التبديد في التمديد

بقلم: 

في محاولة التفافية على الإقرار بالفشل أعلنت الولايات المتحدة أنها "تأمل" في أفضل الأحوال بأن يتفق الفلسطينيون و"الإسرائيليون" على إطار عمل لاتفاق سلام بحلول 29 ابريل/ نيسان المقبل اليوم الذي كان حدده وزير الخارجية الأمريكي جون كيري موعداً لتوصل الطرفين إلى اتفاق الحل النهائي، وهو ما لن يحصل، وفي شأنه عاد الوزير الأمريكي لتسويق هذه القضية على وقت مفتوح، حين أعلن أن "اتفاقاً نهائياً قد يستغرق تسعة أشهر أخرى وأكثر" .
الرد الفلسطيني جاء على لسان كبير المفاوضين صائب عريقات الذي قال: "لا معنى لتمديد المفاوضات، ولو لساعة واحدة إضافية، إذا استمرت "إسرائيل" ممثلة بحكومتها الحالية بالتنكر للقانون الدولي" .
وجاءت هذه التطورات في توقيت متزامن وزيارة عريقات إلى موسكو، وإعلان اتفاق الطرفين دعوة اللجنة الرباعية للاجتماع، وهو ما لا ترغب فيه واشنطن، لأنها تعاملت مع هذه اللجنة ليس وفق المسؤولية التي لأجلها تشكلت من أمريكا وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، بل لدواعي الحاجة الأمريكية إليها .
ومع أن الأمريكيين لم يعد أمامهم الكثير للاستمرار في إدارة الأزمة، وهي جرت لعقود عدة بازدواجية معروفة النتائج لمصلحة "إسرائيل" لأنهم في غير استعداد التسليم بهذه الحقيقة .
ومن هذه ال "حالة" الأمريكية جاءت "تحذيرات" الرئيس الأمريكي باراك اوباما أمام رئيس الوزراء "الإسرائيلي" نتنياهو، بأن فشل المفاوضات والمضي في الاستيطان يضعفان دور الولايات المتحدة في الدفاع عن "إسرائيل" .
في النظرة العامة قد يفهم من "تحذير" أوباما أن الإدارة الأمريكية بلغت نهاية احتمال ضيقها من نتنياهو وحكومته، في عدم التجاوب مع جهود وزير خارجيتها، بيد أن هذه البالونة الضبابية والقراءة العمياء، تتبدد أمام محتوى إعلان أوباما الذي يصب في مجرى الخوف على "إسرائيل"، وليس الخوف منها، إذ إن إعلاناً كهذا يراد منه استعادة، ولو قدر بسيط، من الاعتقاد والاعتماد على أن الولايات المتحدة جادة في الدور الذي تبذله تجاه هذه الأزمة .
والواقع أن أمريكا جادة بقدر كبير جداً في الوصول إلى اتفاق الاطار الذي يقترحه وزير خارجيتها، لأنه لن يكون قائماً على تمديد المفاوضات فقط، بل وتبديد الوقت الذي يشتريه الاحتلال لتنفيذ مخططاته وبالأخص الاستيطانية، والدليل على هذا ما جرى إطلاقه من إقامة آلاف الوحدات السكنية خلال أشهر المفاوضات التي جرت برعاية أمريكية في الفترة الأخيرة .
من غير المستبعد أن يتم الاتفاق على إطار عمل كما يقترح وزير الخارجية الأمريكية، لكن البعيد هو حل لإحقاق الحقوق الفلسطينية في هذا الإطار الأمريكي الذي لم يبدأ الآن بل منذ سنين طويلة .
كان بوش تعهد فخدع، ووعد أوباما وكذب، وكيري صاحب الخبرة الطويلة بهذه الأزمة يجدد حقيقة أن الإشكالية ليست في طبيعة الأزمة، بل في طبيعة الرؤيا والسياسة الأمريكية التي تدور على استبدال المواثيق والقرارات الدولية بالأفكار والرؤى الأمريكية التي تقوم على تطويع الموقف العربي عامة والفلسطيني خاصة لواقع الاحتلال، ومن هذا الاتجاه فإن إطالة كيري للمفاوضات تذهب إلى حد قيام دويلة فلسطينية تحت السيادة "الإسرائيلية" .
والقول هكذا ليس مجافاة للواقع، بل ما ينطق به اتفاق كيري ذاته . فحسب المعلومات التي جرى تداولها في الصحافة "الإسرائيلية" فإن اتفاق الإطار يتألف من تسع نقاط يمكن الإشارة إلى أبرزها:
- ستضم بحسب الخطة 8 .6% من أراضي الضفة الغربية لبناء كتل استيطانية إضافية مقابل وضع 5 .5% من الأراضي التي تسيطر عليها "إسرائيل" تحت السيطرة الفلسطينية .
بخصوص القدس، تطرح خطة كيري أن القدس الشرقية سيتم تقسيمها بين "إسرائيل" والفلسطينيين، ووضعت "الحوض المقدس" الذي يضم المسجد الأقصى وحائط البراق تحت إشراف لجنة دولية مكونة من خمس دول، هي الولايات المتحدة والأردن والعربية السعودية و"إسرائيل" والسلطة الفلسطينية .
أما قضية اللاجئين فإن خطة كيري تعالج هذه المسألة بإنشاء صندوق لتمويل توطين اللاجئين الفلسطينيين في كندا وأستراليا، مع استيعاب بضع عشرات في فلسطين المحتلة تحت مظلة لم تشمل العائلات .
- تقترح الخطة وجوداً أمنياً أمريكياً في غور الأردن وتساوي شروط استخدام "إسرائيل" والفلسطينيين المجال الجوي فوق مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة .
الملاحظ أن خطة كيري لم تشر إلى الجدار العازل الذي أقيم في الأراضي الفلسطينية، بما يمثله من معاناة للفلسطينيين، وما يشكله من ضرر على وحدة أراضيهم وخطر على مستقبل بناء دولتهم، والأمر هنا يندرج في سياق التسليم الأمريكي بالمسلمات "الإسرائيلية"، وعلى هذا لم يكن مستغرباً أن تقوم قاعدة مبادلة الأراضي من جانب كيري، ليس على حدود ،1967 بل على قاعدة أن تبادل "إسرائيل" الفلسطينيين بأراض فلسطينية وأن يترجم كيري النزعة الصهيونية في شأن القدس، أرض حقنا . . وأرض لنا وأرض نتقاسمها وفي الضفة الشرقية، وأن يشطب بجرة قلم مصير اللاجئين بالتوطين في كندا وأستراليا، كما لو أنه مدير مدرسة يوافق على رحلة طلابية في استسهال واستهتار لحقوق شعب تتوارثها أجياله بتجذير انتصار قضيتها في الحرية وبناء دولتها المستقلة ذات السيادة واستعادة الحقوق المسلوبة وتحقيق تطلعاته بحياة كريمة وسعيدة .
والسؤال الذي يطرح هنا: هل ما يجري أمريكياً على هذا النحو يخدم الحل العادل والشامل والسلام الدائم الذي تتوق إليه شعوب هذه المنطقة وعالمنا الدولي والإنساني بأسره أم يناهضه؟

الخليج

المصدر: 
الخليج