مقاربات "اليسار" الإسرائيلي كمعين لليمين

بقلم: 

مع أن الواقع السياسي الإسرائيلي الراهن يتسم أكثر شيء بهيمنة اليمين التي بدأت ملامحها الأولى في حرب تشرين 1973، إلا إن الكثير من مقاربات هذا اليمين في ما يتعلق بمستقبل الصراع ومحددات تسويته مشتق من إرث حزب العمل وسلفه ماباي. بكلمات أخرى مشتق من إرث "اليسار".

والثابت أن "يسارية" العمل مشكوك فيها، وهذا ما أثبته سلوكه السياسي عموماً ولا سيما عقب حرب 1967.

ففي تلك الحرب أحرزت إسرائيل انتصاراً عسكرياً كبيراً سيطرت بعده على كامل المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، وعلى جزء كبير من الشعب الفلسطيني، وعندئذٍ كان في وسع إسرائيل أن تطبّق قرار الأمم المتحدة بتقسيم البلد بينها وبين الفلسطينيين، وظن كثيرون، وفي مقدمهم مؤسس الدولة ديفيد بن - غوريون، أن هذه هي الخطوة الصائبة. غير أن "الانتصار" ولّـد غطرسة واستكباراً ورغبة في السيطرة على البلد بأكمله. ومنذ ذلك الوقت وإسرائيل تمعن في حرمان الشعب الفلسطيني من الاستقلال.

وعندما بدأ اليمين ممثلاً بالليكود يركّز كل جهوده على المضي قدماً في مشروع الاستيطان، ويحظى في ذلك بدعم جهات متطرفة مثل منظمة "غوش إيمونيم"، تحوّل العمل في ما يشبه الخيار الاضطراري إلى "معارضة يسارية".

يمكن إيراد أمثلة كثيرة على مقاربات "اليسار" التي تشكل معيناً لليمين في إسرائيل. وسنكتفي منها بالمثل المتعلق بمستقبل منطقة غور الأردن.

معروف أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يؤكد صباح مساء الأهمية الحاسمة لمنطقة غور الأردن بالنسبة لأمن إسرائيل، ويشدّد على ضرورة الاحتفاظ بوجود عسكري إسرائيلي على امتدادها في أي اتفاق سلام في المستقبل.

وهذا بالضبط ما أكده رئيس الحكومة الأسبق إسحق رابين في آخر خطاب ألقاه في الكنيست في الخامس من تشرين الأوّل 1995، أي قبل شهر واحد من اغتياله، وتحدّث في سياقه عن رؤيته بشأن جوهر التسوية مع الفلسطينيّين، مشدداً على أنه يجب تثبيت الحدود الأمنيّة للدفاع عن إسرائيل في غور الأردنّ في أوسع معنى لهذا المفهوم.

وقبل نحو 45 عاماً، وحين لخص إيغال ألون خطته حول "الحدود القابلة للدفاع عنها"، قال إنه إذا كانت إسرائيل معنية ببقاء المناطق التي تنسحب منها مناطق منزوعة السلاح فإنه يتعين عليها الاحتفاظ بغور الأردن.

ويلفت اليمين إلى أنه على الرغم من أن ألون كتب خطته قبل عشرات الأعوام، إلا إن مبادئها ما زالت الآن ذات صلة أكثر من أي وقت مضى.

 

 

 

 

المصدر: 
النهار