تغيرات الهوية في المشهد السياسي العربي وتأثيره على خياري المقاومة و التسوية في فلسطين
لأن القضية الفلسطينية ارتبطت تاريخيا بمحيطها العربي والإسلامي، فإن الفلسطينيين أكثر الشعوب حساسية لما يجري من حولهم من تحولات سياسية وثقافية، فما أن نجحت الجماهير العربية في تونس ومصر في إسقاط رأس السلطة في البلدين وتبعتهما محاولات شبيهة في أكثر من بلد عربي، حتى ارتفعت آمال عند قطاع كبير من الفلسطينيين بأن تحولا إيجابيا سيطرأ على قضيتهم وخصوصا أن القوى السياسية التي شاركت في الثورة وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين كانت ترفع شعارات كبيرة منددة بإسرائيل ومنددة بتواطؤ الأنظمة معها، ولكن ما أن تسيدت جماعات الإسلام السياسي وتولت السلطة في مصر وتونس وبدرجات أقل في ليبيا، حتى تراجع التفاؤل وحل محله خوف من معادلة جديدة في الشرق الأوسط تقوم على قيام واشنطن والغرب بتمكين جماعات الإسلام السياسي المعتدل – خصوصا- الإخوان المسلمين – من السلطة مقابل مواجهة جماعات الإسلام السياسي المتطرف وعدم مس أمن إسرائيل أو التدخل في مجريات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي .
لم يكن صعود جماعات إسلام السلطة مجرد إحلال حزب محل آخر بل ينذر بتغيير في الثقافة السياسية في المنطقة وفي نظرة الشعوب العربية إلى هويتها وإلى العالم المحيط بها وإلى مفهوم الصديق والعدو وشبكة التحالفات المستقبلية. صعود الإسلام السياسي وبالتالي الأيديولوجية الدينية على حساب الهوية القومية العربية والوطنية، من حيث الانتقال من جدل ثنائية الوطني والقومي إلى جدل ثنائية الوطني والإسلامي سيؤثر بشكل كبير على مستقبل القضية الفلسطينية التي ارتبطت تاريخيا بمحيطها العربي وبالهوية العربية باعتبارها هوية جامعة.
الإشكالية الرئيسية لبحثا هذا ستتركز على التغير في الهوية في المشهد السياسي الثقافي العربي الجديد وتأثيره على القضية الفلسطينية، وما إن كان ذلك سيعزز المشروع الوطني الفلسطيني التحرري لإنجاز مهامه الرئيسة؟ أم سيؤدي لإضعاف هذا المشروع، بل إعادته لنقطة الصفر من خلال عودة المراهنة على الخارج كمنقذ للفلسطينيين؟. وفي هذا السياق سنبحث تأثير كل ذلك على خياري السلام والتسوية من جانب وخيار المقاومة والجهاد من جانب آخر، ذلك أن استعادة ارتباط القضية الفلسطينية بمحيطها بعد الثورات الراهنة بات مرهونا بالقوى الرئيسة في الثورة ولا يبدو أن هذه القوى ذات توجهات قومية وحدوية أو حتى وطنية خالصة، وإن كانت الهوية الدينية تطغى على غيرها من الهويات إلا أن (الثورات العربية) استنهضت الطائفية والإثنية أيضا، وبالتالي قد تدخل القضية الفلسطينية في متاهات غير مسبوقة.
سنقارب الموضوع من خلال المحاور التالية:-
أولا: القضية الفلسطينية من ثنائية الوطنية والقومية لثنائية الوطنية والإسلام
ثانيا: تحولات الهوية ومستقبل الصراع العربي الإسرائيلي
المحور الأول
القضية الفلسطينية من ثنائية الوطنية والقومية لثنائية الوطنية والإسلام
تاريخيا حدث تلازم ما بين القضية الفلسطينية ومحيطها العربي والإسلامي، حيث تزامن فكر النهضة العربية الإسلامية نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مع ظهور الحركة الصهيونية، ففي عام 1905 كتب نجيب عازوري [1] في كتابه (يقظة العرب): "هناك حادثان هامان من طبيعة واحدة ولكنهما متعارضان، وهما يقظة الأمة العربية والجهد اليهودي الخفي لإنشاء مملكة إسرائيل القديمة من جديد وعلى مقياس أوسع، إن مصير هاتين الحركتين هو الصراع المستمر إلى أن تغلب إحداهما الأخرى" [2] .كما أن ظهور القضية الوطنية الفلسطينية بداية القرن العشرين لم يكن منقطع الصلة بظهور الحركة القومية العربية من جانب وبالمخططات الاستعمارية لتقسيم المنطقة العربية والهيمنة عليها من جانب آخر.[3]
منذ ذلك التاريخ والقضية الفلسطينية دون غيرها من القضايا العربية يلازمها الحديث عن (البعد القومي للقضية الفلسطينية)، وكان هذا البعد حاضرا بشكل أو بآخر طوال مسيرة القضية [4]، كما كان المسلمون ينظرون بقدسية لمدينة القدس وبعضهم يعتبر فلسطين وقفا إسلاميا أو الأرض المباركة الخ، إلا أن المشروع الإسلامي الذي تم التعبير عنه في النصف الأول من القرن العشرين من خلال جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير لم يضع القضية الفلسطينية على سلم اهتماماته كما أن هاتين الحركتين لم تدخلان في مواجهات مباشرة لا مع الكيان الصهيوني ولا مع الغرب الاستعماري كما أنهما لم يطبعا الحياة السياسية والثقافية العربية بطابعهما فاستمرت المنطقة تسمى المنطقة العربية أو العالم العربي والحديث يدور عن الوحدة العربية والمصير العربي.
