46 عاماً لـ 67...

بقلم: 

لمناسبة بدء نشاطات "أسبوع الكتاب العبري" أبدى الكاتب الإسرائيلي ديفيد غروسمان، في مقابلة أدلى بها لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، استفظاعه لمدى العمى المطبق على الإسرائيليين إزاء الأضرار المترتبة على الاحتلال الناجم عن حرب حزيران 1967 (أو "حرب الأيام الستة" في القاموس الإسرائيلي الرسمي)، ولمدى تسليمهم بالسياسة التي ينتهجها زعماء الدولة والساعية لتكريس "الوضع القائم" مع الشعب الفلسطيني.

وقد توازى استفظاع غروسمان مع استئناف جدل داخلي في إسرائيل في ما إذا كانت المناطق الفلسطينية المحتلة منذ 1967 ما زالت تشكل رصيدًا، أم أنها تحولت عبئًا، وذلك بالتزامن مع مرور 46 عامًا على تلك الحرب.

مهما تكن وقائع هذا الجدل، فإن ما يقف وراءه هو "اقتناع" إسرائيلي ذاتي، يبدو راسخا، مفاده أن تلك الحرب فُرضت من العرب على إسرائيل فرضًا، ولذا فهي تندرج ضمن "حروب اللاخيار".

وفي واقع الأمر، يصعب أن تعثر على إسرائيليين صهاينة كثيرين يستأنفون على هذا "الاقتناع"، ويربطون ما بين تلك الحرب وما سبقها من حروب وممارسات صهيونية. وينسحب ذلك حتى على إسرائيليين متمترسين في الجانب اليساري من الخريطة السياسية.

مع ذلك، فإن مجموعات لا بأس من الأخيرين تعتقد أن حرب 67 كانت بمنزلة علامة فارقة لمزيد من تطرّف المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين.

ويبقى في مقدمها جرشون شافير، وهو عالم اجتماع إسرائيلي نقدي، رأى قبل أعوام كثيرة أنه بعد تلك الحرب أضحت الطريق سالكة أمام تنحية "موديل الاستيطان (الصهيوني) المجزّأ"- والذي جرى تطبيقه ضمن تخوم "الخط الأخضر" تمشيًا مع الحرص على وجود صلة بين عنصري الجغرافيا والديموغرافيا في سياق هذا المشروع- واستبداله بموديل استيطان آخر يستند إلى سيطرة مجموعة المستوطنين اليهود على السكان المحليين، أو إلى طرد هؤلاء السكان من جميع المناطق الخاضعة لسيطرة المستوطنين.

بكلمات أخرى لم تعد الرابطة بين المركّب الديموغرافي والمركّب الجغرافي، والتي كانت بمثابة قيد على عملية الاستيطان الكولونيالي الصهيوني في إحدى مراحلها، قائمة.

وما أتاح إمكان ذلك، هو السيطرة على الضفة الغربية وقطاع غزة بقوة التفوّق العسكري لإسرائيل، الأمر الذي كان المستوطنون (اليهود) مفتقرين إليه في فترة ما قبل قيام الدولة في 1948. وبذا فإن موديل الاستيطان الطاهر المحدود أخذ يخلي مكانه لنموذج آخر هو الاستيطان الطاهر المطلق.

وبحسب شافير فإن مصدر التقاطب السياسي الإسرائيلي بشأن المناطق المحتلة يعود بالأساس إلى خلاف بين مؤيدي موديلين مختلفين للاستيطان الطاهر.

 

 

المصدر: 
النهار