حماس وفتح ..سجالات الماضي والحاضر

بقلم: 

لقد شكلت الزيارات المتكررة للشخصيات الرسمية والاعتبارية لقطاع غزة في ظل الانقسام الفلسطيني الداخلي حالة من الاتهامات المتبادلة بين حركة حماس من جانب وبين حركة فتح وفصائل منظمة التحرير من جانب آخر, وهذه الحالة لم تكن وليدة اللحظة أو الحدث بل هي إرث تاريخي متبادل بينهم، ومرت بالعديد من المحطات التي وضعت حماس دائماً في قفص الاهتمام من قبل معارضيها، ولعل أبرز هذه المحطات التاريخية يمكن تلخيصها في المواقف التالية:

المحطة الأولى: بدأت عندما عاودت حركة الإخوان المسلمين نشاطاتها بعد عام 1967 من خلال تأسيس عدد من المؤسسات الخيرية مثل المجمع الإسلامي والجمعية الإسلامية، فاصطدمت بجدار القوى الشيوعية نتيجة لاختلاف الأيدولوجية بينهم وبين حركة فتح والتي كانت تعتبر هذه الأنشطة محاولة للالتفاف على منظمة التحرير.

المحطة الثانية: اشتد فيها الاختلاف عند الإعلان عن تأسيس حركة حماس ودخولها على خط الانتفاضة الأولى بشكل فاعل وقوي، في وقت كانت تعاني فيه منظمة التحرير وعلى رأسها حركة فتح حالة من التفرق والتشتت من الأردن ولبنان وغياب معظم القيادات التاريخية لحركة فتح، فنُظِر إلى حركة حماس على أنها صنيعة الاحتلال وهدفها ضرب المشروع الوطني بإيجاد بديل قوي له .

المحطة الثالثة: جاءت بعد موقف الراحل ياسر عرفات من غزو الكويت للعراق وقطع العلاقات بين الخليج العربي والمنظمة في الوقت الذي نجحت فيه حركة الإخوان من فتح أبواب الدعم الشعبي لها، فوسمت حماس بالحركة الوهابية الرجعية من قبل معارضيها.

المحطة الرابعة: والتي شهدت أشد الخلافات والاتهامات المتبادلة بين حماس وحركة فتح بعد توقيع اتفاق أوسلو، فكانت فتح تنظر إليه على أنه إنجاز وطني في الوقت الذي اعتبرته حماس ضياع ومقامرة بالقضية الفلسطينية، فشنت عدد من العمليات الاستشهادية لإفشال الاتفاق، فاعتبرتها فتح بأنها تعمل لصالح النظام الأردني من أجل إعادة الضفة الغربية للأردن، وكان يمكث مكتبها السياسي في عمان ولم تتوقف عند هذا بل اتهمت حماس بأنها تعمل كذلك للمشروع الإيراني.

المحطة الخامسة: بعد طرد حماس من الأردن وتواجدها في دمشق والانفتاح الواسع في العلاقات مع إيران وحزب الله، فشهدت هذه العلاقة حجماً كبيراً من الاتهامات لعلها تجلت بعد فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006 والصراع المسلح 2007 والذي انتهى بسيطرة حماس على قطاع غزة، فاعتبرت بأنها ضد الأمن القومي العربي تارة، وتارة متشيعة وأخرى تريد إقامة إمارة ظلامية وتعطيل ملف المصالحة بالمال الإيراني والارتماء في الحضن السوري والعمل تحت ولاية الفقيه .

المحطة السادسة: وهي المحطة الراهنة بعد الثورات العربية وتولي الإخوان المسلمين الحكم في العديد من البلاد العربية، وتشكيل محور جديد في المنطقة يتألف من تركيا ومصر وقطر والعلاقة المميزة مع حماس، فاشتد الصراع السياسي بين حماس و فتح وأصبحت فتح تشعر بأن التمثيل الفلسطيني والذي كان حكراً عليها في خطر، لذلك هي دائمة الهجوم على كل الزيارات إلى قطاع غزة من الشخصيات الرسمية والدينية لما تضفيه من شرعية على حركة حماس .

هذا سرد تاريخي موجز لطبيعة الصراع السياسي بين فتح وحماس والذي يظهر أشده الآن في الساحات العربية، فالقضية لا ترتبط بالتحالفات السياسية وأثرها على القضية الفلسطينية بقدر ما هي نتيجة حالة الصراع على تمثيل الشعب الفلسطيني، فلو لاحظنا عبر المحطات والسجالات السابقة نجد بأن حماس كانتتتمتع بعلاقات مع السعودية والأردن وسوريا وعند الاختلاف تنعكس الصورة مباشرة فالسلطة على علاقات مميزة بالسعودية والأردن وسوريا .

أما قوى اليسار الفلسطينية فاختلافها مع حماس اختلاف أيديولوجي لا سياسي ولا ينتهي حتى بتحرير فلسطين، فهو امتداد لما يجري على الساحة العربية منذ زمن طويل بين الإسلاميين والشيوعيين .

لا أعتقد بأن السجالات والاتهامات المتبادلة ستنتهي بين حماس والآخرين في وقت قريب، فالصراع السياسي في المنطقة على أشده والتغيرات على الساحة العربية والخارطة الإقليمية الدولية تنعكس على الساحة الفلسطينية، والصراع على التمثيل لن يتوقف في ظل غياب الإرادة الشعبية، فهي المخرج من هذه الحالة أو العودة لنموذج انتفاضة الأقصى والذي شهد حالات من الصراع في ميدان المقاومة، فلم تتوحد القوي الفلسطينية إلا خلف البندقية ومشروع المقاومة.