كانت أية تحولات أو متغيرات كبيرة تحدث في العالم العربي تنعكس مباشرة على القضية الفلسطينية، فعندما تنتكس الحركة القومية والثورية العربية تنتكس القضية الفلسطينية وعندما تنهض الحالة العربية تنهض معها القضية،فما كانت فلسطين تضيع وتحدث النكبة عام 1948 لو لم تكن الأنظمة العربية عاجزة بل ومتواطئة مع بريطانيا والغرب،وما كانت الحركة الوطنية الفلسطينية تعرف نهوضا مع حركة فتح وبقية القوى الوطنية منتصف الستينيات لولا حالة المد الثوري والتقدمي العربي مع جمال عبد الناصر، في المقابل فإن الانتكاسات التي أصابت القضية الفلسطينية أخيرا غير منقطعة الصلة بتراجع الحالة الثورية والتقدمية العربية منذ توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل ثم انهيار النظام الإقليمي العربي بعد حرب الخليج الثانية. ومن هنا فإن أي نهوض وتغيير تشهده المنطقة سيكون لها تداعيات على القضية الفلسطينية، ولكن هذه التداعيات مرتبطة بالحوامل الاجتماعية والسياسية وبالتوجهات الفكرية للقوى التي ستقود عملية التغيير وتتسلم مقاليد الحكم ما بعد نجاح الثورة.
ثورات خارج سياق الهوية والثقافة الوطنية والقومية
مع تراجع الحركة القومية العربية ومع أزمة اليسار المتفاقمة تزايدت شعبية جماعات الإسلام السياسي التي كانت في حالة كمون وتعمل على التوغل اجتماعيا واقتصاديا، وبدأ الخطاب الإسلامي يطغى على الخطاب القومي وحتى الوطني مستحضرا معه الطائفية والمذهبية حتى داخل البلد الواحد. كما وظف بعض القوميين القضية الفلسطينية وظفها الإسلاميون حيث كانت المظاهرات والمسيرات التي ينظمها الإسلاميون دعما لفلسطين وتنديدا بالممارسات الصهيونية فرصة لتبرز هذه الجماعات قوتها في الشارع ولتستقطب مزيدا من الأتباع.
وجدت قطاعات لا ياستهان بها من الجماهير العربية في جماعات الإسلام السياسي الإطار الذي يمكن أن يمثل الجدار الأخير في مواجهة (الأعداء)، إلا أن الإسلام السياسي منقسم على نفسه في البرامج وآليات العمل وفي موقفه من القضية الفلسطينية وإسرائيل، فمن تنظيم القاعدة وجماعات السلفية الجهادية التي لا تؤمن بالعمل الوطني وتعلن وتمارس سياسة معادية لواشنطن وإسرائيل، إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تسعى لمصالحة ما بين العمل الإسلامي ألأممي والعمل الوطني وترتبط بواشنطن والغرب بعلاقة جيدة ولا تعلن أو تمارس سياسة معادية لإسرائيل ، وما بينهما حركات إسلامية متعددة الاتجاهات والتصورات.
الإسلام السياسي والغرب: بين نظرية المؤامرة والواقعية السياسية
لأن الثورة فعل اجتماعي/سياسي مركب ومعقد، وفي حالة كالحالة العربية حيث المنطقة محط أنظار العالم ومحل تطلعات هيمنية للدول الكبرى، وحيث غالبية دول المنطقة فقيرة وتعتمد اعتمادا كبيرا على الدعم الخارجي واقتصادها مرتبط بالغرب، فإن سيرورة الأحداث في المنطقة لا تسير بفعل القوى الذاتية للشعوب ونخبها السياسية فقط، بل للتأثيرات وتدخلات القوى الخارجية دورا فيها، سواء كانت تدخلات مباشرة كما جرى في ليبيا ويجري اليوم في سوريا، أو تدخلات غير مباشرة كما هو الحال في مصر. في جميع الحالات (الثورية) السابقة فإن من وصلوا للسلطة – عدا بعض الأحزاب الصغيرة في تونس -لا ينتجون ثقافة معادية للغرب وإن انتقدوا إسرائيل فينتقدونها بتحفظ بل يمكن القول بأن كل جماعات الإسلام السياسي المعتدل – الإخوان المسلمين والسلفيين- تتودد للغرب وخصوصا لواشنطن ولا تناصبه العداء،ولكنها تتفاوت في درجة تقربها للغرب وفي دور الغرب في تأسيسها ودعمها.
