مؤشرات فلسطينية غير مطمئنة

بقلم: 

تدل الحالة الفلسطينية في العام السادس والستين للنكبة إلى مؤشرات لا تدعو للاطمئنان، فالاعتراف الدولي بالحق السياسي الفلسطيني، في إقامة دولة ذات سيادة، على حدود 4 حزيران 1967، لا يجد طريقه للتطبيق، على الرغم من الجهد الكبير الذي يبذله وزير الخارجية الأميركي جون كيري.
وبحسب ما يصدر من إشارات وتعليقات عن القيادة الفلسطينية، فإن نسبة المتفائلين تتلاشى لمصلحة الاعتقاد أن صنّاع القرار الإسرائيلي متشبثون باستمرار الوضع الراهن على حاله، سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية، مع استمرار عمليات التهويد والاستيطان وشق الطرق السريعة الواسعة العابرة للأحياء العربية في القدس الشرقية لربط الأحياء اليهودية بالمستوطنات التي تشكل الحزام الكبير حول القدس، ما يؤدي إلى تفكيك جغرافي جديد للأحياء العربية ويلغي تواصلها.
هذا من دون القفز عما يدور في الحرم القدسي نفسه تحت شعار تأمين حرية العبادة لليهود، حيث تُستهدف الساحات الداخلية الواقعة بين المسجد الأقصى وقبة الصخرة، لإعادة تعريف وجهة استخدامها على أنها ساحات عامة وليست جزءاً من الحرم مكرسا للمسلمين وحدهم. وبموجب هذا التعريف الجديد، يصبح لليهود الحق في استعمالها تمهيداً للسيطرة عليها وفرض وقائع جديدة داخل الحرم.
وعلى مستوى قطاع غزة، من الملاحظ أن البند الثاني في اتفاق الهدنة بين إسرائيل وحركة حماس الموقع بضمانة مصرية، والذي ينص على "رفض كافة الأعمال العدائية بين الطرفين"، لا يجد تطبيقاً واضحاً من الجانب الإسرائيلي الذي يعمد إلى تنفيذ عمليات عدائية، تعيد الوضع الأمني إلى المربع الأول. وهذا الأمر له مغزى سياسي واضح، فهو يحرج حركة "حماس" في صياغة موقفها من الاختراق الأمني بين ضرورات الحفاظ على الهدنه وبين الصدام مع المجموعات المقاتلة من جهة، ومن جهة أخرى يحافظ على الحالة الممانعة لتنفيذ أي اتفاق مصالحة مع "فتح"، إذ إن الجهد الأمني والعسكري يؤدي لإطاحة الجهد السياسي وخصوصاً الجهد التصالحي.
إن الإسرائيلي يريد لقطاع غزة، العيش المستمر في الحلقة المفرغة، بين الحصار والعنف والتهريب، وإعادة إنتاج مستمر لهذه الحالة.
بعد خمسة وستين عاماً، استطاع الفلسطيني الصامد في أرضه التي صار اسمها دولة إسرائيل، أن يحقق بصموده الصامت بعض الإنجازات، التي تجمع بين النضال المطلبي والنضال السياسي، لكن هذا الأمر لا يشكل ضمانة لاستمرار صعود الخط البياني، إذ إن إطلاق شعار يهودية دولة إسرائيل صاحبه تصاعد حدة العنصرية اليهودية، وسن القوانين والتشريعات، المعادية للحقوق الفلسطيني. وصولاً إلى دعوات صريحة لعمليات "ترانسفير" نحو الضفة الغربية، بهدف تعديل الميزان الديموغرافي لصالح اليهود.
أما في الحالة الفلسطينية اللاجئة، في الشتات يمكن رصد الوضع الإشكالي، للتجمع الفلسطيني في الأردن، بعد أحداث أيلول 1970، ما بين الدمج والفرز، حيث تتخذ المسألة أبعاداً استراتيجية حساسة، لجهة ارتباطها وتأثيرها على المشاريع التصفوية للمسألة الفلسطينية، وأهمها مشروع "الوطن البديل". لذا فإن الاتفاق والتفاهم الفلسطيني ـ الأردني، بعد طيّ صفحة الصراع هو العنصر الحاسم في تأمين استمرار حالة المساكنة، والهدوء لأن التوازن في معادلة "هنا الأردن" و"هناك فلسطين" يتطلب حذر شديد في صياغة الوضع القانوني والسياسي للاجئين الفلسطينيين في الأردن يخدم وحدة الموقف ويحبط المسعى الإسرائيلي.
أما حظ التجمعات الأخرى للاجئين في الكويت والعراق، وفي ليبيا لم يكن في العقود السابقة أقل نكبوية وبشاعة مما يجري اليوم للاجئين الفلسطينيين في سوريا من تهجير وتدمير واعتقال وذبح لا حدود له ولا رادع. هذه الحالة تلقي بثقلها، على وضع المخيمات الفلسطينية في لبنان، التي لا تكاد تخرج من محنة، حتى تدخل محنة أخرى من باب آخر. بينما لا تكف بعض الأطراف الإقليمية والمحلية عن تعميق الأزمة عبر سياسة الاستخدام القاتلة.
هكذا يستمر عصر النكبة الفلسطيني، عصر افتتحت فصله الأول الحركة الصهيونية والإمبراطورية البريطانية، وما زالت فصوله تتوالى، وما زال المساهمون في صناعة النكبة مستمرون في أدائهم الذي يخدم الحركة الصهيونية.

المصدر: 
المستقبل