الإعصار القادم: نحن نزرع وإسرائيل تحصد

بقلم: 

بعض الذي تزرعه السلطة في مصر هذه الأيام تحصده إسرائيل على الفور.

(1)
ما إن ذاع قرار محكمة الأمور المستعجلة في القاهرة بحظر نشاط حركة «حماس» حتى ترددت الأصداء بسرعة في تل أبيب. وقال النائب الليكودي يورام ليفين رئيس كتلة الائتلاف الحاكم في «الكنيست» إن قرار المحكمة المصرية يعد سابقة ينبغي أن تستند إليها إسرائيل في تعاملها مع كل مؤيدي حماس في الداخل. وأضاف في تصريحات نقلتها القناة الأولى في التلفزيون مساء الأربعاء 5/3 إن إسرائيل باتت مطالبة بتغيير بنيتها القانونية لمحاربة أعدائها. تماماً كما تفعل السلطات المصرية، منوهاً إلى أنه يتعين منع ممثلي فلسطين العام 48 من التعبير عن تطلعاتهم القومية. وهاجم ليفين الجهاز القضائي «الإسرائيلي»، لا سيما المحكمة العليا التي تحكم بعدم دستورية بعض القوانين الهادفة لمحاربة النخب السياسية لفلسطينيي 48 بصفتها قوانين «تمس حقوق الإنسان»، وطالب بالاستفادة من تجربة القضاء المصري في إيجاد «العوائق القانونية التي تقلص القضاء أمام الإرهاب».
تصريحات ليفين جاءت بعد ساعات من ظهور ما كتبه وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان على صفحته على «الفايسبوك» عندما طالب بطرد ممثلي فلسطينيي 48 في «الكنيست»، معتبراً أنهم يمثلون حركة «حماس»، على الرغم من أن معظمهم يمثلون قوى علمانية وشيوعية. وتعهد ليبرمان بالعمل على عدم السماح بتمثيل فلسطينيي 48 في الكنيست.
النائب العربي في الكنيست جمال زحالقة رد على تصريحات ليبرمان وليفين، قائلا: «نحن أبناء هذا البلد ووجودنا فيه هو الطبيعي، في حين أن ليبرمان وليفين هما اللذان قدما من وراء الحدود».
وفي تصريحات للقناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي، وجه زحالقة حديثه لليبرمان، قائلا: «لقد أتيت من روسيا، وبإمكانك أن ترجع إلى هناك، حيث إنك لن ترى هناك العرب الذين تبغضهم».
في السياق ذاته، توقع معلق الشؤون العربية في صحيفة «هاآرتس» تسفي بارئيل أن يكون قرار المحكمة المصرية مقدمة لقرار قضائي لاحق يقضي باعتبار حركة «حماس» حركة إرهابية بحكم القانون، متوقعاً أن يفضي الأمر إلى تأكيد زعزعة شرعية حركة «حماس» في مصر.
وفي مقالة نشرتها الصحيفة في عددها الصادر يوم الأربعاء (5/3)، اعتبر بارئيل أن القرار يعكس في الواقع «الحضيض» الذي وصلت إليه العلاقات بين الجانبين، مضيفاً إن من شأنه أن يلزم الدولة المصرية بعدم السماح بدخول أعضاء «حماس» إلى مصر. وأكد بارئيل أن الحصار الذي يفرضه الجيش المصري على غزة يكمل الحصار، الذي تفرضه «إسرائيل»، مشيراً إلى أنه لا يتم فتح المعبر إلا ثلاثة أيام كل أسبوعين، علاوة على عدم السماح بدخول وفود التضامن المختلفة إلى القطاع، إلى جانب الحرص على تدمير الأنفاق التي تستخدم في نقل البضائع والأموال للقطاع.
تعددت الأصداء اليومية في مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية، بما لا يتسع المجال لذكره. وبرغم أنها لم تبتعد كثيرا عن الأجواء التي سبقت الإشارة إليها، فإنني توقفت عند أربعة منها هي:
ـ قول موشيه ارينز وزير الدفاع الأسبق إن الحرب التي تشنها مصر على «حماس» تقلص حاجة إسرائيل إلى شن حرب مستقبلا على غزة.
ـ ما ذكرته شيمرين مائير مراسلة الشؤون العربية لمحطة الراديو «غالي تساهال» من أن قرار حظر «حماس» يشير إلى أن القيادة المصرية القادمة ستنجح في تحقيق ما فشل فيه آخرون، بما في ذلك دولة إسرائيل.
ـ نقلت صحيفة «هاآرتس» في عددها الصادر في 8/3 نقلا عن أحد أعضاء مركز البحوث الاستراتيجية في القاهرة ـ لم تذكر اسمه ـ قوله إن النظام الحاكم في مصر لن يعارض أي عملية من شأنها المساس بحركة «حماس» أو حركة المقاومة في غزة.
ـ كشف أوري سيغل المراسل السياسي للقناة الثانية، أن الرئيس أوباما طمأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال لقائه الأخير معه في واشنطن بأن التطورات التي طرأت في مصر منذ عزل الدكتور محمد مرسي تصب في مصلحة إسرائيل. وخلال تقرير عرضته القناة ذاتها في 4/3 أشار سيغل، الذي رافق نتنياهو إلى أن الرجلين اتفقا على دعم السلطة القائمة في مصر في مواجهة «القوى المتطرفة».
(2)
القرار السعودي يحسن البيئة الإستراتيجية لإسرائيل بشكل غير مسبوق. هكذا قال الجنرال عاموس بادلين رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق في تعليقه على قرار المملكة باعتبار «الإخوان المسلمين» حركة إرهابية، تضامناً مع مصر في موقفها. وخلال مشاركته في برنامج «يومان» الذي بثته القناة التلفزيونية الأولى مساء الجمعة 7/3 أضاف إن الخطوة السعودية تعد قراراً تأسيسياً يفتح الباب على مصراعيه على تحولات «إيجابية جداً» تسهم في تضييق الخناق على الأطراف، التي تمثل تهديداً لإسرائيل.
