لماذا تراجع وهج اللجوء والمخيم الفلسطيني؟

بقلم: 

تراجع في السنوات الأخيرة وقع كلمة (لاجئ) وما يرافقه من معان أخرى تتعلق بـ (المخيم) و(العودة) وباتت كلمة (لاجئ) مقياسا سلبيا أكثر مما هو تعبير عن جوهر القضية الوطنية والنكبة، ولم يأت هذا التراجع ضربة واحدة، بل تم على مراحل وضمن فترات تاريخية متلاحقة.

كان المخيم في السبعينيات والثمانينيات يشكل بؤرة النضال الوطني وكانت لمراكز الشباب الاجتماعية في المخيم ميّزة تنافسية عن بقية الاندية الشبابية في الوطن.
اليوم لم يعد مهما أن اضرب موظفو وكالة الغوث الدولية وشُل التعليم والخدمات الصحية والبيئية في المخيمات الفلسطينية في دولة فلسطين وهذا دليل ساطع على تراجع وقع كلمة ( لاجئ) في الذكرى التاسعة والاربعين لانطلاقة الثورة الفلسطينية التي انطلقت من ثنايا ألم اللجوء والنكبة والمخيم، بينما تتحرك كل الطاقات والامكانيات لحل مشكلة موقف تكسيات جنين الذين اضربوا وتصبح قضية مركزية، ويصبح الاستنفار لحل مشكلة الذهب الخام في دولة فلسطين مسألة مصيرية وطنية استراتيجية من الدرجة الاولى لأنهما أكثر أهمية من (اللاجئ) و (المخيم) و (النكبة) و ( العودة ).

ترى كم هي النسبة الحقيقية من الرأي العام الفلسطيني التي تعرف أن اضرابا يشل مرافق وكالة الغوث الدولية وبالتالي يشل حياة المخيم وحياة اللاجئين الفلسطينين خارج المخيم؟. .
ترى هل تم قياس نسبة تغطية الاعلام الفلسطيني لقضايا اللاجئين الفلسطينيين ووهج العودة؟ مقابل قياس عديد المؤسسات لنسبة التغطية الاعلامية ونوعيتها لقضايا المرآة؟.
وترافق هذا التراجع مع حالة من تنميط صورة اللاجئ الفلسطيني لكي تصبح القضية أكثر قدرة على التمرير دون شوشرة ( اللاجئ يستهلك كهرباء عشرة اضعاف جاره في المدينة ولا يدفع فاتورته) (اللاجئ يستهلك مياها داخل المخيم بكميات ولا يدفع فاتورته) وبات المسؤول الاول يردد تلك المقولة وتوقع له الشركات الخاصة ويتداول الرقم ليصبح في الوعي الفلسطيني أن كارثة وطنية ستحل في دولة فلسطين بسبب مخيمات اللجوء، وعندما تضع المسؤول في الزاوية وتنتصر لللاجئين الفلسطينيين يقول لك (هناك مناشير حجر ومصانع كبرى لا تدفع الكهرباء والمياه) ويضيف المسؤول الهمام (هناك قرى بأكملها لا تدفع).
انا شخصيا اعلم ان تضخيم هذه المسائل والحديث عن المخيم كحالة متسيبة هو لتصغير شأن (اللاجئ ) الفلسطيني خصوصا ان اللاجئين الفلسطينيين لم يكونوا يوما سلعة للبيع والشراء في احلك اللحظات في العام 1948 بل ظلوا يزرعون حب الوطن وينشئون مؤسسات حاضرة بقوة لغاية اليوم ولم يهيموا على وجوههم ويغيبوا عن الخريطة ولو أنهم استسلموا وتزيلوا لهذه القوة أو تلك لما كان هناك قضية وطنية فلسطينية ولم تكن دولة فلسطين أصلا.
واليوم يأتي الدور على (مخيم اليرموك) ليثبت بدوره تراجع مكانة اللاجئ والمخيم الذي بقينا نتغنى به عاما تلو عام، ذلك المخيم الذي لم يتراجع للحظة عن حق العودة، فها هو الان يموت اهله جوعا ويبحثون عن مخيم أخر ليؤيهم.

ومن الخطير اقتصار قضية اللاجئين الفلسطينيين والعودة والنكبة على المخيم، فهناك الاف اللاجئين الذين يقطنون المدينة والقرية وشطبوا من خدمات وكالة الغوث الدولية وشطبوا من استهداف دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية.
ومن الخطير أن ينظر للخريطة الجغرافية لمحافظات الوطن عند تشكيل حكومة جديدة وعند اشغال وظيفة عليا في مؤسسات فلسطين ولا يؤخذ بالحسبان اللاجئ الفلسطيني بالحسبان كلاجئ وهوية.

ومن يريد أن يختصر قضية اللاجئين ونصرة مخيم اليرموك بمظاهرة هنا ومسيرة هناك هو مخطئ ومشارك في تحجيم مكانة النكبة وحق العودة لأنه لم يتبع خطى رواية غسان كنفاني ( رجال في الشمس ): لماذا لم يقرعوا جدران الخزان؟، نعم ونحن نمتلك كل هذه التقنيات التكنولوجية ووسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام والفضائيات ولا نحسن صنعا ضمن استراتيجية واضحة تتعلق بحق العودة وليست مسألة مناكفات سياسية لا تغني ولا تسمن من جوع.
ساعات وساعات كنت امضيها مع والدي (رحمه الله) الذي لم يخرج من انفه حتى وفاته عبق زهر البرتقال في بيارات يافا، ولم يستطعم كوب ( تمر هندي ) كنت ابتاعه من القدس لأن طعم التمر هندي في حيفا كان مختلفا تماما، كان يحدثنا عن لحظة اللجوء بعمق فكري يعبر عن عمق تفكير كل من شرد من ارضه وبيته.
عمتي ( سريا هنية ) هي الاخرى ظلت تتذكر ايام النكبة واللجوء من ابوشوشة وما زالت الايام الخوالي في ذاكرتها تقولها لنا وتذكّر الاحفاد بها.
آن الآوان لإعادة الاعتبار لقضايا اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة الذي هو حق فردي ومترافق معه التعويض عن حجب حق الانتفاع بالارض والبيارة والمنزل والمياه لسنوات تمتد.

المصدر: 
الأيام