مستقبل السلطة الوطنية بعد الاعتراف بفلسطين دولة مراقب

الفهم العميق للفكر الصهيوني وطبيعة الصراع في وعلى فلسطين يدفعنا إلى القول إن التحدي الذي يواجه الشعب الفلسطيني وهو يخوض معركته السياسية لتأسيس دولته الوطنية المستقلة لا يقل عن التحدي الذي واجهه عندما كان يتبنى إستراتيجية الكفاح المسلح ضد الصهيونية لتحرير وطنه، وسنكون واهمين إذا اعتقدنا أن إسرائيل والقوى التي حالت بين الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته عن طريق الكفاح المسلح ستسانده في تأسيس وطنه بالطرق السلميةـ وعبر المفاوضات، أو تخضع لقرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يعترف بفلسطين عضو مراقب، ذلك أن معارضة إسرائيل وأطراف أخرى لم تكن لان الشعب الفلسطيني يريد أن يُقيم دولته عن طريق الكفاح المسلح بل كانت معارضة لمبدأ قيام دولة فلسطينية مستقلة ما بين البحر والنهر، وقد أثبتت الأحداث ذلك وآخرها عندما وقفت واشنطن وإسرائيل ضد المسعى الفلسطيني باكتساب عضوية دولة فلسطين في الأمم في سبتمبر 2012 .

الاعتراف ألأممي بفلسطين دولة غير عضو – مراقب- مؤشر على تحولات في الموقف الدولي تجاه الصراع في المنطقة وعكس حالة من القناعة لدى غالبية شعوب العالم بأن الصراع في المنطقة لن يتم حله إلا بقيام دولة فلسطينية مستقلة. كما أن القرار أثار جدلا داخليا غير مسبوق حول قضايا إستراتيجية، كمرجعية النظام السياسي الفلسطيني وموقع السلطة فيه وموئل صناعة واتخاذ القرار الوطني بعد الاعتراف بفلسطين دولة، كذلك مستقبل السلطة الفلسطينية التي قامت تنفيذا لاتفاقية أوسلو. هذا الجدل وإن كان نخبويا وخفي على المواطن العادي إلا أنه يمس قضية مصيرية وحاسمة مثل مستقبل السلطة الفلسطينية الملتزمة والمقيدة حتى اليوم باتفاق أوسلو وملحقاته، وطبيعة العلاقة المستقبلية ما بين منظمة التحرير والسلطة الوطنية والدولة الفلسطينية،سواء تعلق الأمر بإعادة ترتيب الأولويات والاختصاصات أو بعملية إحلال. القرار ألأممي بفلسطين دولة أضاف تعقيدا جديدا لنظام سياسي معقد ومأزوم بالأصل بسبب استمرار فلسفة ونهج أوسلو ثم بسبب الانقسام والأزمة المالية .

 كان من المفترض أن الذهاب إلى الأمم المتحدة والاعتراف بفلسطين دولة غير عضو يؤسس لخطوات عملية لإنهاء السلطة كسلطة حكم ذاتي مرجعيتها اتفاق أوسلو أو على الأقل تغيير وظيفتها،إلا أن مجريات الواقع تقول بان الآمال التي بُنيت على الذهاب للأمم المتحدة لم تكن في محلها حيث عاد المفاوض الفلسطيني لطاولة المفاوضات الرسمية دون التزام إسرائيل بشرط وقف الاستيطان .

قبل الحديث عن مستقبل السلطة الفلسطينية من المفيد التأريخ لفكرة الدولة في النظام السياسي الفلسطيني قبل قيام السلطة وبعده، ثم نتناول ظروف وملابسات قيام السلطة حيث سنرى أن السلطة الفلسطينية لم تقم بداية بفعل إرادة فلسطينية حرة بل نتيجة تسوية واتفاق أوسلو الذي لم يحض برضا جزء كبير من الشعب والذي لم ينص على قيام دولة فلسطينية بل ترك لمفاوضات الوضع النهائي تقرير مصير الأراضي المحتلة، وبالتالي فإن مستقبل السلطة غير منقطع الصلة باشتراطات واتفاقات تأسيسها التي ما زالت تشكل الأساس للمفاوضات التي تجددت في واشنطن في يوليو 2013.

أولا: الدولة والنظام السياسي الفلسطيني

1-في مفهوم النظام السياسي الفلسطيني

نظرا لخصوصية الحالة الفلسطينية من حيث وجود الاحتلال وواقع الشتات فإن كل المفاهيم والمصطلحات السياسية كالدولة والدستور والمجلس التشريعي والحكومة بل وحتى الشعب التي يتم إسقاطها على الحالة الفلسطينية يجب التعامل معها بحذر ونسبية، وبالتالي فإن حديثنا عن النظام السياسي أو الدولة يندرج في إطار هذه الخصوصية .وبالتالي استعمال مفهوم النظام السياسي في الحالة الفلسطينية ليس بالضرورة منسجما مع مفهومه في علم السياسة أو كما هو متعارف عليه ومعمول به في الدول المستقرة والمستقرة. مع ذلك فإن مؤشرات وجود الظاهرة أو التركيبة السياسية التي يمكن تسميتها بالنظام السياسي يمكن تلمسها في الحالة الفلسطينية التي تشكلت مع تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وهذه المؤشرات:

 · قيادة سياسية مستقلة ذات سلطة أكراهية – بدرجة ما-

   مؤسسات سياسية شرعية

   هدف محل توافق وطني

   ·إستراتيجية عمل وطني

وعليه يمكن اعتبار منظمة التحرير وخصوصا بعد ولادتها الثانية عام 1968، أول نظام سياسي فلسطيني تنطبق عليه العناصر المُشار إليه أعلاه،  كما كان ميثاق المنظمة بمثابة دستور هذا النظام. كان النظام السياسي آنذاك هو نظام سياسي لحركة تحرر وطني تناضل من خارج أراضيها،  وهو ما جعل المحددات الخارجية تلعب دورا خطيرا في قيامه بداية ثم التأثير والتدخل الفج في رسم سياساته وحركته السياسية لاحقا،  ولم يغير قرار قمة الرباط 1974 بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا ولا إعلاء القيادة الفلسطينية لشعار استقلالية العمل الفلسطيني من الأمر كثيرا .

في تلك المرحلة كانت المنظمة بمثابة البيت لكل الفلسطينيين، والنظام الذي يستوعب كل الفصائل والأحزاب والجمعيات بغض النظر عن إيديولوجيتها وسياستها ما دامت تلتزم بالإستراتيجية الوطنية وهي إستراتيجية المقاومة.ومن هذه الصفة التمثيلية لم تغلق المنظمة أبوابها أمام أي فلسطيني أو فصيل فلسطيني يسعى للنضال من اجل التحرير بل ذهب ميثاق المنظمة أبعد من ذلك معتبرا بان أي فلسطيني هو تلقائيا عضو في المنظمة .

جاء إعلان الاستقلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة في دورة المجلس الوطني في الجزائر في نوفمبر 1988 ليؤكد على الصفة التمثيلية للمنظمة وعلى أن هدف النظام السياسي الفلسطيني هو قيام دولة فلسطينية مستقلة وتطبيق كل قرارات الشرعية الدولية بما فيها قرار عودة اللاجئين الفلسطينيين. بقيت منظمة التحرير تمثل النظام السياسي للفلسطينيين حتى ظهور حركة حماس كقوة شعبية جهادية أثبتت وجودها خلال الانتفاضة الأولى 1987، ومع أنه يمكن إرجاع وجود حماس إلى سنة 1979 حيث قررت إسرائيل السماح بترخيص (المجمع الإسلامي )الذي كان الواجهة التي تشتغل من خلفها الحركة،  إلا أنه تأكد حضورها كمنافس قوى وربما بديل عندما نشرت ميثاقها في أغسطس 1988 .

ظهور حركة حماس كان أكبر وأخطر تحدي لمنظمة التحرير كتعبير وتجسيد لنظام سياسي يمثل الكل الفلسطيني،إلا أن قيام السلطة الوطنية شكل تحديا أضافيا للنظام السياسي وخصوصا بعد فوزها في الانتخابات التشريعية 2006 .وهكذا أصبحنا أمام نظام سياسي بثلاثة رؤوس : منظمة التحرير الفلسطينية بما تملك من شرعية تاريخية وقانونية دولية، حركة حماس بما لها من شرعية دستورية بالإضافة إلى كونها حركة مقاومة، السلطة الفلسطينية في الضفة وغزة.

2- خصوصية وتطور مفهوم الدولة.

لم تكن الدولة الفلسطينية المستقلة كما هو متعارف عليها اليوم هدفا استراتيجيا للنظام السياسي الفلسطيني الذي كان عنوانه منظمة التحرير الفلسطينية،  بل كان من شروط الاعتراف العربي – خصوصا الأردن ومصر – بمنظمة التحرير أن لا تطالب بسيادة أو تطالب بدولة في الضفة الغربية وقطاع غزة التي كانت تحت سيطرة هاتين الدولتين، وبالتالي لم يكن هناك ارتباط ما بين النظام السياسي الأول والدولة الفلسطينية المستقلة،  فمهمة تحرير فلسطين كان لها الأولية على التفكير بالدولة. وعليه فإن الدولة الفلسطينية،  حالة خاصة بين الدول سواء من حيث التأريخ لها ككيان سياسي مستقل ومحدد المعالم،  أو من حيث واقع النضال الفلسطيني المتطلع لتجسيد الدولة حقيقة سياسية وقانونية. فتداخل الهويات وتعدد الانتماءات وتعاقب أشكال الهيمنة والاحتلال على فلسطين، بالإضافة إلى تعدد المرجعيات التي تشرعن حق الفلسطينيين في دولة،  ما بين شرعية تاريخية وشرعية دولية وشرعية تفاوضية وشرعية دينية،كل ذلك يجعل مقاربة موضوع الدولة أمرا محفوفا بمخاطر سوء الفهم والتشكيك حيث سنلاحظ انه خلال خمسين سنة – من الميثاق القومي 1964 إلى ما سمي باستحقاق أيلول وصدور القرار ألأممي بفلسطين دولة مراقب 2012- طرح الفلسطينيون -أو قبلوا بالتعامل مع- سبع تصورات أو مشاريع للدولة الفلسطينية.

لم يتناول الميثاق القومي لعام 1964 ثم الميثاق الوطني 1968  مسألة الدولة الفلسطينية المستقلة، كما لم يُسهب فيما يخص مستقبل فلسطين بعد التحرير، و يعود ذلك إلى خصوصيات المرحلة وهي مرحلة المد القومي والدعوة للوحدة العربية،  أيضا حساسية بعض الحكومات العربية من موضوع الدولة الفلسطينية بل رفضها القاطع للموضوع – كما سبقت الإشارة -، بالإضافة إلى أن بحث موضوع فلسطين ما بعد التحرير بالتفصيل يدخل في إطار المرحلة النهائية للثورة الفلسطينية وهي مرحلة معركة التحرير الحاسمة والتي قالت عنها الثورة الفلسطينية إنها لن تقوم اليوم أو غدا بل هي مهمة الأجيال القادمة وحيث أن هذه المعركة لن تكون فلسطينية خالصة بل حرب تحرير عربية، لذا لم يكن مسموحا للثورة أن تحسم بالأمر لوحدها.

اصطدام الثورة الفلسطينية بالواقع، وخصوصا بعد أحداث الأردن وسلبية الموقف الرسمي العربي، و بداية تحسس حركة فتح بعدم جدوى المراهنة على البعد القومي العربي الرسمي لوحده وكذا بروز تيار في الساحة الفلسطينية يراهن على ما سماهم اليهود غير الصهاينة ووجود إمكانية بالاعتماد عليهم لخلق نوع من المصالحة التاريخية ما بين اليهود والفلسطينيين. كل ذلك دفع بحركة فتح - اكبر فصائل الثورة الفلسطينية - إلى التفكير بقيام دولة فلسطينية بما هو ممكن ومتاح من أراضي، وهكذا خلال خمسة عقود تم طرح عدة صياغات ومفاهيم للدولة الفلسطينية :

                   ·في الميثاق القومي الفلسطيني 1964 جاء أن فلسطين ما بعد التحرير ستكون جزءا من دولة الوحدة العربية .

                   ·وفي الميثاق الوطني الفلسطيني 1968،  فلسطين بحدودها عام 1948 هي وطن الشعب العربي الفلسطيني .

                   · منذ 1971 تم تبني هدف فلسطين الديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني التي يعيش فيها اليهود والمسيحيين والمسلمين على قدم المساواة .

                   · عام 1974 تم تبني البرنامج المرحلي الذي يقول بسلطة وطنية فلسطينية على أي جزء من ارض فلسطين .

                   ·في إعلان الاستقلال بالجزائر 1988 تم تبني هدف الدولة الفلسطينية المستقلة حسب قرارات الشرعية الدولية .

                   ·في خارطة الطريق 2002 تم الحديث عن دولة ذات حدود .

                   ·وأخيرا كان مشروع القرار الذي قدمته منظمة التحرير للجمعية العامة للأمم المتحدة للاعتراف بفلسطين دولة مراقب.

 

ثالثا : السلطة الفلسطينية : تعدد المراهنات وصراع الإرادات

1-ملابسات تأسيس السلطة

حيث أن قيام السلطة لم يكن نتيجة تطور طبيعي للسلطة الثورية السابقة ولم تكن نتيجة انتصار حققه الفلسطينيون بل جاءت في سياق عملية تسوية أمريكية تم فرضها على غالبية الدول العربية بما فيها الفلسطينيين ونتيجة اتفاق أوسلو الذي جاء بعد مفاوضات سرية بين وفد من منظمة التحرير والإسرائيليين،  و لو لم يكن مؤتمر مدريد ما كانت اتفاقية أوسلو التي أنتجت السلطة،  لذا فإن استمرار السلطة حتى اليوم ومستقبلها ليس شأنا فلسطينيا خالصا- إلا في حالة قرر الشعب الفلسطيني العودة للثورة والانتفاضة الشاملة - بل مرتهنة برغبة وإرادة إسرائيلية وأمريكية وعربية ونخبة فلسطينية حاكمة.

إن أية محاولة لمقاربة واقع السلطة ومستقبلها يجب أن تكون مرجعيتها الأرضية التي انطلقت منها عملية التسوية، أو بصيغة أخرى معرفة ما إذا كانت مفاوضات السلام جاءت بفعل قناعة مبدأيه وصادقة لأطراف الصراع بضرورة حل النزاع على أساس احترام الحقوق المشروعة للجميع، وعلى أساس قناعة نفسية وعقلية بإمكانية وضرورة تطبيق قرارات الشرعية الدولية ؟ أم أن المفاوضات هي من نوع المفاوضات التي تعقب حرب يسعى من خلالها المنتصر لتوظيف نصره واختلال موازين القوى لصالحه ليفرض شروطه على الخصم؟ .

المفاوضات التي انطلقت سرا في أوسلو وبعده وأنتجت السلطة الفلسطينية، هي مفاوضات بين قوى غير متكافئة، بين طرف قوي منتصر مدعوما بتحالفات قوية وهو الكيان الصهيوني،و طرف منهزم في حالة انحسار وحصار وتراجع وهو الطرف الفلسطيني . الطرف الصهيوني فاوض بنفسية وعقلية المنتصر الواثق من قوته وقدرته على فرض شروطه أو على الأقل عدم تقديم تنازلات مهمة للخصم، والطرف الفلسطيني تفاوض بنفسية وعقلية المنهزم الذي يكابر ويوهم الجماهير انه يفاوض وانه يفرض شروطه، مع مراهنة بإمكانية تغيير التوازنات عندما تنتقل المنظمة وقواتها من الخارج للداخل.

كانت نتائج تسوية مدريد ثم أوسلو معروفة مسبقة لأن العرب دخلوا التسوية دون أن يجمعهم هدف واحد أو إستراتيجية واحدة، حيث تمكنت الولايات المتحدة وإسرائيل ومن خلال الآلية التفاوضية التي فُرضت على العرب من فصل القضية الفلسطينية عن محيطها العربي وسياقها الدولي وفرضت المفاوضات الثنائية ومفاوضات اللجان المتعددة حتى يمكن التفرد بالفلسطينيين على طاولة المفاوضات.

 أي تقييم لاتفاق أوسلو -إعلان مبادئ بشأن ترتيبات الحكومة الذاتية الانتقالية – وما تلاه من اتفاقات وتفاهمات،  والسلطة الناتجة عنه،  يجب أن لا ينصب فقط على كون المنظمة اعترفت بإسرائيل أو قبلت بنهج التسوية، أو تجاوزت الميثاق، فهذه أمور حدثت منذ زمن سابق لتوقيع اتفاقية أوسلو،  وكل فصائل منظمة التحرير،  بما فيها المنظمات التي كانت تتلفع بشعارات الرفض، كانت تعلم وتشارك في أحداثها،بل يجب أن ينصب التقييم حول مدى نجاح اتفاق أوسلو والسلطة الوطنية التي أنتجها في تقريبنا من هدف الدولة الفلسطينية المستقلة التي تم الإعلان عنها في دورة المجلس الوطني في الجزائر 1988 .

اتفاق أوسلو بنصوصه المعلنة حمال أوجه، فهناك فرق كبير بين التفسير الفلسطيني للاتفاق وعما ستكون عليه النهاية، والتفسير الإسرائيلي له.كانت القيادة الفلسطينية الموقعة على الاتفاق ترى أن السلطة الفلسطينية خطوة أولى ستؤدي إلى عودة اللاجئين وانسحاب إسرائيل من كل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وهو الأمر الذي يجعل الاتفاق منسجما، حسب هذا التفسير، مع مقررات سابقة للمجلس الوطني الفلسطيني، بينما كان الإسرائيليون يرون بأن الاتفاق لا يتجاوز منح الفلسطينيين حكما ذاتيا محدودا قد يشمل في أفضل الحالات نصف الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد تأكدت النوايا الإسرائيلية عندما رفضت منح الفلسطينيين الإشراف على كل الضفة الغربية بل قسمت الضفة إلى مناطق (أ) و (ب) و(ج)  مع تباين في صلاحيات السلطة في هذه المناطق، بالإضافة إلى عدم تفعيل الممر الآمن بين غزة والضفة والذي نص عليه اتفاق أوسلو،أيضا لم يتم توحيد الهوية الفلسطينية، حتى بالنسبة للمناطق التي منحت للسلطة لتقيم عليها حكما ذاتيا فإن هذا الحكم يفتقر للركنين الرئيسيين من أركان السيادة وهما الأمن العام والتمثيل الخارجي، بمعنى أن الحكم الذاتي هو تسيير الفلسطينيين لأمورهم الداخلية على تجمعاتهم البشرية داخل (أرض إسرائيل) من وجهة نظر إسرائيل.

 إن كان تأسيس السلطة الفلسطينية بقرار من المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية جاء تنفيذا لاتفاق أوسلو، إلا أن استمرار السلطة أصبح رهينة أوضاع سياسية وأمنية واقتصادية فرضتها اتفاقات جديدة أكثر سوءا تأسست على اتفاق أوسلو،  فمن أوسلو إلى اتفاق القاهرة 10/2/94 الخاص بالتدابير الأمنية والمعابر ،  ومنه إلى اتفاق الخليل 31/3/94  الذي جاء بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي  وهو الاتفاق الذي جرى بين الجنرال امنون شاحاك والدكتور نبيل شعت،  ونص على مرابطة مراقبين دوليين في مدينة الخليل،  وإجراءات تنظيم دخول الشرطة الفلسطينية إلى غزة وأريحا، ثم بروتوكول باريس الاقتصادي 29 /4/ 1994 الذي ينظم العلاقة بين الطرفين، وبعد ذلك جاء اتفاق القاهرة التنفيذي لاتفاق أوسلو 4/5/94 ووقع من طرف ياسر عرفات واسحاق رابين ووقعه كشهود كل من الرئيس المصري حسني مبارك، وزير الخارجية الأمريكي وارن كرستوفر ووزير الخارجية الروسي أندريه كوزيريف، ومن بعدهم وقعت مذكرات و اتفاقات كان أهمها  اتفاق واي بلانتيشن 23/10/98 ما بين الرئيس أبو عمار والرئيس الإسرائيلي نتنياهو بحضور الرئيس كلنتون، وهي اتفاقية أمنية في غالبيتها  فرضت على الجانب الفلسطيني شروطا مجحفة،  ومع ذلك لم ينفذها نتنياهو واستمر الوضع متوترا والمباحثات متوقفة إلى حين وصول حزب العمل برئاسة براك إلى السلطة حيث تم تحريك مسلسل السلام وعقدت قمة في بالرابع من سبتمبر 1999 في مدينة شرم الشيخ المصرية ما بين أبو عمار وباراك بحضور الرئيس مبارك والملك عبد الله ملك الأردن ووزيرة خارجية أمريكا مادلين اولبرايت،  تم فيها التوقيع على مذكرة شرم الشيخ (واي ريفر)، والتي التزم فيها براك بتنفيذ مذكرة واي ولكنه في نفس الوقت فرض على الفلسطينيين الدخول في مفاوضات الوضع النهائي قبل استكمال استحقاقات المرحلة الانتقالية وبالرغم من التفاؤل الذي ساد بعد توقيع مذكرة شرم الشيخ وتصريح الرئيس الفلسطيني يوم 21/99 أن إسرائيل قد أوفت بالتزاماتها،  إلا أن المماطلة الإسرائيلية بدت جلية في مفاوضات كامب ديفيد الثانية التي انطلقت في العشرين من يوليو 2000  ثم في شرم الشيخ وطابا حيث وصلت إلى طريق مسدود ثم تفجرت الأوضاع  مع وصول شارون للحكم .

2-السلطة بين خياري الحل وتغيير الوظائف

كان حديث الساعة فلسطينيا قبل مايو 1999 - تاريخ نهاية المدة المحددة لاتفاق إعلان المبادئ وبداية التفاوض على قضايا الوضع النهائي -هو موضوع الدولة الفلسطينية، وحيث انه لا مواعيد مقدسة عند الصهاينة وخصوصا إذا كانت هذه المواعيد تفرض عليهم التزامات تتعلق بالأرض المحتلة، فقد مر  الرابع من مايو وبالتالي المدة المتفق عليها للحكم الذاتي وفشلت مفاوضات كامب ديفيد وما تلاها من اتفاقات،  واندلعت الانتفاضة ثم اجتاحت إسرائيل الضفة وحاصرت الرئيس أبو عمار ثم اغتالته ... وما زالت السلطة قائمة ولكن في حالة أكثر ضعفا مما كانت عليه سواء في مواجهة الاحتلال أو من حيث المراهنة عليها لإنجاز الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم .

لم يعد وجود السلطة الفلسطينية : مؤسسات وقيادات ومصالح وارتباطات مشروط  بقدرتها على إنجاز هدف الدولة أو باكتسابها شرعية شعبية،  بل باستمرار وجود مسلسل تسوية لا ينتهي و أصبح من الواضح حدوث حالة انفصال ما بين السلطة الفلسطينية ومتطلبات استمرارها من جانب والمشروع الوطني الهادف لقيام دولة مستقلة على كامل أراضي 1967 وعودة اللاجئين من جانب آخر، أو بتعبير آخر أصبحنا أمام سلطة بدون مشروع وطني إن لم تكن معيقة له.هذه الحالة الارتدادية أو الانقلابية نلمسها من خلال أن كل لقاء أو اتفاقية أو مؤتمر أو جلسة مفاوضات تتم في السنوات الأخيرة تحت عنوان التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إلا وتشكل عائقا حقيقيا على الأرض أمام قيام الدولة ويعزز حالة الانقسام الفلسطيني وحالة تكالب وصراع على السلطة، صراع لا يفتقر فقط للأخلاق ولقواعد الممارسة الديمقراطية الحقيقية، بل يفتقر أيضا للحس الوطني وللشروط والمتطلبات الضرورية لخدمة المشروع الوطني الذي ما جاءت السلطة إلا من اجله.

لسنوات والشعب- بالرغم من تخوفات وشكوك بعض القوى والشخصيات الوطنية- يتعامل مع السلطة الوطنية على أنها أداة مؤقتة تساعد الفلسطينيين على إنجاز المشروع الوطني بالطرق السلمية بديلا عن خيار الحل العسكري، أو هي أداة المشروع الوطني في مرحلة تاريخية يتم فيها الانتقال من مرحلة الكفاح المسلح و المقاومة كخيار استراتيجي إلى مرحلة الحل السلمي من خلال اتفاقية سلام تقول بأنها ستحقق بالسلام الأهداف الوطنية التي كان الفلسطينيون يرومون تحقيقها بالمقاومة المسلحة.بالتالي لم يكن قبول الشعب بالسلطة والتعامل معها بدافع تحسين مستوى المعيشة، فالوضع الاقتصادي والمعيشي لفلسطينيي الداخل كان أفضل مما هو عليه الحال اليوم، فلم يكن الفلسطينيون يعرفون شيئا يسمى حصارا اقتصاديا أو مشكلة راتب أو مشكلة بطالة . كانت وما زالت مشكلة الشعب هي غياب الحرية والرغبة بالاستقلال الوطني، ومن هنا فإن الحكم على جدوى أو عدم جدوى وجود سلطة فلسطينية يكون من خلال الخطوات التي قطعتها السلطة نحو تحقيق الحرية والاستقلال،  والواقع يقول بأن ممارسات السلطة القائمة جعلت المشروع الوطني أبعد منالا والوضع الاقتصادي أكثر بؤسا مما كان عليه قبل وجود السلطة.

بعد توقف المفاوضات نهاية عام 2009 وتأزم الوضع الاقتصادي داخل مناطق السلطة تم الانتقال من الحديث عن إصلاح السلطة إلى التفكير الجاد بحل السلطة وهو حديث لم يقتصر على بعض المثقفين والكتاب بل تطرق إليه الرئيس أبو مازن نفسه ولو بطريقة غير مباشرة،  كما تصاحب الحديث عن حل السلطة بتصريحات لقادة من داخل منظمة التحرير – منهم احمد قريع عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية - حول نهاية المراهنة على حل الدولتين والمطالبة بخيار الدولة الواحدة  الدولة الواحدة . ما كان لهذه الأصوات أن ترتفع لولا إحساس بأن استمرار السلطة على حالها يخفي حقيقة وجود الاحتلال وممارساته الاستيطانية حيث مقابل كل دولار يَرِد للسلطة يكون مقابله شبر ارض تستولي عليه إسرائيل.

سبق وأن طالبنا بالتفكير الجاد بحل السلطة ولكن بعد أن تتم تهيئة المؤسسات والمرجعيات التي ستملأ فراغ انهيار أو حل السلطة حتى لا يكون بديل السلطة الفوضى أو حكم الميليشيات المسلحة أو كانتونات تديرها إسرائيل عن بُعد،وبالتالي فإن المطلوب ليس قرارا مرتجلا بحل السلطة بل المطلوب إعادة النظر بوظائف السلطة ومرجعيتها وقيادتها وخصوصا بعد القرار ألأممي بالاعتراف بفلسطين دولة مراقب.

رابعا: مستقبل سلطة الحكم الذاتي بعد الاعتراف بالدولة الفلسطينية عضو مراقب

جاء الاعتراف ألأممي بفلسطين دولة غير عضو ليزيد من تعقيد المشهد السياسي، فمن جهة فالاستيطان الإسرائيلي يتواصل بشكل غير مسبوق ويتواصل تقطيع أوصال الضفة بحيث بات مستحيلا قيام دولة متصلة الأجزاء ليس فقط بين الضفة وغزة بل وبين المدن والقرى الفلسطينية نفسها داخل الضفة،ومن جهة أخرى  توجد تفاهمات مصالحة تعطي الأولوية لإعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير وتجاوز الانقسام الجغرافي بين غزة والضفة بالعودة لواقع سلطة حكم ذاتي، مع تفاهم نظري غير مؤكد  حول الدولة في الضفة وغزة كهدف نهائي،ومن جهة ثالثة فإن قرار الاعتراف ألأممي بالدولة صدر عن الجمعية العامة بمعنى أنه قرار غير ملزم وبالتالي لم تعترف به إسرائيل ولم يغير شيئا في واقع علاقة إسرائيل بالأراضي الفلسطينية المحتلة .

من هنا يصبح مطلوبا الأخذ بعين الاعتبار الاستحقاقات المترتبة عن الاعتراف بفلسطين دولة ومحاولة المزاوجة بين العمل من أجل المصالحة والعمل من اجل تحويل قرار الدولة إلى ممارسة على الأرض،وهذا الأمر يحتاج إلى تفاهمات فلسطينية جديدة أو إبداع سياسي يؤسس لقيادة جديدة وإستراتيجية وطنية جديدة .هذه الإستراتيجية ستواجه في مرحلتها الأولى مهمة التوفيق والتنسيق بين ثلاثة مهام نضالية:

·إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير كإطار وطني جامع يتجاوز الضفة وغزة وغير خاضع للسلطة والتزاماتها

· مصالحة تعيد توحيد غزة والضفة في إطار سلطة وحكومة واحدة في مرحلة انتقالية تمهد الطريق للدولة

·استحقاقات الدولة كنتاج للشرعية الدولية، بما يفترض تجاوز مرحلة الحكم الذاتي المحدود واتفاقية أوسلو وخطة خارطة الطريق وخطة جون كيري للسلام الاقتصادي.

دون تقليل من قيمة التفاهمات السابقة حول المصالحة فإن مستجدا له بعد قانوني دولي قد استجد بعد الاعتراف بفلسطين دولة مراقب ويجب أن نأخذه بعين الاعتبار في عملية المصالحة وفي كل تحرك سياسي قادم حتى لا يتحول (الإنجاز) إلى مجرد قرار يضاف إلى عشرات القرارات الدولية ذات الشأن بالقضية الفلسطينية،  وما دامت حركة حماس كما هو الحال ببقية الأحزاب الفلسطينية وكذلك كل الدول العربية باركت الخطوة الفلسطينية بالذهاب للأمم المتحدة واعترفت بان الهدف الوطني الفلسطيني حاليا هو الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس مع حق عودة اللاجئين، فيجب أن تتكاتف الجهود حول هذا الهدف وان يكون هذا الهدف حاضرا في عملية المصالحة حتى وإن احتاج الأمر لإعادة النظر في بعض بنودها .

تفعيل القرار ألأممي بالاعتراف بفلسطين دولة مراقب وإعطائه قيمة عملية يتطلب نقل مركز الثقل والتوجيه في العمل السياسي الفلسطيني إلى الدولة من خلال ممارسات على الأرض تعكس وتعبر عن الحالة الجديدة، أو بمعنى آخر دولنة كل مؤسسات السلطة من خلال تحريرها من التزامات اتفاق أوسلو وتوابعه.وفي هذه الحالة كلما خطت منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية خطوة في اتجاه الدولة كلما تراجعت مركزية وظيفة السلطة الوطنية القائمة كسلطة حكم ذاتي، وربما تتحول أيضا منظمة التحرير الفلسطينية مع مرور الوقت لحزب داخل الدولة كما جرى مع جبهة التحرير الجزائرية بعد الاستقلال . ولكن لا يبدو أن قيادة منظمة التحرير مزمعة على الدخول في مواجهة سياسية مع إسرائيل وواشنطن بحيث تبني على القرار ألأممي بالدولة ممارسات على الأرض بإلغاء حكومة سلطة أوسلو وتشكيل حكومة الدولة الفلسطينية وبداية ممارسة أشكال سيادية على الأرض.

خامسا: إشكالات قانونية وخطوات إجرائية للانتقال من سلطة حكم ذاتي إلى سلطة سيادية – دولة-

من المعروف أن قرارات الأمم المتحدة لا تنفذ من تلقاء ذاتها وخصوصا إن كانت قرارات صادرة عن الجمعية العامة،وبالتالي فإن صدور قرار الاعتراف بفلسطين دولة مراقب لا يعني أن الدولة الفلسطينية باتت قريبة المنال، فقد يحتاج الأمر ليس لجهود دبلوماسية شاقة بل ربما للعودة لخيار الكفاح المسلح والانتفاضة حتى تصبح الدولة واقعا على الأرض. وبالتالي على الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية المُفترض أن تنتج عن إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير اهتبال فرصة صدور القرار ألأممي ومباشرة إستراتيجية جديدة للمفاوضات وللعمل الدبلوماسي والسياسي متزامنة مع خطوات إجرائية صدامية مع الاحتلال على الأرض .

كثيرة القضايا المطلوب من القيادة الجديدة لمنظمة التحرير التعامل معها ومعالجتها قبل أن تتجسد الدولة على الأرض، قضايا ذات أبعاد قانونية وسياسية واقتصادية: شكل السلطة ووظائفها ومصدر شرعيتها وتمويلها ومكوناتها – حكومة، تشريعي، رئيس الدولة، الأجهزة الأمنية، الانتخابات - ومرجعيتها كالانتقال من القانون الأساسي لدستور دولة،كما عليها مواجهة قضايا:المفاوضات،الانقسام الجغرافي،التمثيل الدبلوماسي،السيادة، الشعب، الحدود، اللاجئين الخ.وهذه قضايا لا نعتقد أن النخبة الحاكمة الحالة لوحدها قادرة على معالجتها، لذا نتمنى على قيادة منظمة التحرير الجديدة تشكيل فريق من الخبراء في القانون الدولي وفي المجالات الأخرى، حتى لا تتكرر مهزلة مفاوضات أوسلو.

  وفي هذا السياق نرى من المطلوب التفكير المتزامن مع إجراءات عملية على مستويين :-

المستوى الأول : التحرك الدولي

                   ·قرار الجمعية العامة لوحده لا يكفي للانتقال أوتوماتيكيا نحو الدولة، لذا يجب مواصلة المعركة الدبلوماسية في الأمم المتحدة بالتوجه لمجلس الأمن لانتزاع قرار بالاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية.الوقوف عند قرار الجمعية العامة قد يجعل مصير القرار كمصير عشرات القرارات الدولية الصادرة عن الجمعية العامة التي بقيت حبرا على ورق.وبالتالي يجب التواضع عند الحديث عن الانتصار الذي تحقق في الجمعية العامة . هذا لا يعني إبقاء وضع السلطة على حاله حتى صدور قرار ملزم من مجلس الأمن بل يتطلب تصعيد النضال الشعبي والدبلوماسي لخلق حالة صدامية تدفع المنتظم الدولي للانتقال من قرار الجمعية العامة إلى إجراءات دولية عملية  لتمكين الفلسطينيين من دولة مستقلة .

                   ·الخروج من حالة التردد ومباشرة طلب عضوية المنظمات الدولية وهي عديدة، بما فيها مستلزمات المشاركة في نظام روما الأساسي الذي يمهد للاستفادة من ممكنات محكمة الجنايات الدولية.وفي هذا السياق يبدو أن منظمة التحرير- أو بعض قياداتها –ما زالت تراهن على المفاوضات وعلى ما تسمح به إسرائيل من أرض وليس على انتزاع الحق بالدولة بممارسة نضالية تعتمد على الشرعية الدولية وقراراتها.

                   ·تشكيل لجنة قانونية من خبراء في القانون الدولي لبحث موضوع الاستخلاف أو التوارث الدولي International inheritance  وهل سيتم تطبيق الاستخلاف  بين السلطة الوطنية والدولة الفلسطينية بحيث تلتزم الدولة الجديدة بكل التزامات واتفاقيات السلطة مع العالم الخارجي ؟ أم ستتحرر الدولة من كل التزامات السلطة سواء تجاه إسرائيل أو العالم الخارجي؟. وقد يُطرح الموضوع أيضا بالتوارث بين منظمة التحرير والدولة وخصوصا فيما يتعلق بالصفة التمثيلية لمنظمة التحرير والقرارات الدولية التي تخاطب المنظمة والمعاهدات التي وقعتها منظمة التحرير مع أطرا ف خارجية.

                   ·تكثيف الجهد الدبلوماسي لدفع الدول التي صوتت على قرار الاعتراف بفلسطين دولة إلى تحويل الممثليات الفلسطينية إلى سفارات . وهذا يلزم الدول وخصوصا العربية بالتعامل رسميا مع الدولة الفلسطينية ومن يمثلها، ووضع حد لازدواجية التمثيل الفلسطيني.

      ·إعادة النظر في وضع السفارات والممثليات من خلال تحويل صفتها الرسمية وتغيير طواقمها العاملة بحيث تصبح سفارات كل الفلسطينيين وليس سفارات السلطة ومنظمة التحرير وحركة فتح. وفي هذا السياق يجب الإشارة إلى منزلق خطير يحدث على مستوى التمثيل الخارجي بعد الانقسام وهو تحول السفارات الفلسطينية في الخارج لسفارات سلطة الضفة في مقابل مكاتب وتجمعات تسيطر عليها حماس تمثل حكومة غزة وحركة حماس.

      · المستوى الثاني : ترتيب الوضع الداخلي

                   ·إعادة (بناء وتفعيل) منظمة التحرير لتستوعب الكل الفلسطيني، فمنظمة التحرير في بنيتها الحالة غير مؤهلة للتصدي لاستحقاقات الدولة والبحث في القضايا الخلافية .ونعتقد أنه سيكون لمنظمة التحرير (الجديدة) دور مهم في المرحلة الانتقالية فيما يتعلق بتهيئة الانتخابات وقانونها، بحث مسألة الدستور، الاستخلاف، تبادل الأراضي، مستقبل قضية اللاجئين، طبيعة النظام السياسي للدولة، الخ .

                   ·إنهاء الانقسام بين غزة والضفة، فتجسيد الدولة يحتاج لمعركة شرسة لا يمكن الفوز بها إلا إذا توحد الفلسطينيون وسيكون الانقسام عائقا أما تجسيد الدولة على الأرض، وقد تستغل إسرائيل وواشنطن الانقسام كذريعة للقول بصعوبة قيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة.وقد توجهان الأمور نحو أن تكون غزة هي الدولة الفلسطينية.

                   ·ضرورة توافق فلسطيني داخلي على مكونات الدولة الثلاثة : 1) سكان الدولة الذين سيحملون صفة (موطنو الدولة)،  وهذا سيثير مسألة ألاجئين وفلسطينيو الشتات، 2)  حدود الدولة، وهذا الأمر سيثير مسالة تبادل الأراضي وتأجير أراضي لإسرائيل في غور الأردن،الربط بين الضفة وغزة، 3) السيادة وهذا سيثير مسألة المستوطنات، والالتزامات التي سيتم فرضها على الدولة الفلسطينية في حالة قيامها، مثلا هل ستكون منزوعة السلاح ؟هل سيُفرض عليها اتفاقات أمنية مع إسرائيل ؟ هل سترابط قوات دولة على الحدود ؟.

                   ·على منظمة التحرير حسم أمرها بعدم العودة للمفاوضات إلا بعد وقف الاستيطان والتزام إسرائيل وواشنطن بالدولة الفلسطينية على حدود حزيران 1967 و والتأكيد على أن قرارات الشرعية الدولية، وخصوصا قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية، هي مرجعية المفاوضات وليس اتفاقية أوسلو أو غيرها من الاتفاقات الثنائية السابقة . وفي حالة عودة المفاوضات على قاعدة اتفاقية أو خطة خارطة الطريق أو خطة جون كيري للسلام الاقتصادي قد تسقط قيمة القرار ألأممي بالدولة.

                   ·إعادة مناقشة مشروع الدستور الفلسطيني المجمد والنظر إن كان يحتاج لتعديل يتوافق مع المستجدات،ومباشرة تطبيقه بدلا من القانون الأساسي القائم،  وهذا يعني إعادة النظر في قوانين السلطة وأجهزتها وفي جواز السفر والهوية الخ.

                   ·لأن حركة حماس في غزة أصدرت حزمة من القوانين والتشريعات في مختلف المجالات مختلفة بدون توافق وطني،ونفس الأمر بالنسبة للحكومة في الضفة، فيجب توحيد المنظومة القانونية قبل قيام الدولة . 

                   ·الانتقال من الاقتصاد المرتهن لبروتوكول باريس والجهات المانحة الملتزمة بشروط الرباعية إلى اقتصاد دولة،فالتحرر الاقتصادي والمالي مدخل للتحرر السياسي . فمن المعلوم أن أهم أسباب تردد السلطة ومنظمة التحرير في تجسيد القرار ألأممي على الأرض يعود للخوف من توقف التمويل المالي المسيس .فعندما قرر الرئيس الراحل أبو عمار التمرد على أوسلو وتوظيف أموال السلطة لتجسيد الدولة من خلال المواجهة مع إسرائيل قامت واشنطن وإسرائيل والجهات المانحة بمحاصرة الرئيس أبو عمار ماليا وفرضت عليه الدكتور سلام فياض.

                   · الانتخابات القادمة يجب أن تكون لرئيس دولة فلسطين وليس لرئيس سلطة حكم ذاتي،ولأعضاء برلمان فلسطيني وليس لمجلس تشريعي لسلطة حكم ذاتي.

                   ·كما أن إعادة توحيد الأجهزة الأمنية يجب أن يكون في إطار وظيفة جديدة لهذه الأجهزة كأجهزة أمنية للدولة الفلسطينية وليس أجهزة أمنية تنسق مع إسرائيل في إطار التزامات أوسلو كما هو الحال في الضفة،  أو أجهزة أمنية في غزة تقول إنها جماعات مقاومة ولن تتخلى عن سلاحها.

خلاصة

بفعل التداخلات العربية والإقليمية والدولية في الصراع في الشرق الأوسط وفي القضية الفلسطينية على وجه الخصوص فإن أية محاولة لاستشراف مستقبل القضية الفلسطينية – وفي دراستنا مستقبل السلطة وعلاقته بالاعتراف بالدولة- يجب ألا تقتصر على المعطيات الفلسطينية فقط سواء من جهة توفر الإرادة أو الممكنات الذاتية – بالرغم من مركزية الدور الفلسطيني- بل تعتمد أيضا على دور الفاعلين السياسيين – عربا وإقليميين ودوليين- في توجيه مسار الصراع، وفي هذا السياق يجب الأخذ بعين الاعتبار تداعيات ما يجري في المنطقة، وخصوصا في سوريا ومصر ولبنان من أحداث وتأثيرها على الوضع الفلسطيني الداخلي وعلى التوجهات السياسية الإسرائيلية، ومع عودة المفاوضات بدون وقف الاستيطان في تزامن مع الأحداث في مصر، وفي حالة عدم إنجاز المصالحة، فإن الحالة الفلسطينية مؤهلة للدخول مجددا في متاهات تفاوضية وربما في حالة من الحرب الأهلية وخصوصا في قطاع غزة   .

*- بحث تم تقديمه لمؤتمر مركز مسارات في رام الله

معد الدراسة: 
إبراهيم أبراش