لماذا فشل الفلسطينيون في إنهاء الانقسام؟

بقلم: 

اشتغل الفلسطينيون بكل مستوياتهم بقوة لإنهاء الإنقسام،  ولم يدخروا جهدا في سبيل تحقيق ذلك، لكن رغم ذلك فشلوا في استعادة وحدتهم السياسية، وأصبح مشروعهم السياسي متشظيا بين كيانين منفصلين لكل منهما خصوصيته.

مضت اكثر من سبع سنوات على الانقسام وسيطرة حركة حماس على قطاع غزة، في البداية ظن الكثير من السياسيين والمثقفين، أن لا  أمل أمام حماس في المضي قدما في تفتيت وعزل غزة عن المشروع الوطني وفصلها عن الضفة الغربية، وبالتالي عن مشروع الدولة الفلسطينية، كان هناك قدرا كبيرا من الثقة والتفاؤل أن تعود حركة حماس إلى رشدها وتدرك أن مغامرتها أثقل من أن يتحملها الفلسطينيون وخاصة أهل قطاع غزة، كانت خطوة في الاتجاه الخاطئ لا يمكن تبريرها أو القبول بها.

أدرك الفلسطينيون متأخرين بأن قرار السيطرة على قطاع غزة الذي اتخذته حركة حماس، لم يكن قرارا وليد الصدفة أو خيارا  كانت حركة حماس مجبرة عليه لتحسين موقعها السياسي أمام خصومها وخاصة حركة فتح، بل جاء نتيجة لجملة من المتغيرات التي حدثت في التركيبه السياسية للسلطة الفلسطينية وعلاقتها بمنظمة التحرير الفلسطينية التي جرى تهميشها، بحيث أصبح البرنامج الوطني الذي توافق عليه الفلسطينيون رهينة لمتطلبات السلطة الوطنية وفي جوهرها تامين فاتورة الرواتب لموظفيها.

لم تستطع حركة فتح وقوى منظمة التحرير الفلسطينية من بناء سلطة وطنية حقيقية تنال رضى الفلسطينيين،  رافق إنشائها فوضى سياسية عارمة أولا في وظيفتها كسلطة، بأن تكون نواة وجسرا يوصلنا إلى دولة مستقلة يعترف بها العالم، أو لدورها في توفير المتطلبات الحياتية للسكان وهي في بعدها السياسي انتقال الولاية التي كانت إسرائيلية إلى ولاية فلسطينية، هذه الولاية التي تحولت إلى أجهزة و مؤسسات متعددة، كانت متخمة بالموظفين وأفراد الأجهزة الأمنية، ومنذ لحظاتها الأولى تحولت إلى عبء سياسي اقتصادي على الفلسطينيين وعلى مشروعهم السياسي، بقيت إسرائيل تمارس عملها كقوة احتلال من دون أن تتحمل التكلفه الاقتصادية والسياسية.

إن عدم تمكن الوطنيين الفلسطينيين من إنجاز البرنامج الوطني الفلسطيني،  بإنشاء الدولة الوطنية على أراضي عام 67 وعاصمتها مدينة القدس، لأسباب عديدة  تبدأ من الأداء الإداري والسياسي مرورا بتعقيدات القضية الفلسطينية، وفي مقدمته الطبيعه العنصرية الإستيطانية للحركة الصهيونية، أضعف الوطنيين الفلسطينيين بمختلف تشكيلاتهم وخاصة حركة فتح وبالتالي إضعاف وبهتان صورة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير صاحبة مشروع الدولة الفلسطينية، هذا الفشل والإجراءات الإسرائيلية على الارض التي كانت باستمرار تقوض عمل السلطة وتضعفها. وفي ذروة هذا الضعف، كانت حماس جاهزة للسيطرة على قطاع غزة، فقد كان حلمها وجزء من عقيدتها الوصول إلى السيطرة والحكم وإقامة كيان ذو هوية إسلامية بحسب برامج حركة الإخوان المسلمين التي رأت في ذلك انتصارا لخطها ولجناحها في فلسطين حتى وأن فازت بالانتخابات التي جعلتها مقيدة بالتركيبة السياسية للسلطة الواقعة تحت الاحتلال وبالاتفاقيات الموقعة "أوسلو وما بعدها"، وهنا التقت رؤية حركة حماس مع السيناريوهات الإسرائيلية والتي باتت معروفه للجميع بشأن الانسحاب من قطاع غزة وتسليمه لحركة حماس القوة الصاعدة والطموحه لإنشاء كيان أو دولة حتى ولو كانت بحجم قطاع غزة، حيث الكثافة السكانية والفقر والعزلة الدولية، حققت إسرائيل حلمها بتقسيم التمثيل السياسي الفلسطيني، وبخلق منافس قوي ذو خلفية إسلامية دينية لمنظمة التحرير أي خلق كيان بهوية دينية في الجنوب يبرر قبول العالم بمبدأ يهودية الدولة وخاصة بعد أن بات العالم العربي يتحول إلى  دول طائفية ومذهبية حتى لا يكون شكل الدولة اليهودية غريبا في المنطقة، باختصار، تم عزل قطاع غزة عن خيار الدولة الفلسطينية، وهذا ماسعى الاحتلال الإسرائيلي  إليه منذ زمن بعيد ونجح فيه.