الجنرال بادلين الذي يرأس حالياً «مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي» قال أيضاً إن القرار السعودي يؤكد عزم المملكة على مساندة السلطة القائمة في مصر، والتزامها بتوفير الظروف التي تضمن بقاءها. وهو ما يمثل مصلحة إستراتيجية من الطراز الأول لإسرائيل.
في السياق ذاته رحب دوري غولد كبير المستشارين السياسيين لرئيس الوزراء الإسرائيلي بالقرار السعودي. وتوقع في حوار بثته الإذاعة العبرية مساء الجمعة ذاتها أن يسفر ذلك عن تكثيف الحصار على المقاومة الفلسطينية خصوصا في غزة، من خلال قطع الطريق على وصول أي تمويل مالي إليها.
أضاف غولد: «على الرغم من أن السعودية ودول الخليج قطعت شوطاً طويلا في تقييد تحويل الأموال من الخليج لقطاع غزة، فإننا لا نزال نأمل أن يسفر القرار الأخير عن سد جميع منافذ الدعم المالي للقطاع». واعتبر أن الإجراءات السعودية ضد المقاومة في قطاع غزة تتكامل مع الإجراءات التي أقدمت عليها السلطة في مصر، التي نشطت في تدمير الأنفاق، الأمر الذي قلص فرص وصول السلاح والعتاد الحربي للمقاومة في القطاع، أضاف في هذا الصدد قوله إنه: حين توقف السعودية التمويل المالي فإن ذلك يؤدي إلى إلحاق ضربة قوية للمقاومة الفلسطينية.
(3)
هل ستتكفل المصالح بتجسير الهوة بين إسرائيل والسعودية؟ ـ السؤال كان عنوانا لمقالة نشرتها صحيفة «إسرائيل اليوم» في 22 كانون الأول 2013. وتكمن أهميتها ليس فقط من خطورة مضمونها، ولكن أيضاً من كون كاتبها هو دوري غولد كبير المستشارين السياسيين لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وقد تلقيت ترجمة لها من الدكتور صالح النعامي خبير الشؤون الإسرائيلية.
إضافة إلى تحليله الخاص فإن دوري غولد استعان بشهادة كان قد سجلها بروس رايدل أحد خبراء المخابرات المركزية الأميركية، الذين تخصصوا في شؤون الشرق الأوسط، وذكر فيها أنه في بعض الأحيان كانت حسابات المصالح تجمع بين إسرائيل والسعودية في مربع واحد. دلل على ذلك بما حدث أثناء وجود الجيش المصري في اليمن لمساندة ثورته ضد الموالين لنظام الإمامة المدعومين من السعودية. ذلك أن رئيس المخابرات السعودية آنذاك كمال أدهم رتب اتصالا مع الإسرائيليين، بمقتضاه نقلت الطائرات الإسرائيلية إلى الموالين للإمامة عتاداً ومساعدات بين عامي 1964و1966.
تتبع الكاتب ما وصفه بالبراغماتية السعودية في التعامل مع إسرائيل، في فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز الذي أجاز مصالحة إسرائيل إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين. وفى تحولات السياسة السعودية بعد أحداث 11 أيلول، وصولا إلى موقفها من الرئيس العراقي صدام حسين، وإزاء الثورة الإيرانية حيث أدرك البلدان أنهما باتا يقفان في صف واحد.
في هذا السياق نجد تقريراً نشرته النسخة العبرية لصحيفة «جيروزاليم بوست» في 3/1/2014 حول دور السفير السعودي في واشنطن في نسج العلاقات السرية مع تل أبيب. كتب التقرير يوسي ميلمان المختص بالشؤون الاستخبارية وقضايا الأمن القومي، وتحدث فيه في اللقاءات السرية التي يعقدها السفير السعودي عادل الجبير مع قادة المنظمات اليهودية في واشنطن. في هذا الصدد ذكر التقرير أن العلاقة الوثيقة بين الجبير وقادة تلك المنظمات تعكس التقارب الكبير، الذي حدث مؤخرا بين إسرائيل والسعودية. من الملاحظات التي أبداها ميلمان أن السفير الجبير صار يوجه انتقادات علنية لسياسة الرئيس أوباما في اجتماعاته مع قياديي المنظمات اليهودية، وأن تلك الانتقادات تلقى ترحيباً من دوائر رئيس الوزراء الإسرائيلي، خصوصاً أنها مما لا تجرؤ الحكومة الإسرائيلية على توجيهه نظراً لطابعها الحاد وغير الدبلوماسي.
(4)
هذه بعض مقدمات وخلفيات الإعصار الذي تلوح نذره في فضاء المنطقة في الوقت الراهن، وكلها تشير إلى أنها بصدد الدخول في طور جديد تنقلب فيه الأولويات وتشيع فيه الفوضى التي تسعى إلى تفكيك العالم العربي وإزالة آثار الربيع الذي أحدث زلزالا في جنباته. وإذا لاحظت أن الدول التي ناصبت الربيع العربي العداء منذ لحظاته الأولى هي ذاتها التي تقود تحولات المنطقة في الوقت الراهن، فإن ذلك سيعدّ مؤشراً يمهد للإجابة على السؤال: إلى أين نحن ذاهبون؟

السفير