، من قال لهؤلاء ان الفلسطيني يقبل بالاردن، او اي بلد آخر وطنا بديلا لفلسطين. الفلسطيني، يا سادة، يتنفس فلسطين، يحلم بفلسطين، نائما ويقظا، لا تشغله عنها جنات الارض وثرواتها مهما بعد عنها، كفاكم استغباء. اما لماذا يصر الفلسطيني على الاحتفاظ بنعت نفسه بالفلسطيني حتى لو تجنس بأي جنسية عربية او اجنبية فهو ببساطة للحفاظ على الهوية والانتماء من الضياع، خاصة عند الاجيال الجديدة.
الاردن كان سباقا الى منح الفلسطينيين الجنسية وحق المواطنة الكاملة، على عكس الدول التي تتنطع بالمقاومة والممانعة مثل لبنان وسوريا،’ والدول التي تنادي بالوحدة والقومية، مثل مصر التي تمنحهم تأشيرات سفر يستطيعون بها مغادرة هذه البلاد بيسر، ولكن من الصعوبة بمكان ان تمكنهم هذه الوثائق من دخول معظم بلاد العالم. الاردني الفلسطيني ـ نتكلم بلغتهم ثانية فقط لتوضيح الفكرة ـ ينبغي ان يكون متساويا بالحقوق والواجبات بشكل كامل مع الاردني الاردني، على الاقل نظريا.
عندما لاح الربيع الاردني انبرت نفس الفئة من مثيري النعرات، الى تبني نظرية ان الفلسطينيين لا يريدون للاردن الخير والاستقرار. أسقط في ايديهم عندما انبرى الشباب الاردني الى المناداة بصوت عال الى محاربة الفساد ، وزيادة مساحة الحريات، واحترام حقوق الانسان، والنهوض بالاردن الى دولة ديمقراطية تحترم المواطن. هذه الحقوق مشروعة للمواطن الاردني بدون تفريق، ان كان اصله اردنيا ام فلسطينيا، أليس كذلك؟
في اعقاب استشهاد القاضي رائد زعيتر، هب الشعب الاردني بمظاهرات امام السفارة الاسرائيلية مطالبين بطرد السفير، ولكن النظام الاردني صم اذنيه عن المطالب الشعبية، كما فعل قبلها بايام معدودة عندما صوت البرلمان الاردني (المنتخب) بطرد السفير الاسرائيلي، والغاء معاهدة وادي عربة للسلام المعقودة بين الاردن واسرائيل. الاعتذار الاسرائيلي لا يكفي، وفتح لجنة تحقيق اسرائيلية ومحاكمة الجندي القاتل لا تكفي.
النظام الاردني ينبغي له احترام الانسان الاردني واحترام القاضي الشهيد الذي قتل بدم بارد والشعب الممثل ببرلمانه المنتخب المطالب بطرد السفير. هل هي اذا ديمقراطية صورية؟ قولوا ما تريدون تحت قبة البرلمان، ولكن الحكومة والقصر يقرران بشكل مغاير بحجة المعاهدات والمواثيق الدولية التي يجب احترامها. الاجدر بالاحترام هو ارادة الشعب.
معاهدات ‘السلام’ ، كامب ديفيد، اوسلو، ووادي عربة’وسعت الهوة بين الحكومات وشعوبها. احيطت هذه الاتفاقيات بهالة من القدسية بحيث لا يجرؤ احد على المساس بها من قريب او من بعيد، فضلا عن الغائها. لا يخفى على ذي فطنة ان المعاهدات مرتبطة (سريا) بالمساعدات الامريكية لهذه الدول التي هي في امّس الحاجة لها. استقلال القرار السياسي بلا شك مرتبط بالاستقلال الاقتصادي الذي تفتقره هذه الدول لذا فان قراراتها ستبقى غير سيادية ولا تخدم طموحات شعوبها.

القدس العربي