إن انهيار وفشل حكم الإخوان المسلمين في مصر، أخذ معه مشروعها الإسلامي في المنطقة العربية الذي تم التفاهم عليه مع الإدارة الأمريكية، حماس كانت تعتبر نفسها  جزءا من مشروع إسلامي كبير، بل وأكثر من ذلك اعتبرت نفسها منطلقا لهذا المشروع، وسيطرتها على قطاع غزة جاءت وفق هذه الرؤية. ظن الكثير من الفلسطينيين إن انهيار حكم الإخوان في مصر، سيجعل من حركة حماس ترتد إلى الوراء و تعيد حساباتها باتجاه إصلاح ما أفسدته من تقسيم للنظام السياسي الفلسطيني. وسادت أجواء التفاؤل بين الفلسطينيين، إلى أن جاءت خطب وكلمات السيد إسماعيل هنية رئيس وزراء حكومة حماس ورئيس مجلس الشورى للحركة في القطاع، التي تحدث فيها عن إجراءات لتهيئة أجواء "المصالحة" هكذا فهمت في حينه، وانفتحت الحركة على ممثلي مؤسسات المجتمع المدني وبعض من أساتذة الجامعات والكتاب الفلسطينيين، وطرح  الشراكة في حكم القطاع، وتسهيلات في قضايا الحريات العامة وخاصة بإجراء الانتخابات للنقابات وللبلديات وإعادة المؤسسات المدنية التي صودرت وتم الإستيلاء عليها "لم ينفذ منها أي وعد  ولم يتطرق إلى ذلك أي أحد"، وجرت عدة اتصالات بين الرئيس محمود عباس والأخوين خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة وإسماعيل هنية رئيس وزراء حماس، وجاءت الوفود الفتحاوية للقطاع، كل هذا ولم تحدث  "المصالحة" المنشودة بل تراجع التفاؤل لدى الفلسطينيين بفعل التصريحات الأخيرة من قبل الطرفين.

ما الذي حدث، هل بات قرار إنهاء الانقسام قرارا إسرائيليا، باعتبارها اللاعب الرئيسي في المعادلة الفلسطينية، وأن هناك قوى اجتماعية سياسية نمت وارتبطت مصالحها مع الانقسام من كلا الطرفين وترى في إنهائه تهديدا لمراكز القوى التي أنشأتها، أم أن حركة حماس اختارت أن تناور وتكسب الوقت إلى ما بعد الإعلان عن فشل المفاوضات، التي بدأت بشائر فشلها تصل إلى مسامعنا، لتقدم نفسها مرة أخرى بديلا عن منظمة التحرير أو الإستيلاء عليها وأسلمتها أم أنها أي حركة حماس تريد كسب الوقت و المناورة على الزمن، لأن تخليها عن الحكم في قطاع غزة سيكون مؤلما لحركة الأخوان المسلمين وضربة موجعة لمشروعهم، وهي بذلك مازالت تراهن على قدرتها إيجاد سبيلا للمناورة والتفاهم مع النظام الجديد في مصر المعادي للأخوان؟

اختارت حركة حماس أن تدير أزمتها في قطاع غزة وتشتري الوقت "كما رجح بذلك معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي"،  بدل من حلها والذهاب إلى إنهاء الانقسام واستعادة الحياة الديمقراطية في فلسطين على قاعدة الشراكة الحقيقية. أسئلة تبقى برسم الاجابة، و بانتظار ما سيحدث في الشهور القليلة القادمة.