ما الذي يجعل إسرائيل خائفة جدا: إيران، الولايات المتحدة، والقنبلة

بقلم: 
-تأمل إدارة أوباما أن تسفر صفقتها الأخيرة مع إيران عن جعل الشرق الأوسط منطقة أكثر استقراراً. لكن ظهور نتيجة معاكسة يظل احتمالاً ممكناً بنفس المقدار على الأقل. وبالنسبة لإسرائيل بشكل خاص، تشكل الصفقة نذير سوء –ليس بسبب ما تقوله عن إمكانية امتلاك إيران أسلحة نووية، وإنما بسبب ما يخشى الكثيرون أنها تقوله عن التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل. بالإضافة إلى الاعتقاد بأن الاتفاق نفسه ليس جيداً، يشتبه الإسرائيليون بأن سعي الولايات المتحدة إليه يوشر على نهاية تورط الولايات المتحدة العميق في المنطقة، والذي اعتمدت عليه إسرائيل طويلاً في التغلب على العزلة. ومن دون شبكة الأمان الأميركية، يمكن أن تعمد إسرائيل إلى تحدي التوقعات الأميركية، وتحاول التعامل مع التهديدات الناشئة بطريقة وقائية استباقية، غير متناسبة، وأحادية الجانب تماماً.
 
حسب بعض التقديرات، لم تكن إسرائيل أكثر أمناً مما هي الآن أبداً. فقد تمكنت معاهدة السلام مع مصر، التي تشكل حجر الزاوية في أمن إسرائيل للسنوات الثلاثين الأخيرة، من النجاة من فترة مغلفة بالشك من الحكم الإسلامي في مصر، وأصبحت تحرسها مرة أخرى حكومة عسكرية مصرية تبدو عازمة على إبقائها قائمة. والسلام مع الأردن يبدو متيناً كما هو حاله دائماً. وأبعد إلى الشرق، يقف العراق على بعد عدة عقود من إعادة بناء مؤسسة عسكرية يمكن أن تكون قوية بما يكفي لتهديد إسرائيل. بل ان الأحداث في سورية توفر المزيد من حسن الطالع. ويبدو من المرجح أن الرئيس الأسد، المجرد من أسلحته الكيميائية التي كانت بمثابة إجابته البائسة على ترسانة إسرائيل النووية المثيرة للإعجاب- سوف ينجو من حربه الأهلية. وبينما تصبح الأحداث في سورية تحت السيطرة، يفترض أن تظل مرتفعات الجولان هادئة. وسوف يمر وقت طويل قبل أن يتمكن الجيش السوري من تهديد إسرائيل فعلاً.
 
على الرغم من هذه الظروف الجيدة موضوعياً، شن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حملة انتقاد شرسة ضد الاتفاق المؤقت مع إيران، والمدعوم من الولايات المتحدة، باعتباره سياسة مضللة فظيعة، سيكون من شأنها أن تؤدي إلى صعود إيران في نهاية المطاف كقوة نووية. ولا ينبغي أن يشكل رد فعل إسرائيل مفاجأة، لأن معارضة البلد القوية لاحتمال نشوء أي قوة نووية أخرى في منطقتها هي حقيقة ثابتة. وقد برهنت على ذلك الغارات التي شنتها إسرائيل على العراق في العام 1981 وعلى سورية في العام 2007، والتي هدفت إلى تدمير البنية التحتية النووية الوليدة في البلدين. ومن المرجح أن تكون حقيقة عدم شن إسرائيل غارة مماثلة ضد إيران حتى الآن انعكاساً للتحديات التقنية والسياسية -الداخلية والدولية على حد سواء- التي يمكن أن تترتب على مهاجمة إيران.
 
