في ذكرى النكبة: الاستيطان والجدار...النكبة الثالثة

بالرغم من كل بيانات الشجب والاستنكار والمواقف والقرارات الدولية والاممية، والتي كان آخرها قرار مجلس الامم المتحدة لحقوق الانسان، الذي طالب بوقف الاستيطان وقرار محكمة العدل الدولية في لاهاي الذي اعلن عدم شرعية الجدار وطالب بهدمه وتعويض المتضررين عنه، ألا أن إسرائيل ماضيه ومستمرة في تنفيذ مشروعها الاستيطاني العنصري ضاربة عرض الحائط كل ما يصدر عن الشرعية الدولية من قررات ومواقف معارضة لسياساتها، بل ومتحدية لهذه القرارات والمواقف. ومهما أطلقت اسرائيل على هذا الاستيطان والجدار من أسماء خادعة، كالجدار الامني، أو المانع للإرهاب، أو الحدود المؤقتة الجديدة... الخ من الاسماء، فالاستيطان عمل عنصري نتج عن احتلال اراضي الاخرين بالقوة.

فلسطين بالمساحات والأرقام:

تتجاوز مساحة فلسطين التاريخية 27 ألف كم2، تشكل الضفة الغربية وقطاع غزه نسبة قليلة من هذه المساحة أي حوالي 22% بما يعادل 6000 كم2، وتشكل الضفة الغربية النسبة الأكبر من هذه المساحة ( حوالي 5635 كم2 ) في حين تبلغ مساحة قطاع غزه 365 كم2، وتعتبر محافظة الخليل أكبر المحافظات في الضفة الغربية حيث تبلغ مساحتها 1065 كم2، يضاف إلى ذلك مساحة حصة فلسطين من البحر الميت والبالغة 200 كم2.

منذ بدء تنفيذ الاتفاقات الفلسطينية ـ الاسرائيلية رسميا في عام 1994، بدأ الفلسطينيون تداول الأرقام حول نسبة المساحات التي تخضع للسلطة الفلسطينية، وذلك من خلال محطات متعددة، حيث تم تسليم الفلسطينيين حوالي 40% من مساحة الأراضي الفلسطينية مقسمه بين ما أطلق عليها مناطق ( أ + ب )، والتي تشمل معظم المدن والقرى الفلسطينية أي مساحة البقعة العمرانية( المخططات الهيكلية) والتي تعتبر في الواقع مقطعة الأوصال.

يشكل(خط النكبة) الخط الأخضر بالنسبة للضفة الغربية الحدود الغربية مع الأراضي التي احتلت في العام 1948، وهو الجزء الأطول بحيث يتجاوز طوله 312 كم، كذلك يشكل نهر الأردن بطوله البالغ 120 كم الحدود الشرقية للضفة الغربية، إضافة الى الخط الفاصل في قطاع غزة والذي يقارب طوله (60) كم وطول القطاع اكثر من 40 كم وعرضه من 6-12 كم، وبهذا تكون الدولة الفلسطينية المقترحة عبارة عن جزأين منفصلين هما (الضفة الغربية وقطاع غزة) هو الطموح الفلسطيني، لكن الاحتلال الإسرائيلي رغم ذلك يحاول تقطيع أوصال الضفة الغربية بعدة طرق، أكثرها تأثيراً يتمثل في الاستيطان الإسرائيلي والذي يشكل العائق الأكبر أمام تقدم المفاوضات، وقد وصل عدد هذه المستعمرات أكثر من 300 مستعمرة وبؤرة استيطانية بشتى تصنيفاتها، وتحتل مناطقها المبنية أكثر من 2% من مساحة الضفة الغربية، يضاف إلى ذلك أن المخططات الاستيطانية تتجاوز 4% من مساحة الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967، حيث يسكن هذه المستعمرات اكثر من نصف مليون يتوزعون على حوالي 100 الف وحدة سكنية مقسمة مناصفة بين الضفة الغربية والقدس الشرقية تحقيقا لحلم شارون التاريخي، ويسعى نتنياهو لتجاوز هذا الحلم بمضاعفة هذا العدد الى اكثر من 200 الف وحدة يسكنها مليون مستوطن. كذلك الطرق الالتفافية التي تزيد عن 100 طريقا تربط هذه المستعمرات والتي تشكل مساحتها اكثر من 1% من المساحة الإجمالية. إضافة إلى الحواجز العسكرية الإسرائيلية التي تتجاوز 600 حاجز منها 140 حاجز رئيسي ودائم، والتي زادت من معاناة الشعب الفلسطيني، إضافة إلى ما يعانيه الفلسطينيون نتيجة الاحتلال الاسرائيلي الذي يسيطر على حوالي 60% من مساحة الضفة الغربية.

فكرة الجدار ومراحله:

انبثقت فكرة الجدار بشكل علني ولأول مرة في نيسان عام 2001 من قبل حكومة حزب العمل برئاسة ايهود باراك، وتلاءمت هذه الفكرة مع أفكار وحلم شارون التاريخي الذي لا يريد العودة إلى حدود 4 حزيران عام 1967م، بعد أن كان قد بدأ بوضع أفكاره على الأرض قبل 30 عاماً من خلال خطة شارون المسماه (النجوم السبعة)، والتي تقوم في أساسها السيطرة على السفوح الشرقية والغربية للضفة الغربية وإقامة مجموعة من المستعمرات الممتدة على جانبي الخط الاخضر وعمل تواصل استيطاني بينها لحماية الكيان الإسرائيلي، ولمنع أية أمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقبلاً.

وتقوم فكرة الجدار على أنشاء ثلاثة معازل (كانتونات) وهي كما يلي:

الأول: في الشمال ويضم (جنين , طوباس , نابلس , طولكرم , قلقيليه، سلفيت ) ويتصل مع منطقة الوسط بممر عند مفرق زعتره ومساحته الاجمالية 1930 كم2.

الثاني: يضم الخليل وبيت لحم ومساحته 710 كم2.

الثالث: أريحا ومساحته 60كم2.

وقد أكتمل بناء المرحلة الأولى من الجدار والتي تمتد من مفرق زبوبة شمالاً الى قرية حبلة في محافظة طولكرم جنوباً، وقد تم في هذه المرحلة فصل قرى عن بعضها البعض وأقتلاع ألاَف الأشجار والسيطرة على مصادر المياه.

وعملت الحكومة الاسرائيليةً على تنفيذ المرحلة الثانية من الجدار في قرى وبلدات الزاوية ومسحة واسكاكا ودير بلوط في محافظتي قلقيلية وسلفيت، وفي قرى بدرس، رنتيس، ونعلين، المدية، عابود، بلعين وبيت سيرا في محافظة رام الله، ويجري في هذه المرحلة أيضاً تنفيذ بناء الجدار حول القدس ابتداء من قرية رافات مروراً بقلنديا والرام حتى عناتا على حدود ما يسمى بلدية القدس الحالية ( الجزء المضموم من القدس الشرقية )، وقد أكتمل الجزء الأكبر منه في مناطق رافات ألرام أبو ديس والسواحرة وبيت جالا وبيت لحم وبيت ساحور.

وتصل المرحلة الثانية الى مراحلها النهائية، خاصة مع بدء العمل في محافظة الخليل بجوار مستعمرتي كريات أربع وخارصينا واللتين سيفصلمها الجدار عن محافظة الخليل، من خلال عمل ممر – أصبع - يوصل ما بين هاتين المستعمرتين ومنطقة السموع الحدودية باتجاه بئر السبع.

وفي حال اكتمال المرحلة الثانية من الجدار فسيكون أكثر خطراً وأكثر اتساعاً ليصل إلى عمق 10- 25 كيلومترا، خاصة في محافظتي سلفيت ورام الله بهدف ضم اكبر عدد ممكن من المستعمرات خاصة التجمعات الاستعمارية التي تشمل ارئييل واللطرون والقدس وغوش عتصيون، ومع أن طول الخط الاخضر في المنطقة الغربية للضفة الغربية يبلغ 312 كم فان طول الجدار سيتجاوز 700 كم بفعل خط سيره المتعرج الذي يسعى لضم أكبر عدد ممكن من المستعمرات الواقعة على السفوح الغربية للضفة الغربية.

اما المرحلة الثالثة (الشرقية) والممتدة من قرية بردلة في الزاوية الشمالية الشرقية للضفة الغربية حتى بلدة السموع جنوب الخليل فهي تستهدف ضم اكبر عدد ممكن من المستعمرات (35) مستعمرة والواقعة في الأغوار وفي السفوح الشرقية وفي سلسلة جبال وسط الضفة الغربية، وسوف يسعى القائمون على بناء الجدار الى توصيل هذين المحوريين – الغربي والشرقي – وذلك بعمل كردورات عرضيه تشبه أصابع اليد لضم اكبر عدد ممكن من المستعمرات على النحو التالي:

الإصبع ( الكارادور ) الأول: ويبدأ في الشمال لضم مستعمرة ألون موريه شمال شرق نابلس.

الإصبع الثاني: يضم مستعمرة ايتمار في محافظة نابلس أيضاً.

الإصبع الثالث: ويقع على حدود محافظتي نابلس ورام الله وسيكون أكثر اتساعاً وذلك بضم ما يعرف بمجموعة مستعمرات شيلو، عيليه، معاليه لبونة، رحاليم، متسبيه شيلو.

الإصبع الرابع: يمتد الى مستعمرة بيت ايل ويضم مستعمرات بسجوت، كوخاف يعقوب، معليه مخماس، عوفرا ليتصل بعد ذلك بمحافظة القدس.

الإصبع الخامس: يقع في محافظة بيت لحم ليضم مستعمرات تقوع، ونيكوديم، متسار شمعون، متسار سيفر، معليه عاموس.

الإصبع السادس والأخير: يصل هذا الإصبع إلى حدود مدينة الخليل ليضم مستعمرات كريات أربع وخارصينة والبؤر الاستعمارية داخل مدينة الخليل، كذلك معاليه حيفر وبني حيفر وكرميل وماعون.

وبهذا يكون الجدار قد ضم معظم المستعمرات الشرقية والوسطى وما يُعرف بمستعمرات " خط الون " التي يبلغ عددها 35 بالاضافة الى اكثر من 20 مستعمرة سابقة الذكر.

ومع أكتمال الجدار بمراحله الثلاث تصبح الضفة الغربية عبارة عن ثلاثة معازل – كنتونات- غير متصلة لا تتجاوز مساحتها 2700 كم2 وتعادل 10% من مساحة فلسطين التاريخية، و 50% من مساحة الضفة الغربية، ويكون الجدار قد تجاوز طوله 1070 كم بشقيه، ويكون الشق الشرقي البالغ طوله حوالي 300 كم والغربي مع الشمالي والذي تجاوز طوله 700 كم ويعادل ضعف طول الحدود للأراضي الفلسطينية (الخط الأخضر(.

وبهذه النتيجة تصبح المدن الفلسطينية منفصلة عن بعضها البعض وسيكون من المستحيل إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ذات تواصل جغرافي وسكاني.

وتتراوح نسبة الضم بالمحافظات حسب كثافة المستعمرات فيها، وأكثرها ضررا المحافظات الوسطى ابتداء من محافظة القدس التي ستخسر أكثر من 90% من مساحتها، تليها محافظتي أريحا وبيت لحم اللتان ستخسران نفس النسبة من اراضيهما تقريبا، ثم محافظات رام الله وطوباس والخليل التي ستخسر أكثر من 50% من مساحتها، أما باقي المحافظات فسوف تكون خسارتها من الأراضي أقل من ذلك بقليل.

الجدار وتاثيره على الزراعة والبيئة والاَثار والسكان:

أدى الجدار الى اقتلاع وعزل الأراضي الزراعية الفلسطينية، خصوصا تلك المزروعة بأشجار الزيتون التي تشكل 22% من مساحة المنطقة الشمالية الغربية من الضفة الغربية، إضافة الى الأراضي المزروعة بكروم العنب واللوزيات والبرقوق والحمضيات وغيرها من الأصناف.

أما شبكة الطرق الالتفافية الحديثة التي عملت على توصيل هذه المستعمرات مع بعضها البعض بأكثر من 100 طريق تقدر مساحتها بأكثر من 1% من مساحة الأراضي الفلسطينية، كما ذُكر سابقا، فقد ادت الى تدمر المشهد الطبيعي وذلك من خلال تقطيع الجبال واقتلاع الأشجار والإضرار بالتنوع الحيوي وتجريف التربة السطحية، وقطع المحميات الطبيعية والغابات والمراعي والأراضي الخضراء، وهذا في النتيجة يؤدي إلى هجرة وانقراض الطيور والحيوانات البريه النادره، وتخريب وهدم المباني والبيوت والمواقع الأثرية التي عزل الجدار أكثر من 50% منها.

بالإضافة إلى ذلك، أدى الجدار إلى مصادرة وعزل وتلويث الأرض والمياه وغيرها من المصادر الطبيعية والبيئية والتي وصلت إلى 50 بئراً ارتوازياً في المنطقة الشمالية الغربية ومن الحوض الغربي فقط، ومع اكتمال الجدار يكون قد عزل واضر 200 بئرا ارتوازياً.

كما أدى بناء الجدار الى عزل السكان عن بعضهم البعض حيث أصبحت ألاف من العائلات لا تعيش بتواصل مع بعضها البعض مما خلق مشاكل نفسية واجتماعية واقتصادية كبيرة.

باختصار شديد يمثل الجدار نكبة ثالثة للفلسطينيين لا تقل في أهميتها عن نكبتي عام 1948 وعام 1967 وما نتج عنهما من تقتيل وتهجير ومصادرة ممتلكات، فالجدار يفرق ما بين الجار وجاره والأخ وأخاه، ويمزق العائلات ويفسخ النسيج الاجتماعي لهذا الشعب، وهو أيضاً سلب للأرض والمصادر الطبيعية والممتلكات الخاصة والعامة، ويقتل أي أمل بأستمرار حياة الفسطينيين على هذه الأرض المباركة.

الجدار ومحمكة لاهاي :

مهما حاولت دولة الاحتلال من تغيير اسم الجدار وتعديل مساره وهدم أجزاء منه وطلائه بألوان زاهية فلن يغير من حقيقة أنه جدار عنصري يقوم على سلب أراضي الاخرين بالقوة تحت حجة الأمن، ومهما حاولت تسويقه للعالم بأنه يمنع " الإرهاب " ويحمي المستعمرين فهو يبقى في نظر العالم والقرارات الاممية غير شرعي.

وبالرغم من كل محاولات الحكومة الاسرائيلية التشكيك في شرعية واحقية محكمة لاهاي كمؤسسة قانونية اممية لها الحق في التدخل في مثل هذا الموضوع، وبالرغم من المحاولات المتكررة للتأثير على قرار المحكمة بدءأ بمقاطعتها وعدم التعامل مع قرارتها، وبالرغم من كل اساليب الخداع والتضليل والتمويه التي اتبعتها المحكمة العليا الإسرائيلية التي تعمل بتوجيه من المستويين السياسي والامني في اسرائيل سواء باصدارها قرارات احترازية لوقف العمل في الجدار وتغيير مساره او تعديله لكي تظهر بمظهر الحريص الواعي لمصالح الناس المتضررين من اقامته وبأنها الجهة الوحيدة المخولة للتقرير في هذا الموضوع ولكي تنزع الشرعية عن محكمة لاهاي الدولية، الا ان ذلك لن يطمس حقيقة القرار الاممي المحكمة الذي لا لبس فيه بادانة هذا الجدار واعتباره غير شرعي وجب هدمه وتعويض المتضررين عنه.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد طلبت في وقت سابق من المحكمة الدولية في لاهاي اصدار رايها القانوني بخصوص هذا الجدار، وبناء عليه فهي مطالبة الان بمتابعة تنفيذ هذا القرار على الارض والزام اسرائيل على احترام القرارات الدولية ذات العلاقة.

كما أن جميع الحكومات والمؤسسات غير الحكومية في العالم، ومنظمات حقوق الانسان الدولية مطالبة هي الاخرى بالضغط على اسرائيل لوقف انتهاكاتها واحتلالها للأرض الفلسطينية، وتقع على الأمم المتحدة مهمة خاصة في هذا المجال على اعتبار أنها كافلة وراعية للمواثيق الدولية والانسانية وحقوق الشعوب في التحرر والاستقلال.

 كاتب وباحث في شؤون الاستيطان

معد الدراسة: 
وليد أبو محسن