المخيمات الفلسطينية في خطر

بقلم: 

لا يمكن أن يرى المرء الغابة وهو في داخلها. واللبنانيون المقيمون في لبنان لا يرون، في معظمهم، إلا سيقان الأشجار وأغصانها، وفي بقعة محدودة فحسب. ويحتاج الإنسان إلى الخروج إلى التلال كي يتمكن من رؤية الغابة كلها من فوق. والمثل الصيني يقول إن الضفدع الموجود في قعر البئر يعتقد أن السماء هي بحجم فوهة البئر. فإذا تمكن من الخروج من البئر فسيصاب بالدهشة لاتساع السماء.

والمشهد اللبناني خطير لا ريب، والاحتمالات شديدة القتامة، وكثير من الذين يراقبون لبنان من فوق التلال، وليس من داخل الغابة، يتوقعون الأسوأ لهذا البلد ابتداءً من نهاية الصيف أو بدايات الخريف المقبل. وفي معمعان الصراع بين مظلومية السُنة ومظلومية الشيعة تبدو صورة المشهد اللبناني معتمة.

إن التصادم بين «المظلومية» السُنية التي بدأت تظهر بالتدريج بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق، وبعد انحسار دور السنة في إعادة صوغ النظام السياسي الجديد في العراق، و«المظلومية» التقليدية الشيعية، كان البيئة الملائمة جداً لانتشار الجماعات السلفية «المجاهدة» من العراق إلى لبنان، والآن إلى سوريا. فبعض الجماعات السنية في العراق، حين شعروا بأنهم هزموا جراء الاحتلال الأميركي لبلادهم، هيأوا الميدان لمقاتلي «القاعدة» كي يفتكوا بالشيعة بدلاً من قوات الاحتلال. وها هو الأمر يتكرر اليوم في سوريا، وكذلك في لبنان. إن اللعب بالنار لا يجعل النار لعبة، خصوصاً إذا كان اللاعبون هم من «الأرزقية» التي تعرفهم جيداً جميع الحروب الأهلية.

ثمة اليوم في لبنان استنفار متبادل: المجموعات السلفية والأصولية القديمة والجديدة (الجماعة الاسلامية، حزب التحرير، السلفيون الجدد، المنظمات القاعدية) يقابلها الاستنفار المكشوف لـ «حزب الله» خاصة بعد معركة «القصير»، وبعد الاعلان عن أن بعض دول الخليج العربي ستقتص من هذا الحزب، وكانت الخطوات الأولى قد بدأت بعدم تجديد عقود العمل لكثيرين من الشيعة، الأمر الذي يزيد الشعور بـ «المظلومية» وبأن «الآخرين» يتربصون بهم ويتحينون الفرص للإطباق عليهم في ما لو سقط نظام بشار الأسد في سوريا ونظام نوري المالكي في العراق. وأمام هذا المشهد بتفصيلاته الكئيبة، هناك توقعات بأن الأوضاع اللبنانية لن تحتمل كثيراً من الوقت حتى تبدأ المشكلات الأمنية في خلخلة «الستاتيكو» الحالي.

 

المخيمات في خطر

 

سقط الشيخ أحمد الأسير في «عبرا»، واعتقد كثيرون أن هذه الظاهرة التي كادت أن تفجّر اقتتالاً مذهبياً في صيدا وجوارها قد انتهت. صحيح ان الأسير ومجموعته قد سقطا، إلا أن أزمة الأسير والجماعات لا تزال قائمة بقوة.

كشف القتــال الــذي دار في بلــدة عــبرا بــين الجماعات التابعة للشيخ أحمد الأسير والجيش اللبناني، أن الجماعــات السلفــية اللبــنانية تســعى بقــوة إلى تأمــين دعم جــماعات ممــاثلة لها في المخيــمات الفلسطينية، ولا سيما في عين الحلوة. كذلك ترددت بقوة أسماء بلال بدر وهيثم الشعبي اللذين بادرا مع أنصارهما إلى الهجوم على مواقع الجيش اللبناني في منطقة تعمير عين الحلوة نصرة للشيخ أحمد الأسير، علاوة على أسماء فلسطينية أخرى.

إن اشتراك بعض الفلسطينيــين، حتى لو كــانوا خارج النطاق الســياسي لفصائل «منظمة التحرير الفلسطينية»، في الصراعات المذهبية اللبنانية أمر خطير جداً، وقــد يجــر الأمــور إلى وضع تصبح المخيمات فيه معرضة لمخاطر التدمير على غرار نهر البارد.

هناك بؤر جغرافية مهيأة لتنطلق منها شرارة الاشتباكات المذهبية في ما لو وقعت بالفعل مثل:

1ـ الطريــق الجديــدة ضــد الشــياح ـ الغبــيري. وفي هــذه البقعـة يقــع مخيمــا بــرج البراجــنة وشاتيــلا، فــضلا عن التجمعات الأخرى مثل صبرا ومحلة الداعوق.

2ـ صيدا في مواجهة حارة صيدا. وعلى تخوم تلك البؤرة يقع مخيم عين الحلوة.

3ـ التبانة ـ جبل محسن. وبالقرب من تلك البؤرة يقع مخيما البداوي ونهر البارد.

4ـ الحي الغربي لمخيم شاتيلا حيث لا تهــدأ الاشتباكات المسلحة بين مجموعات مختلفة وأفراد فلسطينيين.

إن الخطر على مخيم عين الحلوة، وعلى الفلسطينيين في الوقت نفسه داهم. وأخطر ما يمكن ان يحدث هو تأسيس بنية تنظيمية مشتركة بين الجماعات السلفية في عين الحلوة مثل «جند الشام» و«فتح الإسلام» و«عصبة الأنصار» من جهة، والجماعات السلفية اللبنانية من جهة ثانية، بحيث تقدم الواحدة النجدة إلى الأخرى في حال اندلاع قتال مذهبي في لبنان.

إن من شأن ذلك ان يعرض مخيمات الجنوب كلها، ومخيمات بيروت والضاحية أيضا لمخاطر هائلة. والحكمة تقتضي الآن، وقبل أي شيء، منع قيام مثل هذه البنية، وتفكيكها فوراً في حال وجودها، وعدم التهاون على الإطلاق مع أي جماعة أو مجموعة في المخيمات قد تكون مستعدة للانخراط في الصدامات المذهبية في حال اندلاعها

المصدر: 
السفير