حتى يفهم السبب في ذلك، يجب على المرء أن ينظر قليلاً إلى الخلف. كان رئيس وزراء إسرائيل المؤسس، ديفيد بن-غوريون، يؤمن بأنه نظراً لوضع إسرائيل كدولة يهودية صغيرة وغير مرحب بها إقليمياً في منطقة مسلمة، فإن أمن بلده يتطلب أن يكون لها راع من القوى العظمى. ومع أن إسرائيل ستضطر دائماً إلى خوض معاركها الخاصة، كما كان يعتقد، فإن الراعي يمكن أن يزودها بالأسلحة لشن هذه الحروب، وبالموارد الدبلوماسية لحماية المكاسب التي تجنيها منها. وكانت سياسة إسرائيل الأمنية، تاريخياً، أكثر ضبطاً للنفس عندما تكون علاقتها مع القوة العظمى الراعية في أفضل أحوالها. على سبيل المثال، هناك قبول إسرائيل بوضع نهاية قبل الأوان لقتالها في شبه جزيرة سيناء في تشرين الأول 1973، والذي جاء بناء على رغبة الولايات المتحدة التي لم تكن علاقاتها معها أقوى مما كانت عليه في تلك الفترة. وكذلك كان انضباطها في وجه صواريخ سكود العراقية في العام 1991. وفي كلتا الحالتين، ذهب السلوك الإسرائيلي في عكس طبع السياسات الإسرائيلية المفضلة. في الحالة الأولى، تسبب إنهاء القتال في سيناء قبل أن تتمكن إسرائيل من إحكام الحصار على القوات المصرية وطردها من الضفة الشرقية لسيناء في منح الرئيس المصري أنور السادات الانتصار السياسي الذي كان يسعى إليه. وفي الثانية، يمكن القول بأن عدم الرد الإسرائيلي في وجه صواريخ سكود العراقية شجع المنظمات مثل حزب الله، وحماس، والجهاد الإسلامي على الاعتقاد بأن التزام إسرائيل بالانتقام الدموي، الذي تم تأسيسه بحزم في الخمسينيات، أصبح يخفت.
 
الآن، قارن سلوك إسرائيل في هاتين الحالتين بسياستها في أيار 1967، عندما شعرت بأنها أصبحت مهجورة من القوة العظمى الراعية. في أعقاب إغلاق الرئيس المصري جمال عبد الناصر لمضائق تيران، سعت إسرائيل إلى الحصول على إعادة طمأنة من شريكتها التقليدية، فرنسا، إلى أنها سوف تضغط على مصر بنفسها لفتح المضائق، أو أنها ستقف إلى جانب إسرائيل في حال سعت الأخيرة إلى فتح المضائق بنفسها. لكن الرئيس الفرنسي شال دي غول، الذي كان يتطلع إلى إصلاح سمعة فرنسا في الشرق الأوسط بعد العنف المفرد للحرب الأهلية الجزائرية، رفض ذلك الطلب. ولما لم تكن أي من المملكة المتحدة ولا الولايات المتحدة تعرض على إسرائيل مكاناً تحت مظلتيهما الدفاعيتين آنذاك، وجدت إسرائيل نفسها وحيدة على نحو محزن –وفقاً لجولدا مائير التي أصبحت فيما بعد رئيسة الوزراء. وكان رد فعل إسرائيل على إحساسها الغامر بالعزلة هو نوبة من العنف الذي حول الشرق الأوسط –في بحر ستة أيام- وخلق مشكلات لإسرائيل ولبقية العالم، والتي ما تزال بلا حل حتى اليوم.
 
في هذه الأوقات، تهدد إعادة ترتيب الولايات المتحدة لسياساتها الخارجية بعد الحروب المكلفة في العراق وأفغانستان، في وجه صين تزداد قوة باطراد واقتصاد ضعيف، بإعادة إغراق إسرائيل ثانية في تلك الأيام الحزينة. ويجب على واشنطن إدراك ذلك إذا كانت تريد أن تفهم ردة فعل إسرائيل على صفقة الولايات المتحدة مع إيران. تقول إدارة أوباما أن هذه الصفقة هي مجرد اتفاق مؤقت، وأنه في حال فشل، فإن الخيار العسكري يبقى مطروحاً على الطاولة، لكن هذه المزاعم تظل محل شك كبير. فمنذ غزو العراق، أرسلت الولايات المتحدة إشارات عن التردد العميق في استخدام القوة تحت أي ظروف يحتمل أن يتسبب بخسارة أرواح أميركية، أو يضر بمصالح أميركا الأخرى بشكل خطير. وكانت مشاركة الولايات المتحدة الفاترة في ليبيا واحدة من هذه الإشارات. كما كان قرارها السماح لسورية باختراق "الخط الأحمر" في موضوع الأسلحة الكيميائية إشارة أخرى.
 