وهكذا نلاحظ كثرة الحديث عن دور أمريكي غربي في توجيه مسار الثورات العربية وركوب موجتها ودعمها لوجستيا وخصوصا من خلال الإعلام الغربي أو العربي التابع، وأن هدف التدخل الأمريكي تنفيذ إستراتيجية أمريكية تقول باستيعاب الإسلام المعتدل ودمجه بالحياة السياسية، أو خلق حالة من الفوضى البناءة تُمكِن واشنطن من إعادة بناء الشرق الأوسط مجدد تحت عنوان الشرق الأوسط الكبير أو الجديد بما يمكنها من تصفية كل من يشكل تهديدا لمصالحها الإستراتيجية الآنية أو المستقبلية أو تهديدا لإسرائيل.
وعليه يجب إعادة النظر في الأفكار المسبقة عن الثورات كما اختزنها العقل السياسي العربي باعتبارها فعلا جماهيريا شعبيا حر الإرادة معاد بالضرورة للاستعمار والامبريالية وللغرب ولإسرائيل، أو أنها ثورة تقودها الجماهير لمواجهة أنظمة ملكية أو رجعية موالية للغرب، أيضا إعادة النظر في تصورنا بأن الشعوب العربية ما زالت تنظر لواشنطن وللغرب باعتبارهم قوى في عداء كامل مع العرب والمسلمين (الحرب الحضارية أو الصليبية كما روج لها البعض). بدلا من ذلك يجب النظر بعقلانية وواقعية إلى ما يجري حتى وإن كان واقعا محفوفا بمخاطر الانزلاق لمتاهات غير مسبوقة في خطورتها.
الواقع السياسي السائدة اليوم يقول بأن جماعات الإسلام السياسي لا تضع على رأس سلم اهتماماتها معاداة واشنطن والغرب ولا القضايا الكبرى كالوحدة العربية أو تحرير فلسطين الخ، بل تريد السلطة، وفي مسعاها هذا مستعدة للتعاون أو التحالف مع أي طرف خارجي سواء كان الناتو أو واشنطن أو تركيا أو أنظمة عربية محافظة موالية للغرب وتنفذ سياساته. والواقع السياسي يقول أيضا بأن الغرب الذي يحكمه مبدأ (لا توجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل مصالح دائمة) مستعد للتحالف أو التعامل مع أي حزب أو جماعة عربية أو إسلامية مستعدة للحفاظ على مصالحه في المنطقة والبحث عن قواسم مشتركة بين الطرفين.[5]
في هذا الإطار يمكن فهم وتفسير ما يمكن تسميته بالتحالف الخفي بين جماعة الإخوان المسلمين وواشنطن. ذلك أن تاريخ الأخوان المسلمين يدل على أنهم منذ نشأتهم لم يكونوا معادين أو متصادمين مع الغرب سواء مع بريطانيا في بداية نشأتهم أو واشنطن لاحقا، وعندما كان الغرب يخوض حربا ضروسا في مواجهة ما يسميهم (المتطرفون الإسلاميون) وكان يقتل الأبرياء في العراق وأفغانستان،كانت عواصم الغرب تحتضن قيادات الإخوان وتقدم لها كل ما يساعدها على الانتشار والتمكين في بلدانها الأصلية بل ضغطت على الأنظمة القائمة لتُشرك الأحزاب الدينية في الحياة السياسية من خلال الانتخابات – أشرفت السفارات الأمريكية في الأردن والمغرب ومصر بشكل مباشر في الحوارات بين الأنظمة والجماعات الإسلامية قُبيل الانتخابات التي شهدتها هذه البلدان منتصف العقد الماضي - .ما جعل الالتقاء أو التحالف الخفي بين الطرفين ممكنا هو التحول في الإستراتيجية الأمريكية في السنوات الأخيرة.
ومع ذلك يجب عدم المبالغة عند الحديث عن صعود الإسلام السياسي المعتدل، وبالتالي عدم الخلط ما بين مظاهر التدين الواضحة في المجتمع العربي أو الثقافة الدينية الشعبية من جانب، وسيطرة جماعات الإسلام السياسي بأيديولوجيتها وثقافتها من جانب آخر، ظاهرة التدين أو التوجه نحو القيم المحافظة واضحة وممتدة في كل ربوع العالم العربي، ولكن هذا لا يعني أن الجماهير العربية تتبنى أيديولوجية جماعات الإسلام السياسي وخصوصا الإخوان المسلمين، وقد لاحظنا كيف أن صعود الإسلام السياسي للسلطة وحالة التأييد التي اكتسبها لم تستمر طويلا، سواء في مصر أو تونس أو فلسطين، ففي هذه النماذج الثلاثة أفل بريق وتأييد الجماعات الإسلامية وخصوصا الأخوان بسرعة، وهذا ما نلاحظه في مصر من خلال ما حققه محمد شفيق وحمدين صبحي في الانتخابات الرئاسية أو النجاح الواضح للقوى الوطنية والليبرالية في انتخابات الاتحادات الشعبية التي جرت في الربع الأول من العام الحالي، وفي فلسطين من خلال مهرجان حركة فتح في قطاع غزة يوم الرابع من يناير الماضي حيث خرج أكثر من نصف سكان القطاع منددين بحكم حركة حماس .
