لا للاعتراف بيهودية إسرائيل .. ولكن
إذا ما أعلنت إسرائيل أن حدودها القومية السيادية هي حدود الرابع من حزيران 1967، فليس هناك ما يمنع، من وجهة نظري، أن يُعلن الرئيس محمود عباس، أبو مازن، بأن (الفلسطينيين لن يكون لديهم أية مطالب قومية أو وطنية في إسرائيل)، حيث إن أية مطالبات أو حقوق للفلسطينيين الذين هُجّروا العام 1948 لن تكون ذات طابع قومي بل ستكون مطالبات فردية وقانونية تتعلق بحقوقهم في العودة إلى بيوتهم وأملاكهم الخاصة، أو استعادة تلك الأملاك، باعتبارها حقوقاً فردية أصيلة لا يملك أحد حق التنازل عنها، بالإضافة إلى مطالبات التعويض عن الأضرار والخسائر التي لحقت بهم.
وما سيُعلنه الفلسطينيون بهذا الخصوص سيكون مستنداً إلى قرارات المجلس الوطني الفلسطيني التي صدرت في الجزائر العام 1988، والتي قررت أن حدود الكيان السياسي الذي سيمارس فيه الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره الوطني وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة هي حدود الرابع من حزيران 1967.
إن قيام إسرائيل بإعلان حدودها القومية سيخلق ظروفاً جديدة أمام المفاوضات في ضوء ما يطرح الآن من قبل وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وتفحص ما يمكن وما لا يمكن أن يوافق عليه الفلسطينيون. ومن أجل الوضوح المبكر، لا بد من التأكيد على أن الفلسطينيين لن يقبلوا بأي حال، الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل.
ولن تستطيع حكومة إسرائيل ولا الوسيط الأميركي فرض الرواية الدينية /الصهيونية على الفلسطينيين. فالاعتراف بيهودية إسرائيل يعني ببساطة القبول بإنكار الرواية الفلسطينية والعربية لتاريخ فلسطين؛ والتسليم بإلغاء ما يزيد على ثلاثة آلاف عام من تاريخ التواجد العربي الأصيل في فلسطين، منذ ما قبل الفتوحات الإسلامية، والقفز عن حقائق التاريخ والامتداد الإنساني والتمازج والتفاعل الحضاري والتجاري بين عرب الجزيرة العربية وبلاد الشام وفلسطين قبل الأديان.
الفلسطينيون لن يقبلوا أية صيغة تلمح إلى أن وجودهم كان حدثاً طارئاً أو عابراً على البلاد وعلى المنطقة.
الرفض الفلسطيني للاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، أو يهودية أرض إسرائيل، لا يعود فقط لكونه يمس بهوية ومصالح ومستقبل الفلسطينيين العرب في إسرائيل، سكان البلاد الأصليين، على الأهمية البالغة لهذا الاعتبار، بل أيضاً لأنه يمس الرواية التاريخية الفلسطينية والثقافة والقيم والتاريخ الفلسطيني.
والفلسطينيون لن يعتذروا ولن يتنكروا لوجودهم التاريخي الأصيل والعميق والمتواصل في المنطقة.
وإذا كانت صلة اليهودية واليهود بالمنطقة هي جزء لا يتجزأ من تاريخ المنطقة ومن التاريخ الفلسطيني؛ فإنها بالتأكيد ليست كل ذلك التاريخ، بل ربما هي الجزء الأصغر منه.
فصلة اليهود التاريخية مع المنطقة وإن لم تنقطع تماماً، إلا إنها تقطّعت خلال فترات زمنية تاريخية ليست قصيرة، ولا يستطيع أحد احتكار تاريخ المنطقة ومصادرته لحساب تصوراته ورؤيته الخاصة.
ولكن الفلسطينيين عموماً، كما أعتقد، مستعدون للتعاطي مع حقائق الحياة وحقائق التاريخ.
ولذلك لن يكون صعباً عليهم الإقرار، في سياق معين، بالصلة التاريخية لليهودية واليهود في فلسطين، بل وأكثر من ذلك الإقرار بصلة اليهود الروحية والعاطفية بالأماكن التي يعتبرونها مقدسة، دون المساس بمقدسات أصحاب الديانات الأخرى وبحقوقهم الوطنية والسيادية.
في سياق كهذا فقط يمكن التقدم في المفاوضات، وليس في سياق المطالبة غير المعقولة بالاعتراف بالصفة اليهودية لدولة إسرائيل.