45 مليون لاجئ يؤرقون العالم
ارتبطت كلمة اللاجئ Asile تاريخياً بالحماية، إذْ استمرّ العرف السائد على حماية اللاجئ، من جانب الدولة التي يلتجئ إليها، فهو يمثل جزءاً من سمعتها ومكانتها بين الدول وربما سيادتها في تأمين حماية من يلتجئ إليها، واقتضى العرف، بما فيه اجتماعياً وشمل الدول لاحقاً، عدم تسليم طالب اللجوء والحماية، وغالباً ما اشتبكت الجماعات والدول مع بعضها بعضاً بسبب لجوء أشخاص أو سياسيين إليها، وأحياناً قامت نزاعات بينها، بما فيها المسلحة وتركت تأثيراتها في تطور علاقاتها مع بعضها بعضاً .
تعود الأصول لكلمة لاجئ إلى قدسية مبدأ الحماية، فكلمة “لاجئ” تعني المكان المقدس الذي يأوي إليه الإنسان بحثاً عن الحماية أو الحصانة، وفي اللغة العربية نقول الملاذ الآمن، وهي غالباً ما تستخدم كملجأ للغريب الذي يطلب الإجارة، وقد ورد في القرآن الكريم سورة التوبة ( الآية- 6)، “وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُم أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ” .
وعلى الرغم من وجود أعراف قديمة تخص المزدكية والبوذية والهندوسية والتاوية (الصينية) والمسيحية وغيرها بخصوص اللجوء، فإن المفهوم لا يزال غامضاً حسب د . هيثم منّاع (الإمعان في حقوق الإنسان/ج2) بل ويثير جدلاً حتى في القانون الدولي الإنساني نظراً لاشتباكه مع مفهوم سيادة الدولة وعلاقتها بالمجتمع الدولي ومفهوم عدم التدخل وغيرها .
وفي اليوم العالمي للاجئين يستحضر الإنسان عدداً من حالات اللجوء على المستوى العالمي، لا سيما جانبها الإنساني من جهة، ومن جهة أخرى تقصير المجتمع الدولي، بما فيه الأمم المتحدة وعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والإنسانية من توفير الآليات اللازمة لحماية اللاجئين وحياتهم وحقوقهم طبقاً للقوانين الدولية الإنسانية في زمن الحرب أو السلم .
ولعلّ من أكثر حالات اللجوء الإنساني مأساوية هي حالات الفلسطيني الذي لم يصادر حق الإنسان في وطنه وفي تقرير مصيره، بل حقه في العودة إليها وذلك بحرمانه من حق جماعي وفردي، وفي بلدان الشتات لا يزال يعيش نحو 5 ملايين لاجئ وتتعرض حقوقهم الإنسانية: المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للانتهاك، لا سيّما حقوقهم الجماعية وفي المقدمة منها حقهم في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة، إضافة إلى حقهم في العودة الذي هو غير قابل للتنازل تلك التي كفلها القرار الدولي رقم 194 لعام 1948 . وكانت مأساة اللاجئين العراقيين طويلة ومضنية، خصوصاً أنها استمرت لما يزيد عن ثلاثة عقود، فقد كانت هجرتهم الأولى لأسباب سياسية شملت بضعة آلاف في أواخر السبعينات، وفي فترة الحرب العراقية - الإيرانية 1980- 1988 اضطّر عشرات الألوف إلى الهجرة وطلب اللجوء بسبب الحرب، فضلاً عن تهجير الآلاف منهم وفقاً لقوانين متخلفة للجنسية بالعودة “إلى الأصول” السحيقة .
وكانت فترة الحصار الدولي الجائر من أكثر فصول اللجوء بؤساً، وخصوصاً بفعل العامل الاقتصادي، حيث اضطر مئات الألوف إلى طلب اللجوء السياسي والإنساني، ولكن فترة ما بعد الاحتلال العام ،2003 وخصوصاً خلال فترة التطهير الطائفي- المذهبي 2006-،2007 كانت الأقسى والأسوأ، حيث شملت مئات الألوف من اللاجئين في الخارج ومئات ألوف النازحين في الداخل .
وعلى الرغم من عودة الكثير من حالات النزوح وبعض اللاجئين إلى العراق أو انتقالهم إلى بلدان لجوء بعيدة، فإن وضع اللاجئين العراقيين على الصعيد العالمي لا يزال مميّزاً ويشار له بالبنان، خصوصاً خلال سنوات ما بعد الاحتلال، مثلما تعتبر حالات لجوء الأفغان التي زادت على مليونين وحالات لجوء الصوماليين بسبب الحرب الأهلية، وحالات لجوء السودانيين بسبب النزاعات المسلحة وتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية، وكذلك حالات لجوء الروانديين وحالات النزوح بعد انشطارات يوغسلافيا السابقة ونزاعاتها المسلحة ومجازرها الرهيبة، كل هذه حالات مميّزة ومعروفة وموثّقة على الصعيد العالمي وقد طرحت مسألة حقوق اللاجئين على بساط البحث والمسؤولية الدولية .
ولعلّ الأزمة السورية كانت أسوأ كارثة إنسانية واجهتها الأمم المتحدة منذ الحرب الباردة، حسب تقديراتها، وأن نصف سكان سوريا مهدّدون بالتهجير، وقد جاء ذلك بمناسبة اليوم العالمي للاجئين الذي احتفلت به المفوضية العليا للاجئين في 20 يونيو/ حزيران الجاري، وقال رئيس المفوضية انتونيو غوتيريس إن الأزمة السورية ليست الأسوأ إنسانياً، بل الأكثر خطورة، إضافة إلى مخاطر امتداداتها وآثارها السلبية إلى دول المنطقة كلّها .
