الإسلاميون ومنظمة التحرير الفلسطينية:جدل الفكرة وأفق الرؤية
"منظمة التحرير الفلسطينية من أقرب المقربين إلى حركة المقاومة الإسلامية، ففيها الأب أو الأخ أو القريب أو الصديق، وهل يجفو المسلم أباه أو أخاه أو قريبه أو صديقه، فوطننا واحد وعدونا مشترك".
- المادة السابعة والعشرين من ميثاق حركة حماس
مقدمة تاريخية لابدَّ منها
عندما شرع السيد أحمد الشقيري (رحمه الله) بالتحرك لإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية في بداية الستينيات، ذكر كما جاء في كتابه - من القمة إلى الهزيمة مع الملوك والرؤساء - أنه "تحاور مع مختلف العقائديين؛ مع البعثيين والقوميين العرب والشيوعيين والإخوان المسلمين، وجبهات فلسطينية متعددة ومنظمات أخرى، ووصف ذلك بقوله: "كان موقف هذه المنظمات يتراوح من المعارضة العنيدة إلى راقب وانتظر، فقد كان البعثيون يرون الكيان الفلسطيني ألعوبة بيد عبد الناصر... وكان موقف جماعة فتح موقف المراقبة، وكان الشيوعيون لا يهضمون تحرير فلسطين، ويخاطبونني وألسنتهم ثابتة في حلق موسكو؛ منطلقاً وجدلاً وفلسفة، وكان "الإخوان المسلمون" لا يؤمنون بأية حركة يساهم فيها الرئيس جمال عبد الناصر من قريب أو بعيد، وكان القوميون العرب يتحدثون من خلال القومية العربية، ولا يؤمنون بتجسيد الشخصية الفلسطينية، وكانت الجبهات والمنظمات الأخرى تسخر من كل عمل يتصل بالجامعة العربية بصورة أو بأخرى".
بالمحصلة؛ لم يستطيع السيد أحمد الشقيري (رحمه الله) من إقناع الجميع، واستمر الهجوم على الكيان الفلسطيني الذي لم يولد بعد، تحت شعارات: "كيان غير ثوري – صنيعة الجامعة العربية – الكيان لا يبنى من فوق بل من تحت – الكيان الفلسطيني لا يفرضه الملوك والرؤساء، فهو يجب أن ينبع من إرادة الشعب – إن الذي يريد أن يبني الكيان الفلسطيني يجب أن يقيم في مخيمات اللاجئين لا في فندق سان جورج في بيروت".
كان هذا هو الموقف من منظمة التحرير، وهو موقف بالغ الالتباس وموغل في التشكيك، ومدعاة للإحباط، ولولا الحماس الذي لقيه الشقيري (رحمه الله) في المخيمات الفلسطينية، وخاصة في قطاع غزة، وهتافات الحشود: "يا شقيري بدنا سلاح"، والتي سمعتها تدوي في جميع أرجاء القطاع، وشاركت فيها عندما زارنا في مدينة رفح قبل نكسة عام 67م بشهور، حيث ألقى خطبة عصماء ألهبت حماس الجماهير في ساحة ملعب البلدية، والذي اكتظ بالألاف من الشباب والشيوخ في عرس وطني ما تزال ذاكرتي عامرة بمشاهده والكثير من تفاصيل أحداثه.
الإخوان في فلسطين ومنظمة التحرير: مسيرة ووقفات
منذ أواخر الخمسينيات، كانت مواقف الحركة الإسلامية وعلاقاتها متوترة مع أولئك الذين تحركوا من داخل تنظيم الإخوان المسلمين الفلسطيني في الخارج ليؤسسوا حركة فتح.
لاشك أن عناصر الحركة التي غادرت قطاع غزة في الخمسينيات والستينيات إثر الاستدعاءات الأمنية والملاحقات المتكررة لها قد وجدت في بلدان الخليج العربي مكاناً آمناً تأوي إليه، وقد وفرَّ لها البيئة التي شجعتها على التفكير بضرورة قيام حركة تحرر وطني، تعمل من أجل تحريك الأمة وحشدها بهدف تحرير الوطن السليب من براثن الاحتلال الصهيوني البغيض.