نعم هناك صعود واضح لجماعات الإسلام السياسي ولكن يجب عدم المبالغة في تقييم هذا الصعود من خلال الحديث عن هيمنة جماعات الإسلام السياسي وخصوصا الإخوان المسلمين وهو ما تقوم به فضائيات عربية كالجزيرة وفضائيات الجماعات الإسلامية وكذلك فضائيات غربية ناطقة بالعربية خصوصا هيئة الإذاعة البريطانيةـ فهذه الجماعات لم تصل للسلطة من خلال ثورة شعبية إلا في دولتين: تونس ومصر، ولم تكن في نفس قوة الحضور في ليبيا كما أن من أسقط القذافي هو حلف الأطلسي ودول عربية تابعة له وليس الشعب، والصورة مبهمة في سوريا والبحرين، وفي فلسطين سيطرت حركة حماس على قطاع غزة من خلال انقلاب دموي، بمعنى أن جماعات الإسلام السياسي غير مسيطرة إلا في أربعة دول عربية من 22 دولة، وحضورها في هذه البلدان مأزوم وفي حالة تراجع واضح .
المحور الثاني
تحولات الهوية ومستقبل الصراع العربي الإسرائيلي
الثقافة السياسية الدينية الشعبية تجاه فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي الموجودة عند عامة الشعب ليست نفسها الثقافة السياسية الدينية عند جماعات الإسلام السياسي التي وصلت للسلطة في إطار معادلة الشرق الأوسط الجديد كما أسلفنا. إسلاميو السلطة الجُدد يمارسون سياسة براغماتية تجاه القضايا المصيرية وخصوصا القضية الفلسطينية بدون رؤية إستراتيجية واضحة أو توجه للحل السياسي. لذلك فإن أخشى ما نخشاه أن الفلسطينيين، شعبا وقضية تحرر وطني سيدفعون ثمن وصول وإيصال الإسلام السياسي المعتدل– خصوصا جماعة الإخوان المسلمين- للحكم في إطار أكبر تخطيط استراتيجي غربي /إسلام سياسي عبر التاريخ، تشارك فيه حركة حماس باعتبارها امتداد لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين.
إن كانت مؤشرات التنسيق بين الطرفين تعود لسنوات خلت حيث بداياتها مع العلاقة الخاصة التي ربطت جماعة الإخوان المسلمين في بداية ظهورها مع مراكز القرار الإستراتيجية في بريطانيا ثم تواصلت مع واشنطن وحلف النيتو منذ خمسينيات القرن الماضي لمواجهة الخطر الشيوعي في المنطقة، إلا أن أهداف هذا التحالف تغيرت من مواجهة الخطر الشيوعي إلى مواجهة خطر الإسلام المتطرف[6] ومنه إلى السيطرة الإستراتيجية الكاملة على المنطقة. وعليه فهدف تحالف الغرب /الإخوان المسلمين يتجاوز إسقاط أنظمة دكتاتورية أو تأسيس أنظمة ديمقراطية.
ما يجري اليوم في العالم العربي والشرق الأوسط سيعيد ترتيب الأوضاع الجيوسياسية والهوياتية في المنطقة على عدة مستويات أهمها أنه سيجعل المنطقة العربية والشرق الأوسط كله منطقة نفوذ لواشنطن ولحلف الناتو ولإسرائيل، من خلال تجديد أنظمة الحكم والتحالفات في المنطقة بما سيعزز ويؤمن مصالح الغرب لسنوات قادمة، وهي سيطرة ستؤدي أيضا لتعزيز مكانة الغرب في صراعه الاستراتيجي مع منافسيه وخصومه الدوليين الحاليين والمستقبليين كروسيا والصين وأية قوة اقتصادية أو عسكرية صاعدة، ومع إيران إن ساءت العلاقة بينهم. لو اقتصرت نتائج هذه الإستراتيجية أو المعادلة الجديدة في المنطقة على إسقاط بعض الأنظمة الدكتاتورية التي انتهت صلاحيتها لهان الأمر وربما وجدنا عذرا لقوى الإسلام السياسي في التنسيق مع واشنطن، إلا أن الخطورة أن هذه الإستراتيجية تستهدف القوى التحررية والوطنية والقومية والديمقراطية الحقيقية وتستهدف المشروع الوطني التحرري الفلسطيني سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر.