تسبب الحسابات الأميركية مصدر قلق لإسرائيل. وبالنسبة لإسرائيل، تبقى النظرة الأمنية بعيدة الأمد مثيرة للقلق لثلاثة أسباب. أولاً، كشف الربيع العربي عن نزعات شعبية قوية باتجاه السياسات الإسلامية في المنطقة، مما يعطي الساسة العرب الذين يحاولون ركوب موجة الإرادة الشعبية ميلاً أقل بكثير إلى استيعاب إسرائيل مما كان لدى الأوتوقراطيين الذين سبقوهم. وتشير هذه الأولويات المتغيرة إلى أن السلام الذي تتمتع به إسرائيل مع مصر والأردن يظل غير مضمون. يجب على إسرائيل أن تتهيأ للأسوأ -معاهدات سلام ملغاة، وتشكل تأييد شعبي عربي مخلص للمعارضة النشطة لإسرائيل في داخل العالم العربي. ثانياً، إن قدرة إسرائيل على ردع العدوان تتآكل. ولو قام أحد بتصوير درجة اعتمادية ردعها على رسم بياني، فإن النقطة العالية ستكون نهاية حرب العام 1967. وبدءاً من انتصار إسرائيل غير المكتمل في العام 1973، مروراً بقرارها عدم الانتقام من العراق في العام 1991، انتهاءاً إلى نجاح حزب الله وحماس في كسب تنازلات إقليمية من خلال التمرد، ظهر أن تكاليف معارضة إسرائيل قد انخفضت بشكل ملحوظ. ثالثاً، غياب الحزم الأميركي في التعامل مع مسألة سورية وإيران يترك الانطباع بأن الولايات المتحدة تسعى إلى فك ارتباطها من الشرق الأوسط، وتحويل أنظارها إلى أماكن أخرى. وإذا ما كانت الولايات المتحدة تسعى، لأي سبب، إلى خفض مستوى علاقاتها مع إسرائيل، فإنه ليس من الواضح إلى أين يمكن أن تتحول إسرائيل من أجل الحصول على الأسلحة والغطاء الدبلوماسي. ويرجح أن لا يكون حال الإنتاج المحلي من الأسلحة المتطورة أفضل من حال الوسائل الاقتصادية لإسرائيل (ولو انه ليس أفضل من وسائلها التكنولوجية)، كما أوضح الجهد الفاشل لإنتاج طائرة مقاتلة إسرائيلية الصنع في الثمانينيات. أضف إلى ذلك الاستقبال البارد الذي تلقاه إسرائيل لدى معظم الجهات الفاعلة في النظام الدولي غير الولايات المتحدة، وسوف يتضح لك السبب في أن إسرائيل تشعر بالقلق.
 
سوف يقول البعض أن مخاوف إسرائيل مبالغ فيها، وأن الدعم الأميركي لإسرائيل لا يتزعزع. وفي الواقع، كان الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري يؤكدان هذه الفكرة نفسها لعدة أسابيع. ويمكن منح إسرائيل العذر إذا هي أحست بمجرد ارتياح بارد فقط من هذه التطمينات. ففي نهاية المطاف، كما يقول القول المأثور للورد بالمرستون، ليس للدول أصدقاء دائمون، وإنما مصالح فقط. ولقياس الكيفية التي يحتمل أن تتصرف بها إسرائيل منذ الآن فصاعداً، فإن نقطة الاستبصار المرجحة تأتي من ملاحظات ثيودوروس حول السبب في شن إسبارطة حربها ضد أثينا. إن قوة تخشى احتمال الأفول، يكون لديها كل حافز لتوجيه الضربة الأولى على أمل تأخير سقوطها المحتمل.
 
بما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ما يزال يهدد باتخاذ إجراءات ضد إيران لسنوات، أصبح الكثيرون ينظرون إليه الآن مثل الولد الذي يطلق نداءات كاذبة. إنهم يعتقدون أن إسرائيل لن تجرؤ على مهاجمة إيران في خضم مناورة دبلوماسية أميركية قائمة. لكن هؤلاء المراقبين سيحسنون صنعاً إذا تذكروا السادات، الذي أعلن كلاً من عامي 1971 و1972 على أنه عام اتخاذ القرار ضد إسرائيل، فقط ليكون محط السخرية في نهايات السنتين عندما لم تغادر جيوشه ثكناتها أبداً. وقد ارتكبت إسرائيل خطأ التقليل من شأن السادات وحصلت على قصاصها العادل عندما قام بشن الهجوم أخيراً في العام 1973. وبالمثل، لا ينبغي أن يفترض أحد أن خطر الحرب قد ولى الآن. على نحو ينطوي على مفارقة، ربما يجعل الانخراط الدبلوماسي للولايات المتحدة مع إيران من احتمال شن إسرائيل الهجوم أكثر احتمالاً الآن، لأنها لو فعلت ذلك في وقت لاحق، فإنه ربما يكون قد فات الأوان.
 
 
 
 
 
 
المصدر: 
«فورين أفيرز»