لا يمكن لمن يقرأ تاريخ تلك المرحلة - بإنصاف - أن يشكك في توجهات تلك المجموعة أو يطعن في نواياها.. نعم؛ ربما أخذ الخلاف بُعداً أوسع في مداه من كل التوقعات، حيث كانت النقاشات في البداية ذات طابع فكري، حاول فيه أولئك الأخوة إقناع جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين وشدها إلى مربع الرؤية التي تبلورت لهم، ولكن كـان الموقف والقـرار لدى الإخـوة فـي قيادة التنظيم – آنذاك - أن هذا المشروع لن يُكتب له النجاح، لأن النظام العربي سيعيق تحركاتهم على أراضيه، كما أنه لن يسمح لهم بممارسة الكفاح المسلح عبر حدوده مع دولة الاحتلال، باعتبار أن ذلك يمكن أن يشكل تهديداً لمصالحه وكيانه السياسي.
على أية حال، انتهت المجادلات أو السجالات الفكرية إلى خروج تلك المجموعة الإسلامية من التنظيم، حيث توسع بعد ذلك مجال عملها وطرائق حشدها لمشروعها الوطني، وتمكنت من استقطاب الكثير من الشخصيات الفلسطينية المقيمة في دول الخليج.. وفعلاً كانت تلك النواة المكونة من: خليل الوزير، صلاح خلف، سليم الزعنون، محمد يوسف النجار، سعيد المزين، رفيق النتشة، محمود عباس، إضافة إلى إخوانهم في الحركة الوطنية؛ ياسر عرفات، صلاح خلف، هاني الحسن، كمال عدوان، فاروق القدومي...الخ هي أول من قام بإنشاء حركة التحرر الوطني (فتح) في العام 1965م.
وحسب رواية د. عبد الله أبو عزَّة في كتابه (مع الحركة الإسلامية في الدول العربية) فإن اعتراض الإخوان لم يكن على الفكرة من حيث المبدأ، وإنما كان وجه الاعتراض هو على الخطة والأسلوب، "إذا اعتبروا أن الخطة مبنية على كثير من التخيلات غير الواقعية، ولذلك فإنها لن توصل إلى هدف التحرير، كما رأوا فيها فتحاً لمعركة من غير أن تكون القوى الأساسية مستعدة لها.. وبناء على الدرس الذي تعلمناه من عدوان سنة 1956م، فإن هناك احتمالاً كبيراً بأن تقدم إسرائيل على احتلال قطاع غزة والضفة الغربية، فيما لو تطورت اشتباكات الحدود إلى حرب لم تهيئ الدول العربية نفسها لها. وبذلك تكون القضية قد انتكست، ويكون هدف التحرير قد أصبح أبعد وأصعب منالاً".
وأضاف أبو عزَّة قائلاً: "إن الإخوان الفلسطينيين كانوا على استعداد لتجميد نشاطهم الإسلامي وتحويل تنظيمهم إلى العمل من أجل تحرير فلسطين، مع إبعاد أية مظاهر قد تربطهم بالإخوان أو بالنشاطات الإسلامية، بشرط واحد فقط؛ هو أن يقتنعوا أن الخطة ستؤدى إلى تحقيق هدف التحرير، فإذا لم يتوفر هذا الشرط بدرجة يقينية فليس أقل من أن يتوفر بدرجة ترجيحية. أما أن يتخلوا عن حركتهم ودعوتهم لمجرد تصورات خيالية يستحيل تحقيقها في عالم الواقع فذاك مالا يرضونه".
وقد توصل الإخوان إلى أن "المشروع سيواجه بعدد من العقبات الكأداء التي لا يمكن تجاوزها، وأنه ينطوي على مخاطر لا تؤدى إلى ضياع الجهد والوقت والمال فحسب، وإنما ترجع بالقضية الفلسطينية نفسها إلى الوراء وتؤخر عملية التحرير".
