فلسطين: المصالحة.. إنهاء الانقسام.. الوحدة الوطنية

بقلم: 

الانقسام الفلسطيني قضية كبرى تحتاج إلى علاج سريع وفوري، كونها تعكس نفسها سلباً على مستويات عدة. فهي تبرر لإسرائيل حصارها الظالم والجائر لقطاع غزة. كما وضعت القطاع في دائرة الاهتمام في ظل التوتر بين القاهرة وحركة حماس، لارتباط الأخيرة بالإخوان المسلمين، خاصة بعد ما قررت القاهرة تجريم هذه الحركة باعتبارها إرهابية، واعتبرت العلاقة بين الرئيس السابق مرسي وحماس شكلاً من أشكال التخابر مع أطراف خارجية، أحيل بموجبها إلى المحاكمة.

على الصعيد الفلسطيني يجري خلط بين ثلاث عبارات تتناول حل الانقسام. هي: المصالحة، إنهاء الانقسام، استعادة الوحدة. ولا نعتقد أن هذه العبارات تتساوى في التفسير والأهمية. بتقديرنا لكل عبارة معنى وموجبات تختلف عن غيرها، ما يتطلب منا الدقة في استعمالها هنا أو هناك.

المصالحة: المصالحة تكون بين طرفين متخاصمين. والعلاقة بين فتح وحماس هي علاقة متذبذبة. مرة تتصاعد في التوتر، وتتحول إلى حرب إعلامية، نلحظ نتائجها اعتقالات واعتقالات مضادة، ومضايقة هنا ومضايقة هناك، الأمر الذي يدفع باقي الأطراف الفلسطينية للتدخل لوضع حد لهذا التدهور الذي ينعكس بسلبياته على مجمل الحالة الفلسطينية. فتتراجع الحدة في العلاقات، ويتراجع التوتر. وقد تتدخل عناصر غير متوقعة تدفع بالعلاقة بين الطرفين إلى شكل من اشكال الأجواء التصالحية. بل إلى مصالحة ثنائية ذات حدود لا تتجاوزها. كأن يلتقي الرئيس محمود عباس مع ممثل لحماس في الضفة هو ناصر الدين الشاعر، العضو في المجلس التشريعي، وكأن يسافر إلى غزة وفد من قيادة فتح على رأسه الدكتور نبيل شعث، في مهمة تخص الحركة، يلتقي خلال زيارته للقطاع إسماعيل هنية ليس باعتباره رئيساً لحكومة حماس بل نائباً لرئيس المكتب السياسي للحركة الإسلامية. مثل أجواء المصالحة هذه لها ضروراتها، إذ تنعكس إيجاباً عن الأجواء الفلسطينية، وتسهم في توفير الظروف الملائمة لتحركات على مستوى الفصائل، ومستوى الشخصيات المستقلة لتقريب وجهات نظر الطرفين أكثر فأكثر، والحؤول دون العودة إلى التوتر، على أمل دفع الأمور أكثر فأكثر نحو الأمام وصولاً إلى إنهاء الانقسام.

إنهاء الانقسام: وهو خطوة متقدمة جداً على المصالحة. فإنهاء الانقسام يفترض أن يعني استقالة حكومة حماس، تليها استقالة حكومة رام الله، يتولى بعدها الرئيس محمود عباس تشكيل حكومة توافق وطني، تضم شخصيات مستقلة يتم الاتفاق على أسمائها بين الفصائل مجتمعة في إطار القيادة العليا المؤقتة، كما تشكلت في حوارات القاهرة. بعد تشكل الحكومة يفترض أن يجتمع المجلس التشريعي الحالي، الذي جرى التمديد له (مرة ثانية مطلع هذا العام بعد أن أنهى ولايتين كاملتين) ليمنحها الثقة بعدها يصدر الرئيس عباس مرسوماً بإجراء انتخابات شاملة لاختيار رئيس ومجلس تشريعي جديدين خلال مدة زمنية يتم التوافق عليها، تتراوح، كما تقول معظم الأطراف بين ستة أشهر وسنة. تتولى الحكومة الجديدة إصدار القرارات اللازمة لإعادة توحيد الأجهزة الأمنية والإدارية تحت قيادتها، بما ينهي الانقسام. كما تتولى إصدار مشاريع قوانين الانتخابات، عملاً بما تم الاتفاق عليه في حوارات القاهرة، أي بموجب نظام التمثيل النسبي الكامل. وتصبح المهمة المركزية للحكومة البديلة لحكومتي رام الله وحماس، تنظيم الانتخابات، والانتقال بالحالة الفلسطينية إلى وضع جديد، على أسس وقوانين واضحة ومرجعيات ذات اختصاص خارج إطار المرجعيات الحزبية الضيقة. منعاً لتكرار تجارب فاشلة قادت إلى انفجار الوضع في 14/6/2007.