وهكذا من ليبيا إلى مصر مرورا بتونس وسوريا فإن حركات الإسلام السياسي، التي وصلت إلى السلطة أو شاركت فيها أو تسعى لها، تشارك بوعي أو بدون وعي بجريمة التضحية بالمشروع الوطني الفلسطيني مقابل وصولها إلى السلطة. صحيح أن المشروع الوطني بشقيه المقاوم والمفاوض كان يمر بمأزق بسبب التعنت الإسرائيلي والتواطؤ الأمريكي والتخاذل العربي بالإضافة إلى فشل وعجز السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية عن القيام بواجباتهم الوطنية، إلا أن الفلسطينيين والشعوب العربية لم تكن تنتظر من يطلق رصاصة الرحمة على المشروع الوطني بل كانوا يأملون أن سقوط زعماء تأمروا على الفلسطينيين وتاجروا بقضيتهم سيؤدي لإنقاذ المشروع الوطني الفلسطيني واستنهاض حالة شعبية ورسمية عربية مناهضة لإسرائيل وحلفاء إسرائيل وخصوصا واشنطن، ويأملوا التراجع عن كل الاتفاقات والتفاهمات والعلاقات التي كانت تربط العرب بإسرائيل، وكذلك إعادة النظر بالتحالف الأمني والعسكري مع الغرب وإعادة النظر بالقواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، كل ذلك تمهيد لإعادة تشكيل دول الطوق حول فلسطين ووضع إستراتيجية لتحرير الأراضي العربية المحتلة عام 1967 إن لم يكن أكثر من ذلك. أليس هذا هو الحلم العربي طوال العقود الموالية لهزيمة 67؟ وما قيمة ربيع عربي أو ثورات عربية إن لم يتم رد الاعتبار للإهانة التي لحقت بالعرب عام 67؟
مع كامل الاحترام والتقدير للشعوب العربية التي قامت بالثورة فإن سقوط الحكام المستبدين لم يكن فقط بفعل الحراك الشعبي بل نتيجة دخول أطراف أخرى على خط الثورة، أطراف داخلية – جماعات إسلامية وخصوصا جماعة الإخوان المسلمين - وأطراف خارجية –واشنطن وحلف الناتو– .أطراف تلاقت مصالحها لتوجيه الأمور ضمن معادلة جديدة يتم تخريجها وكأنها انتصار للثورة. ما كان لجماعة الإخوان المسلمين أن تصل للسلطة أو تشارك فيها لو لم تكن تفاهمات مسبقة بينها وبين واشنطن على عدم الإخلال بالوضع القائم بين إسرائيل والعرب، أيضا أن تشجع جماعة الإخوان المسلمين حركات المقاومة الفلسطينية التابعة لها على تهدئة الأوضاع مع إسرائيل. ومن هنا نلاحظ أن كل قوى المعارضة (الإسلامية) وخصوصا إخوان مصر أرسلت رسائل مزدوجة، رسائل لواشنطن بأنها غير معادية للغرب ولمصالحه وتواجده في المنطقة، والكل تابع الاتصالات والزيارات التي قام بها ممثلون عن هذه الجماعات للسفارات الأمريكية في بلدانهم ولواشنطن ولعواصم الغرب للتنسيق معها وطمأنتها على التزامها بمصالحها في المنطقة، أيضا أرسلت هذه الجماعات رسائل عبر واشنطن وعبر ممثلي اليهود في واشنطن لإسرائيل بأنها تحترم الاتفاقات الموقعة معها وبالتالي تستمر باعترافها بوجود إسرائيل.
مما لا شك فيه أن الوضع في دول ما يسمى (الربيع العربي) سيكون مختلفا عما كان عليه سابقا، والشعوب العربية هي المعنية بتقييم والحكم على هذا التغيير سلبا أو إيجابا، كما أنها صاحبة الحق في اختيار نظامها السياسي وتوجهاته السياسية والأيديولوجية، ونحن مع إرادة الشعوب العربية. ما يعنينا كفلسطينيين أن لا ندفع ثمن الصراع على السلطة وعلى تقاسم النفوذ في العالم العربي، ما يعنينا وما يجب عدم السكوت عنه أن تستمر النخب والحركات السياسية العربية في توظيف قضيتنا ومعاناة شعبنا كأدوات للوصول إلى السلطة وتتكرر تجربتنا مع القوى والأنظمة القومية والثورية التي صادرت قضيتنا وقرارنا المستقل لأربعة عقود، فانتكست وانتكست قضيتنا معها. لا نريد أن نخرج من سطوة أنظمة مستبدة تاجرت بالقضية وساومت عليها تحت شعارات وأيديولوجيات قومية ووطنية وثورية الخ، إلى أنظمة إسلامية تضحي بالمشروع الوطني الفلسطيني وبحقنا في دولة مستقلة تحت شعار المشروع الإسلامي أولا، أو تبرير مهادنتها وتحالفها مع واشنطن وإسرائيل بضرورات بناء الوضع الداخلي أولا.
محاولات (أسلمة) المشهد السياسي والثقافي العربي سيكون لها تداعيات مباشرة وآنية وأخرى إستراتيجية على المشروع الوطني الفلسطيني بشقيه، مشروع المقاومة والجهاد، ومشروع التسوية السلمية، وبالتالي على خيار حل الدولتين.
1-التداعيات على مستوى العلاقات الشعبية
إن كان كمبدأ عام أن الأحزاب السياسية عند وصولها إلى السلطة لا تلتزم بالشعارات التي كانت ترفعها وهي في المعارضة، إلا انه كان متوقعا أن تكسر القوى الإسلامية هذا المبدأ لان القضية الفلسطينية ليست مجرد شعارات وقضية للتوظيف السياسي، بل قضية مبدئية تصل إلى مرحلة القداسة في أيديولوجيتها الدينية، وللأسف نهجت جماعات الإسلام السياسي نهج سابقيها في التعامل مع القضية الفلسطينية، الأمر الذي أدى لتراجع مركزية القضية الفلسطينية عند الجماهير والأنظمة في البلدان التي تنتمي إلى ما يسمى بالربيع العربي، وهذا على عكس ما كان متوقعا. والأخطر من ذلك انتشار سياسة معادية للفلسطينيين عند الجماهير التي تحكمها جماعات الإسلام السياسي.
