هل تخلّت إسرائيل عن الحل الثنائي؟

بقلم: 

قد يبدو السؤال متأخراً كثيراً وكان علينا أن نطرحه منذ فترة ليست قصيرة.
فها قد مضى على العملية التفاوضية نحو عشرين عاماً، دون أن تحقق أمراً إيجابياً يبشر بالتفاؤل، علماً أن المشروع الأساس كان يفترض أن تنتهي المفاوضات حول قضايا الحل الدائم عام 1999، أي بعد خمس سنوات على البدء بتنفيذ اتفاق أوسلو.
لكن الشعار الذي رفعه رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق اسحق رابين "لا تواريخ مقدسة"، بات هو الأساس، وتطور مع الممارسة الإسرائيلية إلى "لا تواريخ ولا نصوص مقدسة". وباتت المصالح والرغبات والسيناريوات والاقتراحات الإسرائيلية هي وحدها أساس العملية التفاوضية ومرجعيتها.
يتبدى ذلك في مخالفة إسرائيل للعديد مما تم التوقيع عليه، إن في وقف الاستيطان وتجميده، أو تطبيق النبضة الثالثة من خطة إعادة الانتشار، أو تشييد جدار الفصل والضم العنصري، أو في إطلاق مفاوضات لفترة محددة زمنياً، للبتّ بقضايا الحل الدائم. وقد مرت على مذبح المفاوضات العديد من المشاريع والخطط والسيناريوات التي انتهت إلى الصفر، منها إلى جانب اتفاق أوسلو، معايير الرئيس الأميركي الأسبق وليم كلينتون، وخطة خارطة الطريق، ومبادرة السلام العربية، ومشروع حل الدولتين كما طرحه الرئيس الأميركي السابق بوش الابن، ومؤتمر أنابوليس، واستحقاق أيلول 2011. وكلها انتهت إلى الفشل الذريع، بسبب التعنت الإسرائيلي ورفضه الاستجابة إلى الحد الأدنى من متطلبات استئناف المفاوضات على أسس سليمة نسبياً ومنها تجميد الاستيطان، والاعتراف بخطوط 4 حزيران أساساً للحل (خاصة بعد القرار الأممي بالاعتراف بدولة فلسطين تحت الاحتلال عضواً مراقباً في الأمم المتحدة) وإطلاق سراح من اعتقلوا قبل اتفاق أوسلو.
الملاحظ في السياق نفسه أن الإسرائيليين لم يكتفوا برفض متطلبات إنجاح العملية التفاوضية بل ذهبوا بعيداً في رفع سقف شروطهم هم حين طالبوا الجانب الفلسطيني بالاعتراف بيهودية إسرائيل شرطاً مسبقاً للعودة إلى المفاوضات، بكل ما يعنيه ذلك من نتائج مسبقة تكون لها تداعياتها الخطيرة على مستقبل مدينة القدس المحتلة، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، ومصير الفلسطينيين في إسرائيل كأقلية قومية.
التعطيل الدائم للمفاوضات الثنائية، وفرض المزيد من الشروط لجعلها أكثر تعقيداً، لا يشكل نهاية المطاف في السلوك الإسرائيلي. فقد انتقلت إسرائيل، إلى المطالبة بإجراءات أمنية عند حدودها مع الدولة الفلسطينية تتجاوز الحل الثنائي. فبعد أن تولى الجنرال الأميركي جورج ألن، الملف الأمني للعلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، مساعداً لوزير الخارجية الأميركية جون كيري، وضعت إسرائيل الفلسطينيين أمام خيارين بدواعي وذرائع أمنية.
- الأول أن تبقى منطقة الأغوار (المسماة سلة غذاء الضفة الفلسطينية لخصوبتها) تحت السيطرة الإسرائيلية لمدة أربعين عاماً، بعد الاتفاق النهائي.
- الثاني أن تشارك إسرائيل، والأردن، إلى جانب الفلسطينيين في الإمساك بالمعابر الشرقية للضفة الفلسطينية والانتشار بدوريات ومواقع مشتركة عند نقاط معينة على الحدود الأردنية ـ الفلسطينية.
