تصدير الأزمة إلى الكل .... وتبرئة الذات

بقلم: 

فشل تجربة حكم حركة الإخوان المسلمين في مصر، بقدر ما كشف مستور نوايا وخطط وتفكير فروعهم في الأقطار الأخرى، فانه ادخل الخوف الى نفوسهم من مواجهة نفس المصير، خصوصا مع وجود حالة جماهيرية رافضة لهم ولتجربة من وصل الى الحكم منهم.
حركة حماس مثال على ذلك.
سقوط حكم الإخوان في مصر ألحق بحماس خسائر فادحة وعلى كل المستويات، وأوجد لديها خوفا حقيقيا. خصوصا وان ذلك جاء ليضاف الى حالة جماهيرية، موجودة أصلا، ترفضهم وترفض حكمهم.
وحالة الرفض الجماهيري هذه ليست وليدة فترة حكم الإخوان لمصر والعلاقة التي ربطت حماس بذلك الحكم والدور الذي لعبته في خدمته. وإنما هي تمتد الى زمن انقلابها الذي احدث اخطر انقسام في الصف الوطني وافدح الضرر بالقضية الوطنية، خصوصا وانه ترافق، ولأول مرة، مع إباحة الدم بعدما استمر مصانا ومحرما. وتمتد الى نهجها في احتكار السلطة بكامل مؤسساتها واجهزتها، والى القمع الذي مارسته طوال حكمها الانقلابي ضد الناس وحرياتهم المدنية العامة والخاصة.
كما انها تعود بنسبة عالية الى تحميل الناس حركة حماس المسؤولية الاولى عن حصول الانقسام الوطني الفلسطيني وتعطيل اتفاقات المصالحة الوطنية، وما رافق ذلك من استعداد واقعي وعملي لشق وحدة شرعية التمثيل السياسي.
ما تقدم أوصل حماس الى "ازمتها"، والتي تفاقمت الى ازمة عامة بفعل ما جلبته سياساتها ومواقفها من اختناقات في حياة الناس واحتياجاتها الأساسية وحرية حركتها وانتقالها.
حركة حماس كغيرها من فروع حركة الإخوان، تؤمن في قرارة ذاتها انها تمتلك الحقيقة الى جانب الحق، وأنها بالتالي تقترب من العصمة عن الوقوع في الخطأ، وان الآخرين فقط هم الذين يخطئون.
وعلى أساس ذلك أعفت نفسها من عملية تقييم ومراجعة نقدية واجبة وصادقة مع النفس، تشمل سياساتها ومواقفها وممارساتها وعلاقاتها الوطنية، كما تشمل تحالفاتها العربية والإقليمية التي شهدت تغييرات جذرية في الفترة الأخيرة وأثرت كثيرا عليها.
وأعفت نفسها كذلك من المبادرة الى اي موقف عملي مسؤول.
خالد مشعل الذي ظهر بعد غياب طويل، لم يجد ما يقوله في مؤتمر القدس الذي عقد في بيروت الأسبوع الماضي، سوى الكلام، كأي محلل سياسي عادي، في القواعد العامة المتفق عليها نظريا والمستباحة في ارض الواقع.
كلام اقرب الى الوعظ لا يحدد موقفا، ورسائل تحاول وصل جسور كانوا هم من بادر الى قطعها بسوء تقدير. لم يتطرق لاي نقد او مراجعة، ولم يعلن أي موقف أو مبادرة أو دعوة محددة، كما يفترض بقائد في موقع المسؤولية الأولى في الظروف التي تم وصفها، وكما تنتظر الناس منه.
الأخ ابو مرزوق نسج على نفس المنوال في مقابلته المطولة مع قناة الميادين، برر كل شيء وعلى قاعدة المعصومية وبرأ حركته من اي خطأ.
أما تبريره حمل الأخ مشعل لعلم المعارضة السورية في المهرجان الاستعراضي الذي قاده الرئيس المخلوع مرسي بالقول انه لم يكن يعرف العلم الذي يحمله، فلا ندري هل يوضع في خانة استهبال المشاهدين والناس عموما، ام في خانة اتهام الأخ مشعل بالغفلة.
"حماس" بدلا من إجراء تقييم يقودها الى المبادرة بموقف عملي مسؤول، صدّرت أسباب ازمتها ووزعتها على اكثر من طرف، واتهمت قوى فلسطينية بالسعي لهدف الاستيلاء على حكمها، وعلى وسائل الإعلام، وصولا الى اتهام أجهزة امن فلسطينية وعربية وإسرائيلية بالتعاون فيما بينها لتحقيق ذلك الهدف.
وجعلت من ذلك مبررا لتشديد قبضتها الأمنية وزيادة إجراءاتها القمعية، والعلو كثيرا بتهديداتها ضد اي صوت رافض او حتى ناقد لها، مهما كانت نواياه وأيا كان حجمه وقدرته على الفعل والتأثير. ووصلت الى تنظيم استعراضات عسكرية لكتائبها المسلحة، في عرض للقوة لم يكن في توقيته موجها لإسرائيل. فقد التزمت حماس بوقف "الأعمال العدائية!" ، كما جاء في الاتفاق الأخير لوقف القتال طويل الأجل الذي رعته أميركا وضمنت تنفيذه، حكومة الإخوان في مصر بشخص رئيسها، والتزمت حماس واقعيا بهذا الاتفاق. لكن الاستعراضات موجهة للداخل الفلسطيني لتشكل مع كل الإجراءات القمعية رسالة تحذير من المساس بحكمها او الاقتراب من ملعبها.
في الواقع، ليس هناك من احد يسعى لإسقاط حكم حماس بوسائل انقلابية. لكن لا احد يحق له، ولم يعد يمكنه، منع الناس من التعبير عن رأيها وقناعاتها، خصوصا وان ما يجري يتعلق أساسا بقضيتها الوطنية، كما يتعلق بها وبحياتها وحقوقها.
الحقيقي والصحيح، ان هناك اتجاها شعبيا وسياسيا واسعا يريد انهاء حكم حماس المتسلط على غزة، لكن، وفقط، عن طريق دمجه بالإطار العام الحاكم لكل أراضي السلطة الوطنية على قاعدة وحدة النضال الوطني، وحدة التمثيل السياسي، ووحدة الحكم وأجهزته ومؤسساته. وفقط أيضا، بالطرق الديمقراطية عبر انتخابات عامة، حتى لو جاءت بحماس لتحكم كل ارض السلطة الوطنية.
كان على حماس ان تلجأ لمواجهة "ازمتها" المتفاقمة، الى حضن الكل الوطني الفلسطيني في بحث وطني جماعي للخروج من الحالة الصعبة التي يعيشها النضال الوطني الفلسطيني، بكل تعبيراتها، وان تبدي استعدادا وتجاوبا من اجل تطبيق اتفاقات المصالحة الوطنية الفلسطينية، وفي مركزها الذهاب الى انتخابات عامة حرة ديموقراطية ونزيهة.
ورغم عدم وجود أي مؤشرات لدى حماس للقيام بذلك، الا أن الوقت لم يفت بعد. فوضعنا الوطني والوضع العام في المنطقة يفرضان بالضرورة إيجاد حلول وطنية لمشاكلنا، اول خطواتها استعادة وحدتنا الوطنية.

المصدر: 
الأيام