تقدير استراتيجي: مستقبل الحكومة الفلسطينية بعد استقالة الحمدالله

رام الله: عبرت استقالة رامي الحمد الله عن الأزمة التي تعاني منها السلطة الفلسطينية بشكل خاص، والمشروع الوطني الفلسطيني بشكل عام. 

فهناك الإشكالية المرتبطة بفقدان حكومة السلطة الشرعية بسبب تعطيل المجلس التشريعي الفلسطيني ومنعه من ممارسة صلاحياته؛ وهناك إشكالية انعكاسات تشكيلها السلبية على مسار المصالحة الفلسطينية؛ بالإضافة إلى إشكاليات الصلاحيات المنقوصة لرئيس الوزراء والتي دفعت الحمد الله للاستقالة. 

قد يتابع الحمد الله تسيير الأعمال في الفترة القادمة، وقد يكلف عباس شخصية أخرى مستقلة من حركة فتح بتشكيل الحكومة، أو قد يتولى هو تشكيل الحكومة بنفسه بوفاق وطني أو من دونه. 

غير أن الأزمة تظل أزمة نظام سياسي فاقد للاتجاه ومشروع وطني معطّل، قبل أن تكون أزمة حكومة. وهو ما يستدعي الدعوة إلى شقّ مسار سياسي جديد قائم على إنهاء الاحتلال، وإنهاء الانقسام، وبناء شراكة وطنية حقيقية. 

خلفيات الاستقالة: 

بعد أسبوعين فقط، قدم رامي الحمد الله رئيس الحكومة استقالته في 20/6/2013 بصورة مفاجئة ودراماتيكيّة، وذلك من خلال إرسال استقالته إلى مقر الرئيس، واستقل سيارته الخاصة رافضًا استخدام الموكب الرسمي. 

وعزا الحمد الله استقالته إلى خلاف حول الصلاحيات داخل الحكومة من دون توضيح ما يعنيه بذلك، فيما اعتبره المراقبون خلافًا مع نائبيه، وتحديدًا محمد مصطفى نائبه للشؤون الاقتصاديّة وعلى خلفيّة توقيعه اتفاقيّة مع البنك الدولي استنادًا إلى تفويض من قبل الرئيس محمود عباس، بحيث يصبح الأشخاص المفوضون بالتوقيع على الشؤون الماليّة، رئيس الحكومة ووزير الماليّة ونائب رئيس الحكومة للشؤون الاقتصاديّة، فيما رأى الحمد الله في ذلك تجاوزًا للصلاحيّات التي كفلها القانون الأساسي المعدل لرئيس الحكومة . 

ولتفسير ما حدث، ذكرت مصادر رسميّة أن تفويض مصطفى يعود إلى تقليد سابق حيث كان سلام فياض يوقع الاتفاقات المتعلقة بمنظمة التحرير، بوصفه رئيس الدائرة الاقتصاديّة في منظمة التحرير، وليس بوصفه رئيسًا للحكومة. وهذا الترتيب استحدث بعد الانتخابات التشريعيّة في العام 2006 للالتفاف على المقاطعة الدوليّة للحكومة العاشرة التي شكلتها حركة حماس، التي فازت بأغلبيّة مقاعد المجلس التشريعي. 

لقد كان رامي الحمد الله يعرف عندما قبل بهذا التكليف بأن الحكومة هي حكومة الرئيس، ولكنه فوجئ بأنه سيكون مجرد غطاء لنائبيه المقربين من الرئيس، واللذَيِن سيقومان عمليًا بمهمات رئيس الحكومة. 