الوحدة الوطنية: كان إنهاء الانقسام يشكل خطوة سياسية كبرى، تستعيد خلالها الإدارة الرسمية وحدة مؤسساتها، كما تستعيد مناطق السلطة وحدتها الإدارية، ووحدتها الجغرافية عبر المعبر المسمى آمناً بين الضفة والقطاع، فإن الوحدة الوطنية، تشكل خطوة سياسية أبعد بكثير، تتجاوز الوحدة الإدارية نحو البحث عن الوحدة السياسية. وإذا كان إنهاء الانقسام يستند إلى وحدة القوانين فإن الوحدة الوطنية يفترض أن تستند إلى وحدة في الرؤية والبرنامج، وتستند إلى الشراكة في اتخاذ القرار الوطني، وصون تنفيذه، والحالة الفلسطينية تتمتع بخبرة واسعة في هذا المجال إذ مرت في منعطفات سياسية كبيرة، إيجابية، توصلت خلالها إلى صياغة برامج العمل السياسي المتمسكة كأساس لوحدة وطنية قوية (كما هو الحال في المجلس الوطني الفلسطيني التاسع عشر في إعلان الاستقلال في 15/11/1988). ونعتقد أن الوصول إلى إقامة الوحدة الوطنية، يتطلب عملاً شاقاً ومسؤولاً، تتخلى فيه الأطراف عن عصبويتها التنظيمية وأنانيتها الفصائلية لصالح البرنامج الوطني الجامع.

السؤال الآن: هل بالإمكان الحفاظ على حالة المصالحة بين فتح وحماس. الجواب الفوري هو نعم، خصوصاً إذا أدركنا أن حماس لا تفكر إطلاقاً في الاستيلاء على السلطة في الضفة كما فعلت في القطاع في 14/6/2007، وأن فتح لا تفكر أن تستعيد السلطة في القطاع بقوة السلاح. وبخاصة أيضاً، إذا كرست الحكومتان في الضفة والقطاع مبدأ احترام التعددية الحزبية والسياسية، واحترام الحريات الفردية والجماعية، بما فيها حرية العمل السياسي، إن إدامة المصالحة بين الطرفين من شأنها أن تفسح في المجال للمبادرات وأن تقدم نفسها لصالح العمل على تطبيق ما تم الاتفاق عليه في القاهرة في أيار (مايو) 2010 وشباط (فبراير)2012، بحيث تنتقل الحالة الفلسطينية إلى الخطوة الثانية خطوة إنهاء الانقسام. وإعادة توحيد المؤسسة الرسمية وإداراتها. أما استعادة الوحدة الوطنية، فنعتقد أنها قضية أكثر تعقيداً لأنها تدخل في ضرورة الاتفاق على صياغة برنامج العمل الوطني الجامع، وهنا ستكون الحالة الفلسطينية مطالبة بالوقوف أمام تجربة العملية السياسية الجارية تحت رعاية وزير الخارجية الأميركي جون كيري، كما قد يطرح في السياق مسألة التنسيق الأمني، ومدى الالتزام الفلسطيني به، وكذلك مسألة الغلاف الجمركي مع إسرائيل، بموجب بروتوكول باريس الاقتصادي.

طريق الوحدة الوطنية حافل بالقضايا الشائكة لكن النتائج التي يمكن أن تحققها هذه الوحدة للحالة الفلسطينية ولقضيتها الوطنية تستحق من القوى كافة أن تخوض هذه التجربة، وأن تتعاون في إزالة العوائق لتحقيقها، ولو خطوات محدودة على هذا الطريق.

المستقبل