قـلـــق الـمـفـاوضـــات

بقلم: 

هناك قلق واضطراب حول العودة إلى طاولة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي المحتل.

الموقف الرسمي الذي اتفقت عليه القيادة الفلسطينية - وغالباً بالإجماع - وكما اكده اكثر من مسؤول، موقف متماسك اذ اكد ان الموافقة على استئناف المفاوضات مرهونة بتحقق المطالب الوطنية الثلاثة: مرجعية حدود 1967، وقف الاستيطان، وإطلاق سراح معتقلين، بالذات كل معتقلي ما قبل أوسلو وهي مطالب حد أدنى، وتنسجم مع القرارات الدولية ويصعب حتى الاستحالة التنازل عن أي منها. وهو موقف لم يتغير ولا حصل عليه تعديل، حتى التصريح الرسمي الوحيد الصادر باسم الرئاسة على لسان الناطق باسمها السيد أبو ردينة جاء منسجماً مع الموقف فهو يقول، "تحقق تقدم؛ الأمر الذي يمكن من الموافقة على المبادئ التي تسمح باستئناف المفاوضات"، لكنه يضيف، "ان تفاصيل معينة ما زالت بحاجة الى إيجاد حل لها".

والشيطان يكمن في التفاصيل لكن هناك الكثير من التسريبات التي تلح عليها وسائل الإعلام عن مواقف (اكثر ليونة واقل اشتراطاً!) تنقل على لسان البعض وتصل حد الشك والادعاء ان الموافقة الفلسطينية قد تم إعطاؤها فعلاً وهو ما يخلق هذه الحالة من القلق والاضطراب والبعض يأخذ التسريبات كمسلمات او وقائع حصلت ويبني عليها مواقف اتهامية حادة وقصووية وكأنه "يريد ميتماً يشبع فيه لطاماً" يعزز هذه الحالة من الشك، عدم الوضوح في طبيعة ودور لقاء صائب عريقات مع تسيفي ليفني المفترض عقده في واشنطن بدعوة من الوزير كيري. هل اللقاء هو بداية للمفاوضات او مقدمة لها؟ ام هو، حقيقة كما يتم الإعلان عنه، لقاء تنفيذي مهمته بحث كيف يمكن ان نستمر ونتواصل؟ كما يعزز الشك تلك الثقة العالية في تصريحات ومقابلات الوزير كيري حين يؤكد الوصول الى اتفاق على العودة الى المفاوضات، لدرجة الإعلان انه بدأ اختيار وترتيب الطاقم الأميركي الذي سيساعده فيها، ان المبادرة او الوعود الشفهية التي قدمها الوزير كيري الى القيادة الفلسطينية، كما جاءت في وسائل الإعلام وعلى لسان اكثر من مسؤول، تلبي الى حد كبير المطالب الفلسطينية، كما جاءت في موقف القيادة الأخير وتصل حسب البعض حد الوعد ان تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية وقد تكون هذه الوعود هي ما استند إليه تصريح السيد أبو ردينة المذكور آنفاً لكن هذه المبادرة او الوعود بقيت شفهية ولم تقدم للفلسطينيين مكتوبة وبالتالي فهي غير رسمية ولا ملزمة من جهة أولى، ولا تلزم إسرائيل من جهة ثانية وحتى تكون لها درجة مقبولة من المصداقية ويقبل الطرف الفلسطيني التعاطي على أساسها فإن إسرائيل يجب ان تعلن التزامها بها مباشرة او بالموافقة الرسمية المعلنة على خطاب دعوة من الرئيس الأميركي يتضمنها، مع العلم والتذكير ان الإدارة الأميركية كانت قد قدمت مبادرات ووعوداً لا تقل عن الحالية مثل خارطة الطريق، وما جاء في خطاب اوباما الشهير في جامعة القاهرة بعد انتخابه الأول بزمن قصير ولكنها تناستها او حتى ارتدت عنها (اعتراف اوباما بيهودية الدولة العبرية). ناهيك عن تاريخ إسرائيل الحافل بنقض الاتفاقات المبرمة والتنكر لها بل والانقضاض عليها لكن الأهم في الموضوع: هل ان العودة الى المفاوضات هدف بحد ذاته كما يبدو من بعض المواقف؟ ام هي وسيلة لتقديم حلول لاستحقاقات قائمة والوصول لاتفاقات يتم احترامها وتنفيذها؟.

في حال كون المفاوضات هدفاً بحد ذاتها فإنها لن تخرج عن كونها مناورات سياسية تكتيكية تخدم أهدافاً محددة في ظروف محددة، كأن تخدم هدف الطرف الفلسطيني في تعرية المواقف الإسرائيلية العدوانية والتوسعية وإعادة التأكيد على حقيقة اغتصابها للوطن الفلسطيني وعلى حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم الوطنية المستقلة وحقوقهم الوطنية الأخرى، او أن تخدم أهدافاً للطرف الإسرائيلي مثل هدف تأجيل توجه الفلسطينيين الى الأمم المتحدة والانضمام الى هيئاتها ومنظماتها المتخصصة او مثل هدف المناورة بقبول المفاوضات للتعامل التكتيكي مع الموقف الأميركي الساعي لها بجدية لأسباب خاصة به، او هدف التعامل بادعاء الإيجابية مع الموقف الأوروبي كما عبرت عنه توجيهاته الأخيرة التي تستبعد الأراضي الفلسطينية المحتلة والمستوطنات من برامج التعاون مع إسرائيل وهو ما يلحق ضرراً مهماً بمصالحها. او مثل هدف شد الانتباه بعيداً عن ممارسات عنصرية حديثة تقوم بها كما هو الحال في مشروع قانون "برافر" الذي تهدف منه الى تشريد حوالي 80 ألف من بدو النقب والاستيلاء على مئات آلاف الدونمات من أراضيهم وهي أيضاً أهداف حقيقية وحاصلة.

اما اذا كانت المفاوضات تهدف الى الوصول الى حلول واتفاقات فتلك قضية مختلفة تماماً فلا بد ان تتوافر لها شروطها ومناخاتها وتوازن قواها، إضافة الى القناعة بها لدى الطرفين وإلا فإن مصيرها الفشل المحتم وفي حالتنا المحددة في الزمن المحدد فإن هذه الشروط والمناخات غير متوافرة بتاتاً، ولا القناعة أيضاً. ببساطة ودون تفاصيل لأن هناك إجماعاً في إسرائيل تقريباً على عدم التجاوب الجاد مع أي من المطالب الفلسطينية بأي قدر حتى ولو كانت مدعومة بوعود أميركية وفوقها قبول ومساندة أوروبية.

 

 

المصدر: 
الحياة