والذريعة الإسرائيلية في ذلك أنها بهذا تريد ضمان أمنها ودرء أي خطر يأتيها من الشرق. في محاولة للتأكيد بشكل أو بآخر على إن استقلال الدولة الفلسطينية لن يكون تاماً، بل ستبقى مناطق معينة تحت السيطرة والرقابة الإسرائيلية. هذا أولاً. ثانياً إن إسرائيل لا تثق بالجانب الفلسطيني لضمان أمنها وإنها ترغب بشراكة أمنية إسرائيلية ـ أردنية.ـ خاصة بعد أن اختبرت تل أبيب ـ كما تقول الصحافة الإسرائيلية ـ جدية عمان في تطبيق معاهدة وادي عربة، في جانبها الأمني، بشكل خاص.
ويبدو أن هذه الفكرة (وهي بالأساس من بنات أفكار معهد الأمن القومي اليهودي في تل أبيب) راقت للوزير الأميركي، ولمساعده للشؤون الأمنية الجنرال ألن. وتقول مصادر فلسطينية إن هذه النقطة كانت تحديداً محور اللقاء الرباعي بين كيري والعاهل الأردني عبد الله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، والرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس.
كما ترى إسرائيل، في السياق نفسه، ان بإمكان الأردن أن يقوم بدور "إيجابي" إذا أدخل طرفاً في مفاوضات الحل الدائم إلى جانب الفلسطينيين. خصوصاً وإن عدة قضايا لا يمكن حسمها إلا بمشاركته كالقدس (بعد أن منح الفلسطينيون العاهل الأردني وكالة للإٍشراف على المقدسات الدينية في المدينة المحتلة) والمياه، والحدود، واللاجئين، والأمن. 
وتنظر الدوائر الإسرائيلية إلى الأردن باعتباره عامل ثقة في تنفيذ الاتفاقات، بينما تنظر بكثير من الشك إلى قدرة الرئيس عباس على ضمان تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه. هذا التشكيك بالرئيس عباس سياسة اتبعتها تل أبيب على مدى سنوات من أجل تبرير تنصلها من الوصول إلى تسوية مع م.ت.ف.
وعلى صعيد قطاع غزة فإن إسرائيل، كما نقل عن مباحثاتها مع كيري، اقترحت أن يخضع القطاع لرقابة أمنية مصرية، تشكل ضمانة لإسرائيل عند التوقيع على الحل الدائم.
وواضح من خلال مجمل هذا السيناريو أن إسرائيل تهدف إلى سلسلة أهداف:
- تجاوز المفاوض الفلسطيني، وبالتالي تجاوز الحقوق الوطنية المشروعة لشعب فلسطين غير القابلة للتصرف.
- تجاوز المفاوضات السابقة، والعودة للانطلاق من نقطة الصفر، في إشراك الأردن ومصر.
- الانتقال إلى الحل الإقليمي هو في حدّ ذاته إضعاف للحالة الفلسطينية وتشتيت للتمثيل الفلسطيني، ونقل الصراع من كونه فلسطينياً ـ إسرائيلياً، إلى صراع فلسطيني أردني، وفلسطيني مصري، ما يعفي إسرائيل، الدولة القائمة بالاحتلال، من العديد من واجباتها ومسؤولياتها كما تنص عليها القوانين والاتفاقات الدولية.
- عودة إلى طرح الخيار الأردني من بوابة أخرى هي بوابة ضمان الأمن الإسرائيلي بحيث يكون الأردن هو المفاوض الرئيس وبالتالي مسؤولاً عن الفلسطينيين.
- توفير الأجواء للدولة الفلسطينية ذات "الحدود الموقتة" مادام أساس الحل سيكون أمنياً.
هل يذهب كيري بعيداً مع تيار الأفكار الإسرائيلية كما فعل أسلافه، وبالتالي يصل إلى ما وصلوا إليه من عجز وفشل. وهل يخرج الفلسطينيون من هذا كله بالخلاصة السياسية الإستراتيجية السليمة أم أن الرهان على هذا اللون من المفاوضات سيبقى هو الخيار الوحيد؟

المصدر: 
المستقبل