لم تتوقف القضية عند هذا الحد، بل أخذت أبعاداً أخرى أشار إليها د. عبد الله أبو عزَّة بالقول: "غير أن المشكلة لم تنته بهذا الحسم الذي توصل إليه الإخوان الفلسطينيون عام 1961م، فقد حسموا بقرارهم المشكلة داخل الصف الإخواني، بيد أن المواجهة استمرت بين تنظيم الإخوان المسلمين من ناحية وتنظيم فتح من الناحية الأخرى. ولم تجر تلك المواجهة في صورة حرب للقضاء على الطرف الآخر، ولكنها جرت في صورة ضغط مستمر، ومحاولات دائبة من جهة فتح لانتزاع أفراد إخوانيين من تنظيمهم وتشكيكهم في قياداتهم.. أما في الجانب الإخواني، فقد ظل الإخوان في دفاع لا يتزعزع عن تنظيمهم وعن أنفسهم، وظلوا يبذلون جهداً متواصلاً لتحصين أفرادهم على النحو الذي أوجزناه. وقد حصر الإخوان ردود فعلهم في هذا الإطار الدفاعي، انطلاقاً من أنهم لم يكونوا يعارضون أهداف فتح أو أشخاص قادتها، بل كانوا غير مؤمنين بواقعية المشروع ولا بصلاحية الخطة المطروحة لتنفيذه".. وكان نص قرارهم النهائي هو أن الإخوان لا يعادون فتح ولا يعارضونها أو يحاربونها، ولكنهم غير مقتنعين بمخططها ولا يتعاونون معها.
بعد عام من معركة الكرامة بالأردن، اختير الأخ ياسر عرفات (رحمه الله) رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية في العام 1969م، حيث نجحت حركة فتح في بسط سيطرتها علي المنظمة، ومدِّ أجنحة نفوذها على كل فصائل العمل الوطني المنضوية تحتها.
في أواخر الستينيات، حاول "الإخوان المسلمون" في الأردن ترميم علاقتهم بحركة فتح وبمنظمة التحرير، حينما فتحوا باب التطوع لكوادر الحركة الإسلامية للالتحاق بالعمل المسلح، والذي كان الأردن - بعد نكسة 67 - منطلقاً له.. وقد احتضنت الثكنات التي أقامها الإخوان - وعرفت باسم "معسكرات الشيوخ" - الكثير من أبناء الحركة الإسلامية الذين وفدوا من بلدان عربية وإسلامية مختلفة، ليشاركوا في معركة تحرير بيت المقدس، وفك قيد المسجد الأقصى الأسير.. وقد أقام الإخوان علاقة تنسيقية جيدة مع حركة فتح، من حيث التسليح والتدريب لكوادرها الإسلامية.
ومع أحداث أيلول الدامية من عام 1970م، رحل "مقاتلو الثورة" إلى لبنان، وانفضَّ سامر "معسكرات الشيوخ"، وعاد الخلاف في تفسير وقائع الأحداث، حيث اتخذ الإخوان قراراً بعدم التورط والدخول في الصراع الدائر بين " مقاتلي الثورة " والنظام الأردني، باعتبار أن هذه ليست هي معركتهم أو أرض الوغى التي جاءوا يطلبون الشهادة على ثراها.
خلال فترة السبعينيات - ومعظم سنوات الثمانينيات - كانت معظم انشغالات الإخوان في فلسطين تصب في ساحة العمل الدعوي، وضرورة بناء تنظيم قوي متماسك، يمكن أن يشكل رأس الحربة لأية مواجهات قادمة مع كيان الاحتلال الغاصب للأرض الفلسطينية.
وفي محاولات الحركة الإسلامية في قطاع غزة تثبيت استحقاقاتها النضالية، وتكوين فضاءٍ سيادي لها داخل الساحة الطلابية والأكاديمية في مطلع الثمانينيات، وقعت الكثير من المواجهات داخل ساحات الحـرم الجامعـي، أصيب فيها الكثير من الطلاب واغتيل د. إسماعيل الخطيب القريب جداً من التيار الإسلامي على يد بعض عناصر الشبيبة الفتحاوية.. وتجدر الإشارة هنا إلى أن حالة الاشتباك قد تسبب فيها أيضاً رغبة منظمة التحرير في تقوية مواقعها التي تضررت بعد انتقال مركز الثقل داخل الحركة الوطنية من الخارج إلى الداخل بعد خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان كأحد تداعيات حرب 1982م، حيث كان هناك فراغ سياسي على الساحة الفلسطينية حاولت الحركة الإسلامية ملأه، وهو ما آذن ببدء المواجهات بينهما.
ومع انتفاضة الحجارة في ديسمبر 1987م، اشتد الخلاف داخل الساحة النضالية الفلسطينية بين القوى الإسلامية والوطنية، حيث أرادت حركة حماس - مع انطلاقتها - إثبات الحضور الإسلامي في فعاليات الانتفاضة، والتأكيد على قدرتها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وتحقيق انجازات على أرضية الفعل المقاوم، حيث إن أوزان التنظيمات كانت تقاس بعدد شهدائها وأسراها في سجون الاحتلال.
وفي مشهد حاولت فيه القوى الوطنية الاستئثار بساحة العمل النضالي، وقعت الكثير من الخلافات والملاسنات وتوجيه الاتهامات، حيث أفردت كل جهة نصوصها الجارحة واتهاماتها للتشهير بالآخر.
ومع توقيع اتفاقية أوسلو في أغسطس 1993م، ومجيء الألاف من مقاتلي الثورة إلى قطاع غزة، حاول الرئيس ياسر عرفات (رحمه الله) استيعاب الإخوان وحركة حماس تحت عباءته، إلا أنه لم ينجح في ذلك، بسبب تصادم برنامجه السياسي مع ما كانت ترى فيه حماس حقاً مشروعاً لا يمكن المساومة عليه؛ وهو استمرار المقاومة المسلحة ضد الاحتلال؛ أي أن قيادة حماس في النهاية رفضت محاولة الرئيس ياسر عرفات؛ باعتبار أنها كانت محاولة لطي أشرعة الحركة وتدجين مشروعها الجهادي.
في عام 1996م، تعاظمت الخلافات بين الطرفين، وأخذت طابعاً استفزازياً، حيث شنت السلطة الفلسطينية التي تقودها حركة فتح حملة اعتقالات واسعة، طالت معظم قيادات حركة حماس وشخصياتها الاعتبارية والإخوانية العريقة، مما عاظم من حالة الخصومة السياسية والتي راكمت فيما بعد - للأسف - عداوات وكراهية كان من الصعب تجاوزها أو نسيانها، وربما كانت أحد الأسباب وراء إخفاق الطرفين - بعد فوز حركة حماس في انتخابات يناير 2006م - في التوصل إلى شراكة سياسية.
محاولات ضم حماس لمنظمة التحرير
في أدبياتنا الإسلامية لم تكن هناك أية طروحات تنادي بأن تكون حركة حماس بديلاً لمنظمة التحرير، وقد ذكرت ذلك في كتاب (حماس: حدث عابر أم بديل دائم)، الصادر في مطلع التسعينيات، حيث أشرت إلى أن هذه المسألة هي قضية متروكة للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، ولكن المطلوب هو أن تتوسع المنظمة لكي تكون إطاراً جامعاً للهوية الفلسطينية بكل ما يعنيه ذلك من ضرورة استيعاب التيار الإسلامي داخلها باعتبارها الحاضنة الوطنية للجميع.
وقد جرت الكثير من اللقاءات في اليمن (1988م) والسودان (1990م) والتي شاركت فيها قيادات من حركتي فتح وحماس، مثل: الرئيس ياسر عرفات وأكرم هنية والدكتور موسى أبو مرزوق والدكتور خيري الأغا، وأخرى في القاهرة وعمان عام 1993م، بهدف التوصل لتفاهمات حول دخول حركة حماس لمنظمة التحرير الفلسطينية، إلا أن تباعد المواقف حول نسبة التمثيل حالت دون تحقيق ذلك.