كما أن انشغال الأنظمة والجماهير بالشأن الداخلي الاقتصادي والصراع على السلطة أدى لتوظيف سلبي وخصوصا في الحالة المصرية حيث أن العلاقة الأيديولوجية بين حركة حماس الحاكمة في قطاع غزة وجماعة الإخوان المسلمين المسيطرة في مصر دفع قوى المعارضة المصرية لاتهام حركة حماس بالتدخل في الشأن الداخلي المصري، سواء من خلال اتهامها بالقيام بعمليات عسكرية داخل الأراضي المصرية تخدم جماعة الإخوان وتهدد الأمن القومي المصري، أو اتهامها بتدريب عسكري لعناصر من الإخوان والجماعات المصرية داخل قطاع غزة. وبالرغم من عدم وجود أحكام قضائية أو معلومات مؤكدة حول ذلك إلا أن هذه الاتهامات أدت لحالة غير مسبوقة من تحريض الشعب المصري ضد الفلسطينيين.[7]
2- إحياء مشاريع صهيونية واستعمارية قديمة
ما أثار تخوفات عند القوى الوطنية المصرية صدور تصريحات لقادة من الإخوان تم تفسيرها وكأنها دعوة لتمكين حركة حماس من مد سلطتها داخل مصر وتحديدا في سيناء [8]، وهو الأمر الذي استحضر مخططا إسرائيليا قديما لتسوية المشكلة الفلسطينية في ظل انغلاق أفق التسوية على قاعدة حل الدولتين الذي نادت به خطة خارطة الطريق، حيث طرح رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي آنذاك جيورا آيلاند في عام 2004 خطته التي تدعو لتوسيع قطاع غزة نحو سيناء للتخلص من الكثافة الفلسطينية في القطاع والتي تهدد بانفجار في وجه إسرائيل، وكحل لمشكلة اللاجئين. وتقوم الخطة على توسيع قطاع غزة نحو سيناء بحوالي 600 كم لتأسيس دولة غزة الموسعة مقابل منح مصر أراضي بديلة في النقب[9]. هذه التخوفات في الجانب المصري يقابلها تخوفات في الجانب الأردني من خلال إحياء فكرة الكونفدرالية ما بين الضفة والأردن [10].
بالرغم من أن هذه المخططات قديمة إلا أنها لم تجد طريقا للتنفيذ لأن النظامين الحاكمين في مصر والأردن لا يستطيعان تنفيذ هذه المخططات حتى لا يتم اتهامهما بالتعاون مع إسرائيل وواشنطن لتصفية القضية الفلسطينية، ولأن الايدولوجيا الوطنية في البلدين لا تسمح بتمرير هكذا مخططات. لكن بعد وصول جماعات الإسلام السياسي المدعومة من الغرب بعد ثورات شعبية، ولأن الإيديولوجية الدينية لهذه الجماعات لا تعير كثير اهتمام للدولة الوطنية والحدود وتنظر للمسلمين كأمة واحدة،فقد تخوف البعض أن يتم تمرير هذه المخططات تحت شعارات دينية وبذريعة رفع المعاناة عن قطاع غزة. إلا أننا نعتقد بأن الحس الوطني عند الجماهير المصرية والعقلاء في النظام المصري لن يسمحوا بتمرير هكذا مخططات والاهم من ذلك أن الفلسطينيين أنفسهم يرفضون الفكرة مع التأكيد أن حماس ليست كل الفلسطينيين ولا تمثل الفلسطينيين. الطريق الوحيد لتنفيذ هكذا مخططات لن يكون إلا من خلال خلق حالة من الفوضى داخل مصر والانفلات الأمني في سيناء مما يؤدي لإرخاء قبضة الدولة المصرية على سيناء وربما تدخل عسكري إسرائيلي تحت ذريعة الحفاظ على امن إسرائيل، آنذاك يمكن تمرير مثل هكذا مخطط ضد رغبة الشعبين المصري والفلسطيني، ونفس الأمر بالنسبة للأردن من خلال خلق حالة من الفوضى أو (الثورة ) تُمكن جماعات إسلامية من الوصول للحكم ثم تمرير مخطط الكونفدرالية بصيغة دينية.
3- حالة ألا حرب وألا سلم
لأن المخططات السابقة غير قابلة للتطبيق على المدى القريب، وفي نفس الوقت فإن إسلاميو السلطة الجُدد غير راغبين أو قادرين على الدخول في مواجهة مع إسرائيل خشية من غضب واشنطن والغرب وهم الذين يؤمنون بقائهم في السلطة، فإننا نعتقد أنهم يسعون للتوصل لتفاهمات مع الغرب وإسرائيل من خلال سياسة استمرار الالتزام بالاتفاقات والأوضاع السابقة التي تربط بلدانها بإسرائيل أو نهج سياسة ألا حرب وألا سلم مع إسرائيل تحت ذريعة الاهتمام بالوضع الداخلي أو بناء دولة التمكين الخ. كثيرة المؤشرات التي تدل على هذا التوجه، منها التزام مصر مرسي باتفاقية كامب ديفيد، والتطمينات والضمانات التي توصلت بها واشنطن من جماعة الإخوان المسلمين في مصر والأردن وحركة النهضة في تونس والمعارضة السورية، بأن هذه القوى لن تدخل في حرب مع إسرائيل ولن تقوم بما يمس المصالح الإستراتيجية للغرب في المنطقة.
