ثورة 30-6 تضع حركة "حماس" أمام خيارات صعبة (2من 2)

بقلم: 

ولكن مع اغتيال القائد المؤسس ومعظم رفاقه من أصحاب الفكر الجهادي والذي يمكن وصفه بالوطني الفلسطيني، كما يشير العديد من الكتاب المطلعين على الشأن الحمساوي الداخلي صعدت إلى السطح قيادات غير مخضرمة من قيادات الداخل والخارج، بحسب ما تشير إليه تلك المصادر، أعادت بحكم ضعفها وقلة خبرتها إلى قيادة التنظيم الدولي الأم وضع المقرر في السياسات، واتسقت معه شيئاً فشيئاً، وبإمكاننا تلمس ذلك من خلال تطورين هامين:
أولهما: دخول حماس الانتخابات البلدية والتشريعية الفلسطينية وسعيها إلى السلطة ضاربة بعرض الحائط نصائح حلفائها في سورية وايران ولبنان والفصائل الفلسطينية المتحالفة معها في دمشق بأن ذلك يعتبر مصيدة لها وانحرافا عن خط التحرير والعودة التي على أساسها انطلقت الحركة واكتسبت شرعيتها وشعبيتها في الساحة الفلسطينية والعربية ولكن دون جدوى.
وبالفعل أصبحت السيطرة على غزة وتقوية حكم حماس فيها ليس هدفاً حمساوياً فقط، بل هدفاً إخوانياً عالمياً يلتقي فيه كافة أطياف الحركات الإخوانية عبر العالم بدءاً من أردوغان تركيا وانتهاءً بأصغر تنظيم إخواني في المنطقة، حيث أصبحت غزة وفك حصارها هي الأولوية بدل استعادة القدس ومسجدها، نعم بات هذا هو الهم والهدف الأول لجميع هذه القوى الإسلامية الإخوانية للتحرك عربياً ودولياً.
وعليه وبتشجيع من التنظيم الدولي للإخوان بدأت حماس تخطو خطوة خطوة نحو السعي الدؤوب لنيل الاعتراف العربي والدولي بها، وبكل ما يترتب عليه من قبولها بأوراق اللعبة السياسية في المنطقة ألا وهي لعبة التسوية السلمية ونبذ العنف.
وثاني الدلائل بأن حماس لا تملك قرارها المستقل هو ما بينته أحداث الأزمة السورية من انحيازها لتحالفاتها الايديولوجية وانتمائها الإخواني على حساب تحالفها الكفاحي ضد إسرائيل، مضحية بذلك بكل الامتيازات التي كانت تحصل عليها من محور الممانعة والمقاومة المتمثل بإيران وسورية وحزب الله من مأوى ومال وسلاح وتدريب ودعم سياسي وإعلامي ...وغيره.
وبالطبع ولأن حماس ودويلتها في غزة أصبحت بعد أحداث "الربيع العربي" جزءا من الصفقة الكبرى خصوصاً بعد حرب الثمانية أيام والهدنة التي أعقبتها برعاية أميركية - مصرية قطرية تركية والتي أسميتها في إحدى مقالاتي فترة تلك الحرب "حرب تثبيت كامب ديفبد" فإن سقوط حكم الإخوان في مصر الذي يمثل حجر الزاوية في الصفقة الكبرى قد يُنذر بنهاية هذه الصفقة بالكامل، وهذا يعني إعادة رسم للسياسة الخارجية الأميركية من جديد، وخلطا كاملا للأوراق والتحالفات في المنطقة، في وضع يحتمل التقلبات والتغيير في كل وقت، إذ وبسقوط الضلعين المصري والقطري من هذا المحور يبقى المحور التركي غير المهم وغير المقرر باعتقادي في مجرى الأحداث خصوصاً أنه الآخر مأزوم بالاحتجاجات الداخلية وبداية ظهور رأي عام تركي رافض لحكم الإسلاميين وسياساتهم الداخلية والخارجية هناك أيضاً، هذا بالإضافة إلى أن الدور التركي محكوم بالسياسة العامة لدول حلف الناتو وليس لاعبا مستقلا تماماً كما يُعتقد.
من القراءة السابقة يتضح معنا أن حماس قبل غيرها من اللاعبين ستواجه مستقبلاً قد يكون صعباً ليس لكونها حركة سياسية بل لكونها جزءا من حركة تتجه إلى عد تنازلي في أقطار عربية أخرى، ولكونها أيضاً حركة تحكم جزءا من شعب وجغرافيا ملاصقة لعدو لها هو إسرائيل وهي العدو التاريخي الذي منحها هدنة ضمنتها مصر الإخوانية، وقد سقطت هذه الأخيرة وأصبحت الهدنة بلا ضامن وقد يؤدي ذلك إلى انهيارها في أي وقت، وإن حصل ذلك سيمثل ضربةً قاسية لحكومة حركة حماس من الناحية العسكرية، فهي تقاتل اليوم بلا غطاء سياسي وبلا غطاء عربي أو إسلامي بعدما تم شيطنتها عربياً خصوصاً سورياً ومصرياً، وأي حرب قادمة سيكون بنتيجتها إحكام الحصار الاقتصادي عليها وخنق قطاع غزة، وهذا بدوره سيثير عليها الرأي العام الداخلي الغزي ولا يستبعد أن يشهد قطاع غزة حالة تمرد وعصيان مدني يؤدي في النهاية الى اسقاط سلطتها.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى صنعت حماس لنفسها عدواً جديداً يمثل في الحكم المصري الجديد الذي تتنامى لديه الكراهية ضد حماس وكل ما تمثله من سياسة وارتباطات ايديولوجية، حيث الإعلام المصري بكليته يقف موقفا معادياً لـ "حماس" ويجرمها في كل الأحداث التي تمر بها مصر خصوصاً اتهامها بموضوع مهاجمة السجون ومراكز الآمن اثناء ثورة ٢٥ يناير، وكذلك هي متهمة بخطف وقتل جنود مصريين في سيناء، وأخيراً هي متهمة بالمشاركة عسكرياً في الهجوم على المتظاهرين في ثورة 30 -6 ورغم نفي "حماس" لأي علاقة لها بهذا الامر، إلا أنها ما زالت المتهم رقم واحد في كل هذه الأحداث، وقد بدأت مصر تفرض عليها وبالطبع على سكان قطاع غزة الذي تحكمه حصاراً قاسياً من خلال إغلاق الأنفاق وتدميرها بالكامل وتجريم من يقيمها بدعوى أنها تمثل خطراً على الأمن القومي المصري.
أمام هذا الوضع المأزق تجد حماس نفسها بحاجة إلى مراجعة خياراتها وهي خيارات ليست كثيرة، نوجزها في النقاط التالية:
١- الخيار الأول هو استقالة أعضاء المكتب السياسي الحالي لحماس والإتيان بوجوه جديدة تتبنى سياسة مد الجسور مع مصر الجديدة والاعتذار للشعب المصري، وكذلك التعاون في فتح كل الملفات محل الجدل والتي تتهم حماس بكل ما سبق ذكره بما فيها تسليم كل من تثبت إدانته إلى القضاء المصري العادل، وهذا سيعيد لحماس بعضا من مصداقيتها لدى الرأي العام المصري والقيادة المصرية، مع أن هذا الأمر يبدو ليس سهلاً خصوصاً في المرحلة القريبة القادمة.
٢- الخيار الثاني هو مد الجسور مع حلفاء الماضي إيران وحزب الله وسورية، فهذه الأطراف الثلاثة وبالرغم من حنقها على حماس لوقوفها في صفوف خصوم هذا المحور إلا أنها ما زالت بحاجة لها ولو تكتيكياً كي يمسحوا الصورة التي رسمها الإخوان والجماعات التكفيرية حول طبيعة الصراع في الأزمة السورية من أن جوهره طائفي لا سياسي، وهذا يبقى احتمالا وقد تكون حسابات هذا المحور قد اختلفت بعد الثورة المصرية ...
٣- الخيار الثالث ويبقى هو الخيار الممكن الذي يمكن أن تلجأ إليه حماس ربما دون تغيير في مكتبها السياسي الحالي من خلال قيامها بخطوات عملية نحو اتمام مصالحة فلسطينية حقيقية، تنتهي بانتخابات رئاسية وتشريعية وفق اتفاق الدوحة - القاهرة، وبهذا يعود قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس إلى عهدة السلطة الفلسطينية ويلقى على عاتق السلطة الفلسطينية مهمة فك الحصار عن سكان القطاع وتأمين كافة احتياجاته، وبإمكان الرئيس أبو مازن بما يمتلك من حنكة سياسية
وعلاقات مميزة مصرياً من إخراج حماس من أزمتها.
٤-الخيار الرابع أن تواصل حماس سياساتها الحالية بمكتبها السياسي الحالي واللجوء إلى سياسة الانتظار والترقب والضغط على القيادة المصرية والمجتمع الدولي من خلال تحريك المجتمع الفلسطيني الغزي في احتجاجات متواصلة لرفع الحصار عن غزة، وسيكون هذا الحراك موجهاً باتجاه القيادة المصرية الجديدة وقد يثمر تخفيفا من الحصار الاقتصادي والإبقاء على الحصار السياسي إلى أن تتم المصالحة الفلسطينية.
في الحقيقة كل الخيارات ممكنة، ولكن هل حماس مستوعبة لهذا الدرس الذي تمر به وهل هي جاهزة لدفع استحقاقاته؟ أم أنها ستكابر كما كانت تفعل على مدار الأعوام الماضية.