إسرائيل تسرق الوقت والأرض

بقلم: 

استأنف الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي مفاوضاتهما في واشنطن خلال الشهر المنصرم دون أن تهتم بها كثيراً وسائل الإعلام، التي ظلت منشغلة بما يجري في مصر من اضطرابات، ليعاود الطرفان تجريب عملية سلام متوقفة منذ ثلاث سنوات، ولم ينجز فيها شيء عدا إهدار مزيد من الوقت، حيث فشل الفلسطينيون في الاستجابة لمطلبهم بوقف الاستيطان في الأراضي المحتلة، فيما تكرست من جهة أخرى عزلة إسرائيل على الساحة الدولية بسبب استمرارها في سياسة مصادرة الأراضي وبناء المزيد من المستوطنات داخل الضفة الغربية ومحيط القدس. وهذا الأمر نتجت عنه متاعب لإسرائيل في المحافل الدولية لم تستطع حتى الولايات المتحدة، حليفتها الرئيسية، دفعها عنها، كما تجلى ذلك في الهزيمة الدبلوماسية لإسرائيل وأميركا عندما فشلتا في منع الجمعية العامة للأمم المتحدة من التصويت لصالح فلسطين وترقية وضعها كدولة غير عضو في المنظمة الأممية، وذلك في إشارة واضحة إلى اعتراف دولي متصاعد بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني وتطلعاته القومية. ولإضفاء نوع من المصداقية على المفاوضات الجارية وتبديد أي شعور بالشك، أو التشاؤم اتفق الطرفان على تحديد مهلة زمنية لإجراء المفاوضات لا تتعدى التسعة أشهر يتم خلالها التوصل إلى اتفاق. وبالطبع سارع المعلقون في إسرائيل والولايات المتحدة إلى البحث عن أسباب استئناف المفاوضات الصعبة بين الفلسطينيين وإسرائيل في هذا الوقت بالذات لتتعدد التفسيرات وتتباين المواقف.

فمن جهة ذهب البعض إلى أن الانتعاش المفاجئ في آفاق السلام، على الأقل من الناحية الإجرائية المتمثلة في الجلوس إلى طاولة المفاوضات، مرده إصرار وزير الخارجية الأميركي جون كيري، على إنجاح المفاوضات، ولاسيما بعد الالتزام الذي قطعه على نفسه في السابق بالسعي إلى تذليل العقبات بين الطرفين للتوصل إلى تفاهم يضع حداً للجمود الذي يعتري عملية السلام. بل إنه أكد في تصريح له أن الجانبين ربما يكونان أمام فرصة أخيرة لإنقاذ حل الدولتين وتجسيده على أرض الواقع قبل فوات الأوان، ولذا قال في تصريحه «إن الوقت بدأ ينفد، إذا لم ننجح اليوم فلن تكون أمامنا فرصة في المستقبل». ولكن هناك من فسر الحماس الأميركي لاستئناف المفاوضات والضغط المستجد لبلوغ اتفاق إلى الأوضاع المضطربة في الشرق الأوسط، ولاسيما في مصر وباقي دول «الربيع العربي»، بحيث برز سؤال جوهري منذ فترة حول دور إسرائيل في ظل ما يجري، والدور الذي يمكن أن تضطلع به. وليس هناك من سبيل للتأثير في مجريات الأحداث ومواكبة التغيرات الجارية في الشرق الأوسط إلا بالعودة إلى الانخراط مجدداً في عملية السلام والتفاوض مع الفلسطينيين. ثم هناك تفسير ثالث لا يشار إليه كثيراً وإن كان مطروحاً بقوة، كما عبرت عن ذلك وزيرة العدل الإسرائيلية، تسفيبي ليفني، التي حذرت القيادة السياسية في إسرائيل من القرار الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي بشأن مقاطعة الصادرات التي تنتجها المستوطنات. بل لقد ذهبت إلى أكثر من ذلك، معتبرة أن مقاطعة منتجات المستوطنين ليست سوى مرحلة أولى ستتلوها مقاطعة لمجمل البضائع الإسرائيلية، وهو أمر لافت لم نتعود سماعه من المسؤولين الإسرائيليين الذين دأبوا على الاستخفاف بالانتقادات الدولية.

ويبدو أن إسرائيل بعد الموقف الأوروبي الحازم بدأت تنظر إلى حقيقتها التي طالما سعت إلى تزييفها، ففي حديث وزيرة العدل الإسرائيلية قالت إن أوروبا تنظر إلى بلدها كدولة محتلة، وهو ما كانت عليه دائماً إسرائيل منذ انطلاق المشروع الصهيوني الذي لم يكتف باستغلال الشعوب المحلية على غرار الاستعمار الأوروبي، بل قام أيضاً بطرد الشعب الفلسطيني وتهجيره كجزء من سياسة الإحلال والسيطرة على الأرض، ثم إقامة الوطن القومي لليهود. وهذه السياسة لم تتوقف قط حتى بعد قيام دولة إسرائيل واستصدار قرارات عديد من الأمم المتحدة تنص على اقتسام الأرض تمهيداً لنشوء دولة فلسطينية، حيث تواصلت عملية التهجير والطرد، وكانت الدولة العبرية تستغل أي فرصة سانحة، ولاسيما في الحروب المتوالية مع جيرانها العرب، لكسب الأرض وطرد السكان والتوسع على حساب الفلسطينيين. وللتخفيف من بشاعة سياستها وتغليفها خطابياً ابتدعت إسرائيل مصطلح «الترانسفير» الذي ظل جزءاً أساسياً من السياسة التوسعية لإسرائيل، وحتى بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو ظلت هذه السياسة مستمرة دون هوادة، وبدلاً من الحروب التي أعطت إسرائيل مبرر التوسع متكئة على إنجازها العسكري، بدأت تستغل اليوم العملية السلمية نفسها والمفاوضات مع الفلسطينيين لمتابعة ذات السياسية وتكريس حقائق جديدة على أرض الواقع من خلال قضم المزيد من الأرض.

وفي تقرير أصدرته منظمة «السلام الآن» الإسرائيلية أشارت إلى أن السلطات الإسرائيلية تحرم الفلسطينيين في المنطقة «ج» بالضفة الغربية من بناء منازل خاصة بهم، كما أن 60 في المئة من مساحة الضفة الغربية ما زالت خاضعة خضوعاً تماماً للإدارة الإسرائيلية، على رغم مرور عقدين تقريباً على انطلاق مسلسل أوسلو الذي يفترض أن ينقل تلك المنطقة للإدارة الفلسطينية كنواة أساسية للدولة الموعودة. ولا يقتصر الأمر على مصادرة الأرض، بل حتى ما يوجد تحتها من موارد مائية ما زلت تسيطر عليه إسرائيل أيضاً وتخصص أغلبه للمستوطنات في حين يعاني الفلسطينيون من العطش.

المصدر: 
الاتحاد