لماذا أغارت إسرائيل على سورية؟

بقلم: 

غالباً ما عتمت التقارير التي تحدثت عن الضربات الجوية الإسرائيلية في سورية على القضايا التي تحدد فعلاً صناعة القرار في إسرائيل. ولعل أهم فكرة تستحق الدحض، هي تلك القائلة إن إسرائيل قررت الاضطلاع بدور نشط في الصراع السوري. كلا، ليس الأمر كذلك. إن إسرائيل ليست لها مصلحة في الانجرار إلى مستنقع، وكان هدفها فقط هو تدمير الأسلحة الاستراتيجية المتجهة إلى حزب الله في لبنان. ولم تكن أعمالها مدفوعة بأي طموحات لتأطير مستقبل سورية، وإنما انطلقت من مخاوف من اختلال التوازن الاستراتيجي بينها وبين محور حزب الله- إيران.
ظلت إسرائيل تتابع الصراع السوري بمشاعر مختلطة. فمن جهة، تراها تقدر المزايا الخفية لمغادرة الرئيس بشار الأسد، والتي ستكون بمثابة توجيه صفعة لكل من إيران وحزب الله. ومن جهة أخرى، تعمل الفوضى السورية على تمكين الإسلاميين والجهاديين الذين قد يهددون إسرائيل مباشرة في وقت لاحق، ويضعون نهاية لنحو 40 عاماً من الهدوء السائد على الحدود الإسرائيلية السورية.
وفي الأثناء، لا تساور صانعي القرار الإسرائيليين أي أوهام في إزاء عدم قدرتهم على التوصل إلى محصلة مرغوب فيها في سورية. لا بل إن إسرائيل تفضل البقاء في الظل، والتركيز بدلاً من ذلك على التحديات الملحة الأخرى التي تقف في مقدمتها عملية اندفاع إيران باتجاه حيازة الأسلحة النووية. لذلك، تتركز العمليات الإسرائيلية في سورية على معالجة التهديدات المباشرة الموجهة لأمنها، وعلى وجه الخصوص تحويل الأسلحة الاستراتيجية إلى حزب الله.
وقد فاقمت الحرب في سورية هذه المشكلة، نظراً لأنها قدمت لحزب الله الفرصة لتحديث ترسانته المعقدة أصلاً، والتي تشتمل على نحو 60000 صاروخ، عبر حيازة المزيد من الأسلحة من مخزون سورية. وتشتمل ترسانة سورية الضخمة على مئات الأطنان من العناصر الكيميائية، وعشرات الآلاف من المقذوفات والصواريخ وأجهزة الرادار وأكثر من ذلك. ويشعر الأسد، المدين حتى أذنيه لإيران وحزب الله نظير دعمهما له، بأنه ملزم راهناً بالسماح بتحويل هذه الأسلحة. بينما يركز العالم، محقاً، على أسلحة سورية الكيميائية، لا يقل قلق إسرائيل من الأسلحة التقليدية التي قد تكون مغيرة لقواعد اللعبة إذا آلت إلى أيدي حزب الله. وتعتقد إسرائيل بأنه بينما قد تتدخل البلدان الأخرى لمنع انتشار الأسلحة الكيميائية، فإنها تقف وحيدة في موضوع منع تحويل الأسلحة التقليدية. وهي تتوقع دعماً سياسياً ضمنياً لأعمالها من الولايات المتحدة وأوروبا، وهو ما تلقته حتى الآن.
وتتضمن الأسلحة المثيرة للقلق الكثير الذي جاء من روسيا، مثل صواريخ أرض جو من طراز (إس إيه 217)، والتي تستطيع تهديد حرية الطيران في شمالي إسرائيل ولبنان، وصواريخ أرض- بحر التي تستطيع تهديد موانئ إسرائيل ومنشآت الغاز البحرية، وصواريخ سكود التي تستطيع حمل رؤوس حربية كيميائية. وتشكل الصواريخ الإيرانية من طراز الفاتح 110 بدقتها العالية نسبياً، تهديداً كبيراً أيضاً.
بعد إيران، يشكل وكيلها حزب الله أخطر أعداء إسرائيل. وكان الحزب قد أطلق آلاف الصواريخ على إسرائيل خلال الحرب اللبنانية الثانية في العام 2006، وهو ما يزال يستهدف الإسرائيليين في حملة إرهاب كونية، وقد اتهمته الحكومة الهنغارية بقتل خمسة سياح إسرائيليين على أراضيها في الصيف الماضي. وبينما يركز حزب الله راهناً على مساعدة نظام الأسد والمساهمة بقواته الخاصة في القتال، ترى إسرائيل أن هناك احتمالية عالية لاندلاع جولة أخرى من القتال مع حزب الله في المستقبل، والتي تكون مدفوعة إما بالتطورات في سورية أو بالعمليات الإسرائيلية أو الأميركية الأمنية إلى منع إيران من حيازة أسلحة نووية.
لكن، وبينما تعطي الحرب في سورية حزب الله الفرصة لتحديث ترسانته، فإنها تعطي إسرائيل الفرصة للتعامل مع التحدي. ومع خوض النظام السوري القتال من أجل استدامته، فإنه سيكون من غير المرجح أن يخاطر بخوض مواجهة مع إسرائيل، والتي قد تقلب الميزان العسكري لغير صالحه. ومن الممكن الحديث عن افتراضات مشابهة فيما يتعلق بحزب الله وإيران. فبالنسبة لهما، كما بالنسبة لإسرائيل، تظل سورية تحتل المرتبة الثانية بعد مواجهة عسكرية محتملة حول البرنامج النووي الإيراني. وما يزال حزب الله يتلقى التسليح حتى الأسنان من جانب سادته في طهران، لأن الهدف الأول والأسمى يكمن في ردع إسرائيل أو الولايات المتحدة عن مهاجمة المرافق النووية في إيران.
ومع ذلك، وبينما تفضل إسرائيل وحزب الله وإيران وسورية كلها تجنب خوض مواجهة مباشرة في الوقت الراهن، فإن عليها الأخذ بعين الاعتبار قانون التداعيات غير المقصودة. ستزيد المحاولات المتكررة لتحويل ونقل الأسلحة لحزب الله، والتدخلات الإسرائيلية الهادفة إلى منع ذلك، من فرص التصعيد. كما أن الوقت قد حان لتوقف روسيا إرسال أنظمة الأسلحة إلى داخل سورية، وعدم تشجيع أصدقائها في دمشق وطهران بذلك على المزيد من المحاولات لتحويل هذه الأسلحة إلى حزب الله.

المصدر: 
القدس