اتجاه "الدولة" أم "الأرض"؟

بقلم: 

في 8 حزيران الحالي توفي في تل أبيب الروائي الإسرائيلي يورام كانيوك (83 عاماً) الذي كان من أبرز دعاة فصل الدين عن الدولة.

وفي آخر نص كتبه في مدونته الخاصة على الشبكة، واعتبر بمثابة وصية، "تنبأ" بألا تتمكن إسرائيل من الحفاظ على بقائها في المدى البعيد، ولا سيما في ظل تعزّز النزعات المطالبة بضم المناطق الفلسطينية المحتلة منذ 1967، وتحقيق "حلم أرض إسرائيل الكاملة" التوراتي، داخل صفوف الرأي العام الإسرائيلي، كما أثبتت ذلك مثلا النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات العامة الأخيرة قبل نحو خمسة أشهر.

كانيوك كان صهيونياً حتى النُخاع، لكن من ذلك الطراز الذي "آمن" حتى آخر أيامه بصهيونية الدولة لا بصهيونية الأرض، والدولة في نظره كانت الهدف، وليست الوسيلة. وذلك في مقابل صنف آخر "آمن" ولا يزال بأن الصهيونية هي عبارة عن تجديد "الصلة التاريخية التي انقطعت" بين "شعب إسرائيل" و"أرض إسرائيل" الممتدة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر

الأردن، والدولة ليست إلا وسيلة لإنجاز هذا التزاوج المتجدّد.

من الواضح أن كليهما متمحوران من الناحية العقائدية حول "الحقوق القومية المتخيّلة لليهود"، غير أن الصنف المؤمن بصهيونية الأرض مستعد لأن "يجازف" بمسألة الحفاظ على الغالبية اليهودية، من أجل مواصلة التمسك بالأرض التي وراء "الخط الأخضر"، في حين أن الطراز المؤمن بصهيونية الدولة- ومثلما كان لدى صدور قرار تقسيم فلسطين من الأمم المتحدة (1947) - على استعداد لأن يقسم الأرض للحؤول دون اندثار "الدولة اليهودية" في وسط غالبية عربية، وهو استعداد غير ناجم أساساً عن اقتناع أصحابه بضرورة تلبية الحقوق القومية الفلسطينية التي ما زالت تُنتهك منذ 1948.

ومن الأمور اللافتة الأخرى التي يشير إليها كانيوك في نصّه الأخير، نشوء ما يسميه "شعبين" في إسرائيل مع فوارق ذات مغزى بينهما في ما يتعلق بالموقف من دور الدين في عصر الأمم الحديثة، هما الإسرائيليون واليهود، وتشديده على أن احتمالات استمرار تعايشهما معاً آخذة في التضاؤل، في ضوء سعي الزعامة الحالية للدولة، في لاوعيها إن لم يكن في وعيها التام، لإعادة إنتاج الأسباب التي مهدّت لتجربة الانتحار الجماعي في "ماسادا".

ما ينقص موقف كانيوك هو رؤية أن دولة الصهيونية نشأت بالخطيئة مع طرد مئات الآلاف من الفلسطينيين، وأن ثمة حاجة للتكفير عن هذه الخطيئة، عبر الاعتراف بها بداية، ومن ثم تحمل المسؤولية عن حل يعيد الحق إلى أصحابه من دون المساس بحقوق الآخرين.

 

 

المصدر: 
النهار