اللاجئون الفلسطينيون في اقتراحات كيري

بقلم: 

اللاجئون الفلسطينيون في اقتراحات كيري

بقلم: د. جمال محيسن

في سياق المواجهة السياسية المحتدمة في دوائر المفاوضات ودوائر اللقاءات والمباحثات الدولية والإقليمية بخصوص مبادرة كيري، تصدر اقتراح وزير الخارجية الأمريكي بخصوص اللاجئين الفلسطينيين المشهد العام في مختلف الساحات الفلسطينية والعربية والدولية، ومن منطلقات وطنية عميقة ووعي بالوقائع السياسية ومتطلبات التعامل معها على أرضية التمسك بالثوابت الوطنية، لا بد لنا أن نواجه بشجاعة تلك الاقتراحات، بحيث يكون الموقف الرسمي الفلسطيني في متناول يد كل مواطن فلسطيني في الوطن والمهجر، تعزيزاً وتثبيتاً لإستراتيجيتنا الفلسطينية التي تقوم على الاعتماد على الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره، وتحديد خياراته السياسية والوطنية، والتمسك بالثوابت وتطوير الفعل الفلسطيني لفتح الطريق أمام الانجاز السياسي الممكن، في ظل الظروف الدولية والإقليمية وموازين القوى، لأن قوة فتح كانت أصلاً في كونها التنظيم الذي واجه بشجاعة المعضلات السياسية الكبرى في ظروف استثنائية، بحيث أصبحت فتح صاحبة المشروع الممكن، ولم تنزلق إلى متاهات الوهم في المفاهيم والاستراتيجيات لدى البعض والتي تستهدف تأبيد الصراع وتأبيد اللجوء وتأبيد الشتات، تحت شعارات تفتقد أدنى إمكانيات التحقيق والانجاز، إن مهمة أي قيادة ومسؤولياتها تكمن في تطوير أدوات ومتطلبات الانجاز الوطني والسياسي بما يحقق الأهداف الوطنية، هكذا كانت فتح عندما فجرت الثورة وقادت الكفاح المسلح، وهكذا هي اليوم وهي تقود معركة المفاوضات.

إن قيادة حركة فتح وعلى رأسها الأخ الرئيس، تخوض معركة حقيقية لتحقيق الانجاز السياسي، وتتفاعل مع المقترحات الأمريكية على قدر اقترابها من أهدافنا وثوابتنا، وقد تعاطينا مع مقترحات كيري الخاصة بمسألة اللاجئين على أساس ثوابتنا الوطنية، مطالبين إسرائيل بشكل أساسي تحمل مسؤولياتها القانونية والدولية وفقاً للشرعية الدولية عن التسبب في تهجير أبناء شعبنا والإعتراف بالقرار 194، الذي يتضمن حق العودة والتعويض، وفي حال اعتراف إسرائيل بمسؤولياتها عن قضية اللاجئين يمكننا التعامل بكل شجاعة ومسؤولية مع الاقتراحات لتنفيذ القرار 194 ومتطلبات وآليات تنفيذه، وفقاً لكل مبادرة تتفاعل مع حقوقنا الثابتة، وإذا كانت اقتراحات كيري الأربعة بهذا الخصوص تعطي الفلسطيني الخيار بالعودة إلى الدولة الفلسطينية أو البقاء مع التعويض حيث هو أو في دولة أخرى محددة مع التعويض أو العودة المحدودة لجزء من أبناء شعبنا إلى إسرائيل، الأمر الذي لا زالت الحكومة الإسرائيلية ترفضه، فإننا ندعو السيد كيري ولإنجاح مبادرته تركيز جهوده السياسية وضغوطه على الطرف الذي يعيق مبادرته، إن مجمل ما يقدمه السيد كيري من مقترحات بهذا الخصوص لازال مرفوضاً من الحكومة الإسرائيلية، ناهيك عن كون المقترحات ذات علاقة بدول الاستضافة أو الاستقبال، وتبقى قضية العودة وفقاً للشرعية الدولية حقاً وطنياً وجماعياً وفردياً، فلا يستطيع أحد أن يفرض على الفلسطيني عدم العودة لأن ذلك يخضع للإرادة الحرة لكل فلسطيني في الشتات، ولكل لاجئ في الوطن أيضاً، فإنني شخصياً على سبيل المثال أرغب في اختيار حقي بالعودة إلى قريتي عراق المنشية أرض آبائي وأجدادي، هذه الإرادة الحرة لكل فلسطيني هي التي يجب أن يحتكم لها الاقتراح الأمريكي، لكل من شاء أن يعود أو اختار التعويض والبقاء حيث يشاء، فالفلسطينيون في لبنان مثلاً لا يمكن لهم التوطن هناك، لأن التوطن ليس مقبولاً منهم ولا من الدولة اللبنانية، إن نجاح المبادرة الأمريكية يعتمد على استجابتها لحق الفلسطيني وإرادته الحرة في الاختيار حول كيفية تنفيذ القرار 194، بينما لا زال الموقف الإسرائيلي يتنكر للشرعية الدولية وللحق الفلسطيني، ويضع العصي في دواليب مبادرة كيري، الأمر الذي يتطلب من الإدارة الأمريكية تفعيل قدرتها على الضغط على الحكومة الإسرائيلية، ونحن على يقين أن الإدارة الأمريكية إن شاءت فإنها تمتلك الأدوات التي تستطيع أن تلزم إسرائيل، كما حدث في التفاهمات المتعلقة بالملف الإيراني بين الإدارة الأمريكية وإيران رغم معارضة إسرائيل.

إن حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين يعتبر واحدا من أهم أركان الاستقرار الدولي ويصب في مصلحة الأمن والسلام الدوليين، وليس بمعزل عن المصالح الدولية للإدارة الأمريكية ولا المصالح الإقليمية، باعتبار قضية اللاجئين جوهر القضية الفلسطينية وأحد أبرز القضايا المفجرة للصراع في المنطقة، وعلى الإدارة الأمريكية أن تقرر هل ترسم سياستها على أساس مصالحها أم أنها تُخضع سياستها لمصالح إسرائيل وإن تعارضت مع مصالح أمريكا. بل وتعرضها للخطر.

إن المنهج الواقعي والعقلاني في التعامل مع مسألة اللاجئين لا يعني تقديم التنازل من قبل الفلسطينيين، وإنما يعني المسؤولية الدولية والإقليمية لمواجهة قضية اللاجئين بشجاعة وتحمل المجتمع الدولي ودولة الاحتلال مسؤولياتها، عند ذلك فلا شك أن الفلسطينيين يتمتعون بالمرونة والواقعية السياسية التي عبرت عنها المبادرة العربية والتي قبل بها الفلسطينيون وسبعة وخمسون دولة عربية وإسلامية.

 

المصدر: 
القدس