حالة ألا حرب وألا سلم تعني أيضا إدارة الصراع وليس حله، معنى هذا أن جماعات الإسلام السياسي لن تقترب من الخطوط الحمراء التي حددتها واشنطن وإسرائيل كالالتزام بعملية التسوية وعدم دعم الجماعات المسلحة التي تحارب إسرائيل، ونعتقد أن أوضح تجلي للسياسة الجديدة لهذه الأنظمة هو التزامها بمبادرة السلام العربية وبسياسة جامعة الدول العربية في التعامل مع القضية الفلسطينية، بل يمكن القول إن موقف دول ما يسمى بالربيع العربي من القضية الفلسطينية نفسه سقف قطر ودول الخليج العربي.
4- محاصرة وتصفية المقاومة المسلحة في فلسطين
حالة ألا حرب وألا سلم لا تستقيم مع استمرار خيار المقاومة أو الجهاد،فدول الربيع العربي الأمريكي غير مستعدة لإثارة حفيظة إسرائيل وواشنطن، ولذا ربما تستمر في رفع شعارات دعم المقاومة والجهاد في فلسطين ولكن عمليا ستعمل على قطع صلتها أو التخفيف منها مع الجماعات الجهادية في فلسطين، وقد لاحظنا ذلك من تدخل الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين بالضغط على حركات المقاومة في غزة لوقف إطلاق الصواريخ خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة بل وحثها على القبول بتهدئة مع إسرائيل غير مسبوقة في شروطها المذلة للشعب الفلسطيني وللمقاومة .[11]
تعمل جماعات إسلام السلطة وبموافقة بل بطلب من حركة حماس على إخراج الحركة من المحور الذي كان يسمى محور المقاومة والممانعة الذي كان يضم سوريا وإيران إلى محور الاعتدال الذي تقوده اليوم قطر والسعودية ومصر نفسها، ويبذل هذا المعسكر جهودا لإخراج حركة حماس من قائمة الإرهاب، ومن المعلوم أن هذا الخروج لن يكون إلا من خلال وقف العمليات المسلحة ضد إسرائيل – وهذا ما حدث بعد توقيع اتفاقية الهدنة – وإغلاق مصر للأنفاق بينها وبين قطاع غزة لا يخرج عن هذه المحاولات .
5- إضعاف فرص نجاح حل الدولتين من خلال دعم مشروع دولة غزة
لأن أنظمة وجماعات الإسلام السياسي – كما أسلفنا- غير راغبة أو غير قادرة على الدخول في مواجهات مع إسرائيل لتحرير فلسطين أو لإجبارها على الالتزام بالحقوق الفلسطينية في القدس واللاجئين والضفة، ولأنها في نفس الوقت تشعر بالحرج بسبب المواقف الشعبية المتعاطفة مع الفلسطينيين، فقد اختزلت دعمها للفلسطينيين بالمطالبة والعمل على رفع الحصار عن غزة وتسيير القوافل لغزة وجمع التبرعات لغزة الخ، متجاهلة أن غزة جزء صغير من فلسطين – مساحة قطاع غزة 1,5% من مساحة فلسطين -. ويبدو أن هذه الأنظمة استسهلت التعامل مع القضية الفلسطينية من بوابة رفع الحصار عن غزة بدلا من التعامل معها كقضية صراع عربي إسرائيلي وحتى كصراع فلسطيني إسرائيلي، فثمن سياساتها لرفع الحصار عن غزة سيكون أقل كلفة مما لو نهجت سياسة المواجهة مع إسرائيل وواشنطن من خلال المطالبة بتحرير فلسطين أو حتى وقف السياسة الاستيطانية والتهويدية في القدس.
لا أحد يؤيد استمرار الحصار على غزة، ولكن علينا التذكير بأن الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة جزء من مخطط سياسي استراتيجي يرمي لفصل غزة عن الضفة وتدمير خيار حل الدولتين وتدمير المشروع الوطني الفلسطيني الذي يقول بقيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة عاصمتها القدس، وبالتالي فالمخططون الإسرائيليون يريدون رفع الحصار بعد أخذ الثمن في إطار صفقة سياسية أو تسوية سياسية يجري الإعداد لها، سيرفعون الحصار عن القطاع عند استكمال حلقات هذا المخطط الذي يحقق نجاحات على الأرض. يبدو أنه حدث تقاطع ما بين هذا المخطط الإسرائيلي وحركات سياسية عربية تسعى لرفع الحصار عن القطاع ولكن ضمن رؤيتها السياسية الخاصة المتعارضة مع المشروع الوطني الفلسطيني. الانقسام الذي يؤسس لإمارة أو دولة غزة جزء من إستراتيجية تقاطع المصالح السالفة الذكر، وهو انجاز متقدم لما يسمى (الربيع العربي) ولذا تعمل كل القوى الفاعلة في المعادلة المُشار إليها على تكريس الانقسام ودعم مشروع دولة غزة. وهذه الجهات تعتبر رفع الحصار عن القطاع، حتى إن أدى لتكريس فصل غزة عن الضفة وتكريس كيان سياسي منفصل في غزة، نصرا لمشروعها الإسلامي العالمي، وهذه الأطراف لا ترى في مسعاها هذا خيانة للقضية الفلسطينية بل مدخلا مغايرا للتعامل مع القضية ومع الصراع في المنطقة، ومسعى هذه الأطراف يجد قبولا تكتيكيا من مراكز قرار أمريكي.
