أبعد من نسيان فلسطين

بقلم: 

 

أعتقد أننا ما كان يمكن لنا أن نفهم أعماق الشعار الذي كان يقول إن قضية فلسطين هي قضية العرب المركزية، او قضية العرب الاولى كما نفهمه في هذه الايام، بعد أن وصلنا الى مرحلة لم تخرج فيها القضية نهائياً من الحسابات الإستراتيجية لأنظمة الحكم العربية فقط، بل وصلنا الى حدود محاولة التصفية النهائية لقضية فلسطين، تحت عيون الأنظمة العربية، بل بمساهمة من بعضها.
وليست دقيقة هي العبارات التي بدأنا نسمعها في هذه الايام على لسان مسؤولين إسرائيليين في مختلف المستويات، وأرفعها مستوى وزير دفاع العدو موشيه يعلون، وهي عبارات تتراوح بين تعبير المسؤولين الاسرائيليين عن شعورهم بأن "العرب" (يقصدون الانظمة العربية) قد نسوا فلسطين، أو انهم ضجروا من القضية. ويؤكد مختلف المسؤولين الاسرائيليين ان هذا الشعور قد ساورهم من خلال المقابلات السرية مع أعداد من المسؤولين العرب، حيث كانت المفاوضات والمحادثات تتناول مواضيع شتى، وقلما كان يرد بين هذه المواضيع ذكر فلسطين، وإذا ورد، فبشكل سريع وعابر.
أقول إن هذه العبارات الاسرائيلية قد جانبتها الدقة، في التوقيت على الاقل، فمن المؤكد ان تعبير الانظمة العربية عن نسيانها فلسطين، وعن ضجرها من قضيتها، قد دشنه الرئيس المصري الأسبق أنور السادات في العام 1978، اي منذ ستة وثلاثين عاماً بالضبط، عندما وقع اتفاقية كامب دافيد، مستعيداً فيها ارض سيناء منقوصة السيادة الوطنية، في مقابل إخراج مصر من الإطار التاريخي للصراع العربي الاسرائيلي.
صحيح ان هذا الموقف من قبل النظام المصري في اواخر ايام السادات، قد أثار زوابع كلامية كثيرة من الانظمة العربية كلها، فاتخذت قراراً بإخراج جامعة الدول العربية من مصر ونقلها الى تونس، وبمعاقبة مصر عن طريق سحب عضوية الجامعة العربية منها.
لكن تصرفات الانظمة العربية تلك قلما وجدت من تخدعه في تلك الايام المبكرة، والذي خدعته التصريحات الكلامية العنترية، ما لبثت ان فتحت عينيه على الحقيقة المرة، تصرفات جميع انظمة الحكم العربية، التي اتخذت من خروج مصر الرسمية من الصراع باتفاقية كامب دافيد، لتحذو حذوها، اي تخرج نظاماً بعد آخر من الصراع، عدا دولة واحدة (الأردن) ذهب نظامها الى حدود ما تفعله مصر حرفياً من تثبيت التخلي عن قضية فلسطين من خلال معاهدة سلام يتم توقيعها بينما احتلال اسرائيل لكامل تراب فلسطين التاريخية ما زال قائماً، الى جانب اخضاع شعب فلسطين للنير المباشر للاحتلال الاسرائيلي.
ولعل مرور ما يقارب الاربعين عاما على التخلي العربي الرسمي عن قضية فلسطين، هو السبب المباشر لمستوى الضعف، بل الهزال الذي وصل اليه موقف السلطة الفلسطينية، التي يمكن القول إنها، منذ اتفاقية اوسلو، قد انضمت هي الاخرى الى سائر الانظمة العربية الرسمية، فأعلنت تخليها عن المقاومة وسيلة لها في مواصلة الصراع ضد الاحتلال الاسرائيلي لسائر الارض الفلسطينية.
لكن لا يجوز لنا، ونحن نستعيد هذه المسيرة التراجعية، ان نصفها في مرحلتها الحالية، بأنها مجرد نسيان لفلسطين، او اعلان عربي رسمي عن الضجر من فلسطين والفلسطينيين. إننا نلمح من التصريحات العلنية التي بدأت تصدر عن عدد من المسؤولين العرب، تجاوزاً للخروج من إطار الصراع العربي الاسرائيلي الى بداية ظهور إشارات علنية، بعد سنوات من الاشارات السرية، على بداية دخول بعض الانظمة العربية الرسمية في اطار وضع اقليمي يبدأ فيه التعاون بين اسرائيل، وبعض الانظنة العربية، تعاوناً مفتوحاً وعلنياً ومباشراً، في كل المجالات السياسية والاقتصادية، حتى اننا بدأنا نسمع عن إغراءات بفتح الاسواق العربية قاطبة أمام اسرائيل، بما يتجاوز مصالحها مع السوق الاوروبية المشتركة، لمجرد ان تعقد اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وهو اتفاق تبدو معالمه شديدة الوضوح في المفاوضات البائسة التي تتم بعد التخلي العربي الرسمي العام عن الصراع، مما يجعل الامر اكثر استحقاقاً لاسم "تصفية قضية فلسطين"، بأكثر ما يناسب مصالح المشروع الصهيوني الاستعماري، ويضع حداً نهائياً لوجود فلسطين التاريخي في محيطها العربي.
إننا أمام اوضاع تتجاوز كثيراً مجرد نسيان فلسطين، او الضجر من قضيتها.
إننا أمام مقدمات ولادة وضع إقليمي جديد، تكون فيه اسرائيل شريكة لبعض الأنظمة العربية.

 
المصدر: 
السفير