وتقول بعض الإحصاءات أن عدد السوريين اللاجئين قارب المليونين، وتزيد نسبة النساء والأطفال منهم عن 75% ويوجد في الأردن نحو 570 الفاً وفي لبنان 535 ألفاً وفي تركيا 485 ألفاً وفي مصر 190 ألفا وفي العراق 130 ألفاً، وإن عدداً من هؤلاء غير مسجلين ضمن المفوضية العليا للاجئين، ويضاف إلى ذلك أن نسبة تزيد عن هؤلاء من النازحين، وحسب أنجلينا جولي المبعوثة الخاصة للمفوضية، يعد نصف سكان سوريا مهاجرين أو بحاجة إلى مساعدة لأسوأ كارثة إنسانية في القرن العشرين .
جدير بالذكر وحسب إحصاءات الأمم المتحدة، فإن عدد اللاجئين يزيد اليوم عن 45،2 مليون شخص، وإن العام 2012 وحده شهد فرار 1 .1 مليون شخص عبر الحدود الدولية، في حين نزح نحو 5 .6 ملايين داخل أوطانهم . وحسب التقارير الدولية، فهذا يعني أن الحروب والنزاعات الأخرى أجبرت شخصاً واحداً على الفرار من وطنه كل 1 .4 ثانية خلال العام الماضي وهي أرقام مثيرة، بل ومفزعة تجعل من قضية اللجوء كحالة إنسانية ماثلة وشاخصة أمام أعيننا .
أما بخصوص الآليات، ولا سيما ونحن في الألفية الثالثة، فإن العالم بحاجة لمراجعة آليات الحماية المعمول بها التي اعتمدت على اتفاقية العام 1933 بخصوص اللاجئين واتفاقية العام 1951 وملحقها بروتوكول العام 1967 ويمكن إضافة اتفاقية دبلن لعام ،2003 وذلك لتطوير آليات حماية اللاجئين ومشكلة حماية النازحين، بما يستجيب للتطور الدولي .
فاللاجئ وأحياناً يطلق عليه Refugee هو الشخص الذي يترك بلده ويطلب اللجوء والإقامة في بلد آخر غير موطنه لأسباب تتعلق بالحروب والنزاعات المسلحة الإثنية أو الدينية أو الطائفية أو غيرها أو لأسباب سياسية تتعلق بأفكاره ومعتقداته التي تسبب لهم الملاحقة والاضطهاد، الأمر الذي يضطر معه لمغادرة بلده طلباً للّجوء وتأميناً للحماية، وأحياناً لأسباب اقتصادية تتعلق باستشراء الفقر وانعدام سوق العمل وتردي الوضع المعاشي واستحالة العيش دون موارد .
لا بدّ من النظر إلى قضية اللاجئين باعتبارها قضية دولية وتتم معالجتها بتعاون دولي وتضافر الجهود، خصوصاً أن عددهم الواسع والمنتشر يؤثر في اقتصاديات العديد من البلدان وتطوّرها، فضلاً عن تردّي أحوالهم الصحية والتعليمية والنفسية في بلدان اللجوء، وخصوصاً الأطفال والنساء، الأمر الذي يستوجب البحث الجدي لحلول ناجعة اقتصادية واجتماعية وسياسية في بلدان اللجوء وفي بلدان الأصل بما يؤمن الحقوق الإنسانية . ولعلّ ولاية المفوضية في تقديم الحماية الدولية ووضع المعالجات لمشكلة اللاجئين، وبالطبع بالتعاون مع بلدان اللجوء مسألة أساسية، سواء في أوضاعهم الجديدة أو في تأمين عودة طوعية وسالمة وفي ظروف طبيعية وسلمية للعائدين أو اندماجهم مع المجتمع الجديد .
ومسؤولية حماية اللاجئين تتطلب تأمين المساعدة المادية والمأكل والمأوى، إضافة إلى الرعاية الصحية والتعليم وغيره من الخدمات الاجتماعية وتطوير البرامج الخاصة بمساعدة بعض الفئات مثل النساء والأطفال وكبار السن والمعوّقين (ذوي الاحتياجات الخاصة) .
وينبغي شمول النازحين بما يشمل اللاجئين، وهنا يمكن تطبيق بروتوكولي جنيف بخصوص اللاجئين والنازحين بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة والمنازعات المسلّحة غير الدولية، لا سيّما للأطراف تحت سلطة أحد المتنازعين، وتفرد الاتفاقيات الدولية حقولاً خاصة بالأطفال والنساء، إضافة إلى التحديات التي يواجهها اللاجئون بشكل عام .
وفي حين تتخذ بعض البلدان التدابير الضرورية لحماية اللاجئين، لا تزال العديد من البلدان تقصّر في اعتماد الآليات الدولية، بل وتؤدي بعض إجراءاتها إلى إلحاق ضرر باللاجئين ومنها بعض البلدان العربية التي لم توقّع حتى الآن على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وملحقها لعام ،1967 وهو الأمر الذي يحتاج إلى تدارك لتخفيف المعاناة الإنسانية ولوضع المعايير الدولية موضع التطبيق، علماً أن هذا يتفق مع مبادئنا وقيمنا الدينية السمحاء .
وفي اليوم العالمي للاجئين لا يكفي استذكار المعاناة الإنسانية، بل لا بدّ من تطوير الآليات الدولية لكي تتفق مع مبادئ الحماية التي توفّرها قواعد القانون الدولي الإنساني .