إضافة إلى ما سبق، فإن الحكومة الخامسة عشرة ارتكبت مجموعة من المخالفات القانونيّة، فهي اشتركت مع كل الحكومات المشكلة بعد الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني بفقدانها الشرعيّة، لأنها لم تحظ بثقة المجلس التشريعي المعطل، وانفردت في أن أعداد الوزراء خمسة وعشرون في تجاوز للقانون الذي ينص على ألا يزيد عدد الوزراء عن أربعة وعشرين، كما انفردت أيضًا بأنها ضمت نائبين لرئيس الحكومة من دون حقائب وزاريّة، في حين أن القانون ينص على أن من حق رئيس الحكومة أن يختار نائبًا له بشرط أن يتولى حقيبه وزاريّة

إن استقالة الحمد الله بسرعة وبهذا الوقت القياسي وقبول الرئيس لها بعد الفشل في التوصل إلى صيغة حول الصلاحيات داخل الحكومة وبينها وبين الرئيس؛ تعود في جوهرها إلى أن النظام السياسي الفلسطيني تحول مع غياب المجلس التشريعي إلى نظام رئاسي يتحكم الرئيس بكل مفاصله.

السيناريوهات المحتملة

السيناريو الأول: استمرار حكومة الحمد الله في تسيير الأعمال طوال الفترة القانونية

يقوم هذا السيناريو على استمرار حكومة رامي الحمد الله في تسيير الأعمال طوال المدة التي يحددها القانون، الذي يفرض على الرئيس أن يكلف شخصًا آخر بتشكيل حكومة جديدة خلال مدة أسبوعين من تاريخ قبول استقالة الحكومة، على أن يمنح رئيس الحكومة المكلف مهلة ثلاثة أسابع للانتهاء من تشكيلها، وأن تمدد أسبوعين آخرين كحد أقصى، وإذا لم ينجح في تشكيلها من المفترض بالرئيس تكليف شخص آخر، وهنا لا صحة لما يقال بأن الحكومة تستطيع أن تستمر بتسيير الأعمال طوال مدة الأسابيع السبعة من دون تكليف شحص آخر .

السيناريو الثاني: استمرار حكومة الحمد الله في تسيير الأعمال لفترة أطول من الفترة القانونية

يستند هذا السيناريو على استمرار الحكومة في تسيير الأعمال لفترة أطول من المدة القانونيّة التي يسمح بها القانون، وهذا إن حدث يعد انتهاكًا جديدًا للقانون. وفي ظل هذا السيناريو يمكن أن تستمر الحكومة إلى أن تتضح الأمور في المنطقة، وعلى صعيد المفاوضات ومصير مهمة كيري، وانعكاس ذلك على ملف المصالحة.

وهذا السيناريو محتمل، خصوصًا أنه حصل أكثر من مرة أثناء حكومتي أحمد قريع وسلام فياض، وهو بحاجة طبعًا إلى موافقة رامي الحمد الله، التي تعني موافقته على أنه سيبقى رئيس حكومة من دون صلاحيات، وهذا ما رفضه عندما قدم استقالته بعد أسبوعين من حلفه اليمين الدستوريّة.

السيناريو الثالث: تشكيل حكومة جديدة برئاسة شخصية مستقلة أو أحد أعضاء مركزية "فتح"

يقوم هذا السيناريو على تكليف الرئيس لشخص آخر بتشكيل الحكومة، يمكن أن يكون شخصيّة مستقلة أو أحد أعضاء اللجنة المركزيّة لحركة فتح، وهذا لا يمنع من استمرار تضارب الصلاحيات وانفجار الأزمات النابع من طبيعة وخصائص النظام السياسي الفلسطيني، الذي أصبح بعد استحداث منصب رئيس الحكومة في العام 2003 من نظام رئاسي إلى نظام مختلط (رئاسي – برلماني)، وتحول بعد اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات مجددًا إلى نظام رئاسي من دون تغيير القانون الأساسي لينسجم مع ذلك.

السيناريو الرابع: تشكيل حكومة برئاسة الرئيس

يفترض هذا السيناريو قيام الرئيس بتشكيل حكومة برئاسته، وهذا يعني أن النظام سيصبح شكلًا وموضوعًا نظامًا رئاسيًا، تتجمع فيه كل السلطات بيد شخص واحد، ولكن هذا السيناريو يتطلب تعديل القانون الأساسي من قبل المجلس التشريعي، وهذا متعذر من دون إنهاء الانقسام واستعادة والوحدة، أو بإصدار قانون من خلال مرسوم رئاسي، وهذا سيكون محل معارضة واسعة، لأن من شأنه تكريس الانقسام وتعميقه.

السيناريو الخامس: تشكيل حكومة وفاق وطني برئاسة الرئيس

يستند هذا السيناريو إلى تشكيل حكومة وفاق وطني برئاسة الرئيس وفقًا لـ"اتفاق القاهرة" و"إعلان الدوحة" وتطبيقًا للجدول الزمني المتفق عليه بين وفدي حركتي "فتح" و"حماس" في أيار 2013.

إن السيناريو الأخير يحتاج إلى إرادة سياسيّة لدى "فتح" و"حماس؛ لتغليب المصلحة الوطنيّة العليا والبرنامج الوطني المشترك على المصالح الفئويّة والبرامج الخاصة والتدخلات والضغوطات الخارجيّة، كما يتطلب الاتفاق على إستراتيجيّة فلسطينيّة جديدة لمواجهة التحديات والمخاطر التي تواجه القضيّة الفلسطينيّة حتى لا يكون مصير حكومة الوفاق الوطني، إذا شكّلت، مشابهًا لمصير حكومة الوحدة الوطنيّة التي شكلت بعد "اتفاق مكة" في آذار 2007، ولم تصمد سوى ثلاثة أشهر.

إن هذا السيناريو مستبعد في ظل الهوة الواسعة بين مواقف "فتح" و"حماس" واستمرار حملات التراشق الإعلامي والاعتقالات المتبادلة والرهانات المتناقضة على المتغيرات العربيّة والإقليميّة والدوليّة وانعكاسها على القضيّة الفلسطينيّة بشكل عام، وعلى الفلسطينيين وعلاقاتهم الداخليّة بشكل خاص، وفي ظل استمرار الأوهام حول استئناف المفاوضات الثنائيّة برعاية أميركيّة و"شاهد زور" دولي اسمه "اللجنة الرباعيّة الدوليّة"، التي تشكل شكلًا من أشكال التحايل على القانون الدولي وتجاوزًا لدور الأمم المتحدة التي من المفترض أن تكون مظلة وإطارًا فاعلًا مستمرًا للمفاوضات، وليست مجرد طرف من أطراف أربعة لا حول لها ولا قوة.

حقيقة الأزمة:

إن الأزمة أعمق من أزمة حكومة أو رئيس حكومة أو خلاف حول الصلاحيات داخلها، أو مع الرئيس، وإنما هي أزمة نظام سياسي كامل فاقد للاتجاه بعد فشل الطريق الذي سار فيه، بعد وصول اتفاق أوسلو إلى طريق مسدود، وإقامة سلطة على أساسه مرتهنة للمساعدات الخارجيّة ولالتزامات سياسيّة وأمنيّة واقتصاديّة تجعلها ليست أكثر من حكم ذاتي محدود يعطي الشرعيّة للاحتلال، واستمرارًا للأمر الواقع الحالي إلى أجل غير مسمى.

وبالتالي، الحل لا يكون عبر تغيير الحكومة أو رئيسها أو النزاع حول الصلاحيات داخل سلطة مجردة من الصلاحيات الحقيقيّة لأنها في يد الاحتلال. 

اقتراحات:

1- على الفلسطينيين المبادرة إلى شق مسار سياسي جديد قادر على إنهاء الاحتلال وإعادة الاعتبار لخطاب الحقوق ولوحدة القضيّة والأرض والشعب، وما يقتضيه ذلك من التخلص من القيود المجحفة التي تكبل السلطة. 

2- فك الارتباط مع الاحتلال عبر وقف العمل بالالتزامات السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة من جانب واحد.

3- إعطاء الأولويّة لإنهاء الانقسام، واستعادة الوحدة الوطنيّة على أساس برنامج وطني كفاحي، يجسد القواسم المشتركة وبما يضمن شراكة سياسيّة حقيقيّة على أسس ديمقراطيّة.

* يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ هاني المصري بخالص الشكر على كتابته النص الأساسي الذي اعتمد عليه هذا التقدير.

 

معد الدراسة: 
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات