الفلسطينيون وجبهة الجولان

بقلم: 

بعد الغارة الإسرائيلية على دمشق، قرر النظام السوري الرد. بحث في أدراجه عن وسيلة تعفيه من المواجهة المباشرة مع العدو. استنبط فكرة القتال على جبهة الجولان السورية المحتلة، لكن ليس بالسوريين، بل بالفلسطينيين. إذ قرر، بحسب ما تسرّب وليس ما أُعلن، السماح للفصائل الفلسطينية بتنفيذ عمليات ضد القوات الإسرائيلية.

"القرار"، الذي يؤكّد أن إغلاق هذه الجبهة طوال الاعوام الأربعين الماضية كان عن سابق تصوّر وتصميم، يعيد النظام إلى الوسيلة الفضلى في تعاطيه مع مواجهات الاحتلال الإسرائيلي. هو يفضل القتال من خلف الستار. لا خسائر مباشرة، لا مادياً ولا سياسيّاً، بل على العكس، فتأمين خطوط الإمداد والتدريب، أمنت لهذا النظام مكاسب استفاد منها في مناسبات عدّيدة، وقدمت له أوراق لعب ومساومة، استغلها مرّات عدّيدة، سواء في مفاوضة الغرب أو مواجهة خصوم إقليميين. 

نماذج كهذه حاضرة كثيراً في تاريخ التعاطي السوري مع الحركات المسلحة. هو استعان بالعديد من الفصائل الفلسطينية لمواجهة ياسر عرفات، واستغل حزب العمال الكردستاني لمناكفة تركيا، إضافة إلى لعبه دور "الوسيط" بالنسبة إلى الغرب، في فترة من الزمن، للتعاطي مع "حزب الله" وحركة "حماس".

اليوم يعود الدور على الفلسطيني للعب كورقة مواجهة بالنسبة الى النظام السوري. لكن السؤال هو عن أي فلسطيني يتم الحديث، وأي فصيل هو ذاك الذي ينوي التوجه الى الجولان لقتال اسرائيل، واساساً ماذا بقي من الفصائل الفلسطينية في سوريا؟

جردة سريعة لواقع الحال الفصائلي في سوريا تعطي ملمحاً عن جدية قرار فتح جبهة الجولان. خلال الأعوام القليلة الماضية كان من الممكن لقرار كهذا ان يغير معادلة الصراع مع العدو، حين كانت دمشق مركزاً أساسيا لمختلف الفصائل الفلسطينية التي لا تزال تتبنى نهج المقاومة. لكن اليوم واقع الحال بات مختلفاً. بداية لم تعد حركة "حماس"، وهي الفصيل الفلسطيني المقاوم الأبرز، على حال وفاق مع النظام في سوريا، بل من الممكن القول إنها في حال عداء معه. عداء دفع بمعظم كوادرها الى الخروج من سوريا، ولم يتبق منهم الا القليل. كما أنها، حتى في عهد الوئام مع النظام، لم تكن تمتلك مجموعات مقاتلة على الأراضي السورية، إذ كانت دمشق محطة لمجموعات من الحركة، سواء تدربت في سوريا أو ايران، قبل التوجه الى غزة.

الأمر نفسه ينطبق على حركة الجهاد الإسلامي، وإن بدرجة اقل، ولا سيما ان الحركة سعت الى اعتماد نهج "النأي بالنفس" عن واقع الأحداث، وان لم تحد عن خط "حماس" لجهة الخروج من الشام.

أما الجبهتان الشعبية والديموقراطية، وبغض النظر عن موقفهما الملتبس من الثورة في سوريا، فإن النظام لا بد يعرف انهما أضعف من ان تقودا جبهة مقاومة في الجولان، هذا ان وافقتا على ذلك. ضعف النظام السوري جزء أساسي منه، وهو الذي خاض حروباً متعددة، مباشرة وغير مباشرة، ضد منظمة التحرير الفلسطينية بأطرافها كافة.

حتى ان كان النظام يقصد استخدام الجبهة الشعبية- القيادة العامة وفتح الانتفاضة والصاعقة، وهي الفصائل الموالية بالمطلق للنظام، فإن ذلك غير ممكن. فهؤلاء، أو ما تبقى منهم، مشغولون بالقتال الى جانب النظام في المناطق السورية، كما لا يمكن الاستغناء عن خدماتهم في ضرب ومحاصرة المخيمات.

هنا يمكن الانتقال الى النقطة الأخرى في "القتال بالفلسطينيين". كيف للفلسطيني ان يخرج للقتال وهو المحاصر في مخيماته، سواء اليرموك أو خان الشيح أو النيرب أو غيرها؟ كيف له ان يلبي دعوة القتال، وهو الذي ذاق لوعة قصف الميغ لمخيماته؟ قصف بات فلسطينيو سوريا يؤرخونه كمحطة مفصلية، فما قبل غارات الميغ ليس كما بعدها. 

الأمر كان يمكن ان يفلح قبل اشهر قليلة، يوم لبى الفلسطينيون دعوات "مسيرة العودة" وزحفوا بالمئات الى الجولان وجنوب لبنان، وسقط منهم الشهداء وهم يحاولون تحقيق حلم العودة.

الفلسطينيون، وفق هذا الواقع، لا يمكن ان يكونوا طرفاً في فتح جبهة الجولان، هذا إذا كان النظام جديّاً في فتحها، وهو ليس كذلك.

المصدر: 
موقع المدن