حماس تتهيأ لدخول المنظمة
بعد نجاح حركة حماس في الانتخابات التشريعية في يناير 2006م، وتشكيل الحكومة العاشرة برئاسة الأخ إسماعيل هنية، بات الحديث عن دخول حركة حماس لمنظمة التحرير أمراً محسوماً، وغدت المسألة بيد الرئيس (أبو مازن) للشروع في كيفية استيعاب حركتي حماس والجهاد الإسلامي داخل إطار المنظمة، كي تصبح ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني.
ومن الجدير ذكره، أن الحديث عن عملية إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير - كي تعبر عن الكل الوطني والإسلامي - لم يتوقف منذ إعلان القاهرة في 30 مارس 2005م، ووثيقة الوفاق الوطني في يونيو 2006م، واتفاق مكة في فبراير 2007م، واتفاق المصالحة في مايو 2011م.. ولكن – للأسف - ظل هذا الباب موصداً ولم تُنفذ أيٌّ من هذه الاتفاقيات، برغم الحديث أكثر من مرة عن ترتيب لقاءات بهدف فتح هذا الملف، والسبب كما أورده د. محسن صالح في كتابه (أزمة المشروع الوطني الفلسطيني والأفاق المحتملة)، هو أن قيادة حركة فتح كانت - وما تزال - تحاول إبعاد ملف المنظمة عن عملية تغيير حقيقي، في الوقت الذي تركز فيه أكثر على الملفات المرتبطة بالسلطة الفلسطينية.
لقد أظهرت حركة حماس استعدادها لدخول المنظمة، وتركت مسألة حجم تمثيلها للحوارات التي ستدور بين مختلف الأطراف والفصائل.. لقد تراضى الجميع – الكل الوطني والإسلامي - على مرجعية منظمة التحرير الفلسطينية، ولم تعد هذه المسألة إشكالية تدور حولها النقاشات.. ففي حوار مُطوَّل أجرته صحيفة السبيل الأردنية بعنوان: الفكر السياسي لحركة حماس، عام 2012م، عبر الأخ خالد مشعل (أبو الوليد)؛ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، عن ذلك بالقول: "لقد قبلنا نحن وغيرنا أن تكون المرجعية الوطنية هي منظمة التحرير، بل نرحب بذلك ونسعى إليه بقوة، خاصة أننا توافقنا فلسطينياً على ذلك مراراً، ولكن الأمر يقتضي إصلاحها وإعادة بنائها ليدخلها الجميع؛ كي تعبر عنا جميعاً وعن شعبنا وقضيتنا.. فلا معنى لمرجعية وطنية لا يشارك فيها الجميع، ولا تسير بالتوافق العام، وبناء مؤسساتها ديمقراطياً. إن مرجعية الأمر الواقع لم تكن ولم تعد مقبولة، ونحن نُصرُّ على بناء مرجعية حقيقية توحد الشعب الفلسطيني، وتضم كل القوى في الداخل والخارج".
وأضاف الأخ أبو الوليد، قائلاً: "نحن ندرك تماماً أن الأمريكيين والإسرائيليين حريصون على طي صفحة منظمة التحرير، ليس لشطب كلمة التحرير التي لا يرغبون بسماعها فحسب، وإنما لأنهم يريدون اختزال القضية في الضفة والقطاع، ليسهل حلَّها حلاً تصفويَّاً يُلغي حق العودة، ويتجاهل حقوق ستة ملايين فلسطيني في الشتات.. ولا شك في أن قيام منظمة التحرير بدورها كمرجعية وطنية حقيقية تضم الجميع، يمثل أحد ضمانات الحفاظ على حق عودة اللاجئين والنازحين، وعلى دور الشتات الفلسطيني في المشروع الوطني".
وفي دراسة أصدرتها بعنوان: (استراتيجية حماس: ملامح ومحددات) في أبريل 2010م، أشرت فيها إلى أن حركة حماس تنظر إلى منظمة التحرير الفلسطينية كإطار ناظم للحالة الفلسطينية، ويمكن التسليم للمنظمة بأنها غطاء الشرعية الفلسطينية، والممثل الوحيد لشعبنا في حال أعيد بناؤها بشكل ديمقراطي يعبر عن الكل الفلسطيني بشقيه؛ الوطني والإسلامي.. ولقد ذكرت أيضاً بأن منظمة التحرير قد غدت - في الخارج - هي العنوان لشعبنا وقضيتنا، وأن دخول التيارات الإسلامية إلى المنظمة - بعد إجراء الاصلاحات اللازمة داخلها - سيشكل رافعة لها، وسوف يضيف لها امتدادات واسعة إلى ساحات العمل الإسلامي وأروقته السياسية في العديد من البلدان العربية والدول الإسلامية، إضافة إلى مراكز الجاليات الإسلامية ومنتدياتها في الدول الغربية، وهي تجمعات ضخمة للإسلاميين ولها تأثير لا يمكن تجاهله في دوائر صناعة القرار في الولايات المتحدة وأوروبا. من هنا؛ تأتي أهمية إصلاح المنظمة وإعادة بنائها لتصبح عنواناً وطنياً للجميع، وممثلاً شرعياً وحيداً لشعبنا بكافة فصائله الوطنية والإسلامية.
حماس والمنظمة: رؤية استشرافية
برغم المسيرة الطويلة والمتعثرة التي صاحبت مواقف الإسلاميين تجاه منظمة التحرير الفلسطينية منذ نشأتها في الستينيات، وكذلك محاولات حركة حماس المتكررة منذ انطلاقتها في ديسمبر 1987م على دخولها، والتي – للأسف - لم تكلل بالنجاح، إلا أن حرص الحركة على هذا الإطار الوطني الجامع ظل قائماً، حيث لم تنكر الحركة اعتبار منظمة التحرير أنها حاضنة المشروع الوطني ومرجعيته السياسية إلا بسبب غياب التيار الإسلامي من ساحة تمثيلها.
اليوم ليس هناك أية اعتراضات داخل ساحتنا الفلسطينية على مرجعية منظمة التحرير بعد أن أصبح الإسلاميون؛ حماس والجهاد الإسلامي، ممثلين داخل "الإطار القيادي المؤقت" للمنظمة في ديسمبر 2011م، وكل ما هو مطلوب الآن هو إصلاحها وإعادة بنائها وتفعيلها، حتى لا يختلف عليها أحدٌ بأنها بيت الشعب الفلسطيني، وكي تؤدي دورها في قيادته والدفاع عن هويته الوطنية.
وأختم بتلك الرسالة/الوصية التي أرسلها الشقيري (رحمه الله) إلى أحد أصدقائه في الكويت قبل وفاته بثلاثة أشهر، حيث كتب: "أرجوك أنت وإخواننا في النضال أن تُنصبوا أنفسكم حُرَّاساً على القضية الفلسطينية، وأن تداوموا على نُصح إخواننا الذين ألقت المقادير بين أيديهم تولي زمام القيادة الفلسطينية أن لا يفرطوا بأي شبر من وطننا المقدس، ولا ذرة من تراب وطننا الغالي... إن كل تفريط واستسلام يقابله العدو بالمزيد من الأطماع والتوسع والعدوان، وهذه هي وصيتي لشعبنا البطل، أرجو أن تحفظها وتدونها بين أوراقك، وأسأل الله لقادتنا الهدى، ولشعبنا النصر المبين".
اليوم وفي الذكرى الرابعة والثلاثين لوفاة الزعيم أحمد الشقيري؛ الإنسان والمفكر والمناضل السياسي، أبعث برسالته تلك إلى كل قادتنا السياسيين، وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس والأخ والأخ خالد مشعل من باب "وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ".