نتنياهو والعزلة المزدوجة

بقلم: 

تمددت عزلة نتنياهو من الخارج إلى الداخل، وما نشر من تعليقات في الصحف العبرية عن بؤس "بيبي" وهو الاسم المتداول لنتنياهو في الشارع، يجزم بأن هناك مناخاً مشبعاً باليأس داخل "إسرائيل" بسبب المواقف الراديكالية التي يتخذها نتنياهو، كأن التاريخ توقف عند تلك السطور التي قدم بها لكتابة "مكان تحت الشمس" . وأسوأ ما يصاب به قائد سياسي هو انغلاقه على جملة من الآراء، وهذا من نتائج ما يسمى العمى الإيديولوجي، أو التشرنق فيما يسمى سايكولوجيا الاعتقاد الخاطئ، وهذا النمط من البشر يصم أذنيه عن كل الأصوات باستثناء صدى صوته ويعصب عينيه عن كل ما لا يروق له أن يراه .

وإذا كانت عزلة نتنياهو دولياً لم تدفعه إلى مراجعة مواقفه، لأنه يفسرها على هواه، فإن ما بدأ يحاصره داخل "إسرائيل" لا يمكنه أن يشيح عنه، لأن من يرونه بائساً ومراوحاً في مكانه بينهم ناخبون لولاهم لما تبوأ مكانته رئيساً للوزراء .

بعض الكتّاب ممن يرون في نتنياهو نموذجاً للإخفاق يقولون بما يشبه النذير أن هذا الرجل سيورط أحفادهم من اليهود، وإن كلمة المستقبل التي يكررها بإلحاح درامي ليست سوى كمين بانتظار من فوتوا الفرصة لكي يعيشوا آمنين، ومنهم أيضاً من يقول ساخراً إن شغف "بيبي" بالتصفيق هو السبب في رعونته السياسية، وإن لديه هاجساً ريادياً بأن يكون رائد الحقبة الثانية من الصهيونية، تماماً كما قيل عن اسحق شامير بأنه حلم بأن يكون ملك "إسرائيل" في تاريخها الحديث .
وحين تحدث رئيس الشاباك السابق "ديسكن" في مؤتمر عقد بمناسبة مرور عشر سنوات على مبادرة جنيف، قال بوضوح إن كل الحيثيات والقرائن المصاحبة للمفاوضات بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين" تدعو إلى التشاؤم، وألحّ على أن قيادة نتنياهو هي من صميم هذا الدافع للتشاؤم، لكنه أراد أن يخفف العبء عن "بيبي" فأضاف قائلاً: "إن الطرف الآخر وهو السلطة الفلسطينية يعاني الداء ذاته"، وهذه عبارة ملغومة تعيدنا إلى المقولة العبرية المتكررة من عدم وجود شريك فلسطيني في عملية السلام، لكن جديد "ديسكن" هو غياب الشريكين معاً .

ولم يسبق أن أطلقت صفة البائس على زعيم صيهوني كما تطلق الآن على نتنياهو، والمقصود بالبؤس ليس دلالاته التقليدية بل هو مصطلح يستخدم في سياق مماثل مما استخدم فيه مصطلح بؤس الفلسفة أثناء السجال الذي دار بين الماركسيين وخصومهم .

والمفارقة هي أن هناك من يوحي للفلسطينيين بأن هذه المفاوضات هي فرصتهم الأخيرة، رغم أن العديد من الكتّاب اليهود يرون العكس ويعتقدون أنها الفرصة النموذجية إن لم تكن الأخيرة بالنسبة إليهم .

ولأن توقعات مراكز الأبحاث في "تل أبيب" تنذر بأن اليأس الفلسطيني من تحقيق سلام عادل سيتيح خيارات أخرى، فالإفراط في الحصار والتجويع، وبسلام يأتي ولا يأتي على طريقة بيكيت في مسرحيته الشهيرة "بانتظار غودو"، لن ينتج أخيراً غير الانقضاض على الأمر الواقع، سواء كان ذلك انتفاضة ثالثة أو أي حراك مزعج للاحتلال، لهذا يقول الكاتب عوزي برعام في "هآرتس" "ينتظرنا نشوب ربيع عربي مجاله هذه المرة هو الاحتلال" .

المصدر: 
الخليج