"القاعدة" في فلسطين ـ كيف ولماذا؟
اعلنت اسرائيل قبل ايام اعتقال خلية فلسطينية في القدس المحتلة مرتبطة مباشرة بتنظيم القاعدة كانت تستعد لتنفيذ عمليات ضد اهداف اسرائيلية واخرى اميركية في تل ابيب. وجاء هذا بعد شهرين تقريبا من تصفية جيش الاحتلال لخلية سلفية جهادية في الخليل تبنتها القاعدة فيما بعد معلنة رسمياً حضورها في فلسطين .
يجب بالطبع عدم تجاهل الرغبة الاسرائيلية في تضخيم الحدث واستغلاله سياسياً واعلامياً لأبعد مدى ممكن سعياً كما الاخرين لاعطاء الاولوية لمحاربة الارهاب او في الحد الادنى اعتبار ممارساتها وسياساتها ضد الفلسطينيين جزءا من الحرب الاقليمية - المستجدة - والعالمية ضد الارهاب الاسلامي المتطرف الا ان ذلك لا يعني تجاهل الامر برمته او التغاضي عن حقيقة وجود خلايا للقاعدة في فلسطين والضفة الغربية تحديدا ولو كانت في طورها الجنيني كما اشارت احدى الصحف الاسرائلية نقلا عن مصادر امنية ذات صلة .
طبعا ثمة اسباب او عوامل عامة لظهور القاعدة في بلد ما تتعلق بالاستبداد، الفقر، البطالة والافتقاد الى ضوء بل اضواء في نهاية الانفاق السياسية الاقتصادية الاجتماعية اي ان القاعدة مثلت غالباً احتجاجاً او رد فعل متطرف ومنحرف على بيئة او ظروف هي ايضا متطرفة وصعبة .
في السياق الفلسطيني وفي الضفة الغربية تحديدا نحن امام بيئة مشابهة ولو في الاطار العام وبتفصيل اكثر نحن امام احتجاج او رد فعل على ذهاب السلطة الى المفاوضات بينما الاستيطان والتهويد متواصلان على الارض خاصة في القدس ومحيطها ونحن امام رد فعل على ممارسات الاحتلال البشعة والقاسية في ابعادها الاقتصادية الاجتماعية ونحن كذلك امام محاولة لملء الفراغ أمام عجز السلطة عن الانخراط الجدي في المقاومة الشعبية السلمية التي يفترض ان تمثل الاجابة الصحيحة والواقعية على السياسات الاسرائيلية في الضفة الغربية .
الى ذلك كان من المفاجئ ان تنجح القاعدة فى ايجاد موطئ قدم لها فى الضفة الغربية بعدما عجزت عن فعل امر مماثل في قطاع غزة رغم اجواء العسكرة الطاغية هناك والحرية النسبية امام الفصائل المسلحة وحتى الاشتباك مع جيش الاحتلال عبر حربين قاسيتين خلال اربعة اعوام فقط .
اللافت ايضا ان ثمة تنظيمات سلفية جهادية عديدة في قطاع غزة توحدت قبل سنوات ضمن ما يعرف بمجلس شورى المجاهدين فى بيت المقدس غير ان ضغوط حماس اجبرتها ليس فقط على عدم الاعلان الرسمي عن الانطواء تحت اطار القاعدة رغم التماثل الفكري العام معها وانما ايضا للانخراط ضمن القواعد العامة التي تحددها حماس ومن بينها الالتزام بالتهدئة وبدا ان هناك توافقاً او تفاهماً غير معلن مفاده ان السماح للسلفية الجهادية بالعمل مرتبط بعدم الانتماء الرسمي والعلني للقاعدة وعدم التمرد على السياسات التي تضعها حماس ليس فقط سياسياً وامنياً بل اقتصادي واجتماعي ايضاً .
ومن هنا بتنا امام مشهد قد يبدو سوريالياً يتمثل بوجود سلفية جهادية ولكن دون وجود للقاعدة في غزة ووجود لهذه الاخيرة في الضفة دون تواجد لتنظيمات سلفية جهادية يمكن ان تنضوي او تعلن تماثلها التنظيمي والفكري مع القاعدة .
هذا المشهد يمكن تفسيره جزئياً عبر الاشارة الى ان معظم اعضاء خلايا القاعدة المكتشفة في الضفة الغربية هم اعضاء سابقون في فصائل فلسطينية اسلامية ووطنية كما كان الحال تماما في قطاع غزة التي وضعت حماس فيتو واضحاً فيها على اي اعلان للقاعدة فيها كي لاتستغل اسرائيل ذلك لحشد الدعم الاقليمي والدولي لسياستها ضد القطاع المحاصر اصلاً .
لا يمكن توقع ان تتمكن خلايا القاعدة الجنينية من النمو في الضفة الغربية حيث ستبذل اجهزة السلطة الفلسطينية -في مناطقها- جهودها لخنق تلك الخلايا ووأدها في مهدها. الا ان ذلك لن يمنع تصاعد الابخرة وتجمعها في سماء الضفة تمهيداً للانفجار، كما قال قائد الشاباك السابق يوفال ديسكين في اطار تحذيره من السياسات الاسرائيلية المتبعة هناك، وهو نفس ما ذهب اليه جون كيري، مشيرا الى احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة قد تجد فيها التنظيمات المتماثلة مع القاعدة مكاناً ما، الا هذا لن ينال ابدا من الطابع الوطني الراسخ للكفاح الفلسطيني المستمر منذ قرن تقريباً.