اتفاق أوسلو: 20 عاماً من الفشل

بقلم: 

يطوي اتفاق المبادئ الفلسطيني الإسرائيلي (اتفاق أوسلو) عشرين عاما من عمره، دون أن يجد طريقه إلى التنفيذ، علما أن سقفه الزمني قد رسمه المتفاوضون بخمس سنوات. ومازال الاتفاق يجرجر نفسه بأشكال مختلفة رغم أن أكثر من مسؤول إسرائيلي نعاه إلى الرأي العام، دون أن يتقدم أحد ليهيل التراب عليه. إذ ما زال يلد مشاريع ومبادرات تفاوضية آخرها استئناف المفاوضات بين الجانبين وفقا لمعايير وزير الخارجية الأميركي جون كيري.

ولعل الخطوة الأولى في الانتقاص من الاتفاق، كانت بعد ثلاثة أشهر من توقيعه (13/12/1993) حين رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين (آنذاك) الدخول في التطبيقات، متعللا بأن الاتفاق حمل في طياته ثغرات تضر بالامن الإسرائيلي، رافعا شعار "لا مواعيد مقدسة في التطبيق" والذي تحول عمليا إلى "لا نصوص مقدسة في الاتفاقات" لذلك ما زالت على سبيل المثال، النبضة الثالثة من إعادة الانتشار الإسرائيلي في المناطق المحتلة معطلة حتى الآن، ما يتيح لإسرائيل أن تستولي على المنطقة (ج) المقدرة بـ 40% من مساحة الضفة الفلسطينية.

لقد جرت محاولة فلسطينية ـ إسرائيلية برعاية أميركية في زمن الرئيس بيل كلينتون، للانتقال من إعلان المبادئ إلى حل قضايا الوضع الدائم في كامب ديفيد في تموز / يوليو 2000 وصلت إلى الطريق المسدود، وشكلت بالنسبة للإسرائيليين محطة تاريخية، إذا جاز التعبير، خلصوا منها إلى أنه من المستحيل الوصول مع الفلسطينيين إلى حل الرزمة الواحدة. وعلى خلفية هذه الخلاصة بادر رئيس وزراء إسرائيل الأسبق شارون إلى إعادة صياغة برنامجه نحو ما يسمى بـ "الحل الوسط" ويقوم على مبدأ الانسحاب من القطاع، لانسداد أفق الاستيطان فيه، والدخول مع الفلسطينيين في حلول مرحلية تجزئ الحل الدائم إلى محطات زمنية مفتوحة، لا يتم الانتقال إلى المحطة الجديدة إلا بعد التيقن من نجاعة تطبيق المحطة السابقة بما يخدم المصالح الإسرائيلية. ووضع شارون الفلسطينيين أمام خيارين: إما القبول بالحلول الجزئية، بما فيها "الدولة ذات الحدود المؤقتة"، وإما الانكفاء الإسرائيلي في خطوة أحادية خلف جدار الفصل والضم العنصري، تاركا الفلسطينيين في وضع حرج.

وإذا كان القدر لم يسعف شارون ليشرف على تنفيذ مشروعه فإن تجارب من خلفوه في السلطة أكدت فشل هذا المشروع ووصوله إلى الطريق المسدود على ضوء تجارب الحروب في لبنان (2006) وقطاع غزة (2008 ـ 2009) وخطيئة الانسحاب من طرف واحد، دون اتفاق يلزم الطرف الآخر بضمان أمن إسرائيل وسلامتها

بنيامين نتنياهو، فر من مخاطر تطبيقات أوسلو والحل الدائم نحو مشروعه للسلام الاقتصادي، بحيث يتوفر الرخاء للفلسطينيين ما يبعدهم عن أجواء التوتر ويضعف مشاعر العداء للاحتلال. لكن تجارب الحكومات الفلسطينية المتعاقبة في محاولة للاستفادة من هذا المشروع، ببناء أسس الاقتصاد الوطني الفلسطيني، أثبتت مدى التعارض بين المصالح الاقتصادية للاحتلال والمصلحة الوطنية الفلسطينية، وأثبتت استحالة بناء اقتصاد وطني مستقل تحت الاحتلال.

فشلت السلطة الفلسطينية في بناء استراتيجية اقتصادية اجتماعية، تقود إلى بناء اقتصاد صمود وطني في وجه الغزو الاقتصادي الإسرائيلي كما فشلت في تخليص الاقتصاد الفلسطيني من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي. يحاكي هذا الفشل، فشلها في بناء استراتيجية سياسية بديلة للمفاوضات العقيمة التي بنيت على أسس اتفاق أوسلو، وما زالت تراوح مكانها حتى الآن، دون خطوة واحدة إلى الأمام.

استئناف المفاوضات الحالية بموجب معايير وزير الخارجية الأميركي جون كيري لا يبشر بالتفاؤل، فتصريحات التشاؤم تتالى من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، حيث يتبادل الطرفان الاتهام بوضع العراقيل أمام الوصول إلى حل لقضايا الوضع الدائم ولعل هذا ما دعا بعض قادة إسرائيل إلى عدم خوض التجربة الفاشلة والبحث عن حل الرزمة الواحدة لقضايا المفاوضات، بل الاكتفاء، بديلا لذلك بإعلان مبادئ جديد، يرحل الحل الدائم. إلى محطات ذات أفق زمني مفتوح، لا يتم الانتقال من محطة إلى أخرى إلا بعد التيقن من سلامة تطبيقات المرحلة السابقة بما يخدم المصالح الإسرائيلية.

هل هي عودة إلى الوراء بحثا عن أوسلو جديد، يكرر التجربة الفاشلة للمفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، أم هو اعتراف ضمني بتعقيدات الصراع بين الجانبين، وتعقيدات الصدام بين مشروعين لا تلاق بينهما، المشروع الصهيوني القائم على نفي الشعب الفلسطيني، والمشروع الوطني الفلسطيني القائم على نفي المشروع الصهيوني، ما يضعنا أمام مرحلة جديدة من الصراع وإن كانت باردة الأجواء حتى الآن، فإن هذا لا ينفي أن ثمة عواصف في الأفق تتأهب لتثور في الأرض الفلسطينية المحتلة.

المصدر: 
المستقبل