الخاتمة
مفارقة خطيرة تسترعي التوقف عندها، أنه في زمن ما يسمى بالربيع العربي يتزايد النفوذ الأمريكي والغربي في المنطقة العربية بحيث لم تعد ولو دولة واحدة خارج إطار هذا النفوذ، وأنه في زمن ما يسمى بالربيع العربي يزداد الاستيطان الإسرائيلي والتهويد في الضفة والقدس وتدنيس المقدسات بشكل غير مسبوق، كما يزداد الوضع المالي والاقتصادي تدهورا، بل حتى الجهود العربية لإتمام المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام توقفت.
هناك تخوفات أن تؤدي الثورات العربية ووصول الإسلاميين للحكم إلى عودة المشروع الوطني لنقطة الصفر من خلال عودة المراهنة على الخارج لإنجاز الحقوق الفلسطينية. فقد ناضل الفلسطينيون طويلا لتحرير القضية من الوصاية الرسمية للأنظمة العربية التي كانت تعمل تحت عنوان قومية القضية وانتزع الفلسطينيون استقلالية قرارهم الوطني، واليوم يتم عودة القضية مجددا ولكن لبعد إسلامي غير واضح المعالم، ويتم الانتقال من (الوحدة العربية الطريق لتحرير فلسطين) إلى (الوحدة الإسلامية الطريق لتحرير فلسطين) أو (الإسلام هو الحل) .
* - أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة
[1] - نجيب عازوري عربي مسيحي من فلسطين، عمل كمسؤول في الإدارة العثمانية في متصرفية القدس ما بين 1898-1904.
[2] - أسعد رزوق، إسرائيل الكبرى: دراسة في الفكر التوسعي الصهيوني، ط 2، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1973، ص 145.
[3] -تفاهمات واتفاقات متزامنة تقريبا ربطت مصير القضية الفلسطينية بالحالة العربية :تقرير كامبل بنرمان 1907، الثورة العربية الكبرى ومحادثات حسين مكماهون 1915، اتفاقية سايكس – بيكو 1916،وعد بلفور 1917، تفاهمات فيصل – وايزمان 1919 .
[4] - أنظر حول الموضوع : إبراهيم أبراش، البعد القومي للقضية الفلسطينية: فلسطين بين القومية العربية والوطنية الفلسطينية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1987 .
[5] - كثيرة هي الشواهد التي تؤكد على تقاطع مصالح بين جماعات إسلام سياسي والغرب وخصوصا واشنطن. فقد تحالفت واشنطن مع ثورة المجاهدين الأفغان في مواجهة الإتحاد السوفيتي بل دعمت ومولت بشكل مباشر أو من خلال دول الخليج تنظيم القاعدة في تلك المرحلة، وفي العام الموالي 1979 وقفت واشنطن في مواجهة الثورة الإيرانية التي رفعت شعارات معادية للغرب ومهددة لمصالحه في المنطقة، ولكن اثناء العدوان الغربي على العراق جرى تقاطع مصالح مع إيران لإسقاط نظام صدام حسين.
[6] - من مؤشرات ذلك دخول الجيش المصري في عهد حكم الاخوان في مواجهات مع الجماعات الدينية المتطرفة في سيناء، وقبل ذلك قيام حركة حماس يوم 14 أغسطس 2009 بهجوم دموي على جماعة الشيخ السلفي عبد اللطيف موسى في مسجد إبن تيمية في مدينة رفح الفلسطينية حيث تم تدمير المسجد وقتل حوالي ثلاثين من اتباع الشيخ بما فيهم الشيخ عبد اللطيف نفسه، وفي العراق يجري امر مشابه. تحدث هذه المواجهات بين الإسلام السياسي (المعتدل ) والإسلام السياسي (المتطرف ) في ظل صمت ومباركة امريكية .
[7] - تكرار تصريحات قادة حركة حماس بان الحركة جزء من جماعة الإخوان المسلمين والدعم غير المتناهي للحركة لجماعة الإخوان المسلمين في مصر والاحتفالات التي جرت في غزة ابتهاجا بفوز مرسي، إن كانت هذه التصرفات تثير غضب القوى الوطنية والقومية في مصر، فإنها في المقابل تجد رفضا من القوى الوطنية الفلسطينية لأن الوطنيين الفلسطينيين يرفضون أن يحكمهم حركة تقول بأنها تابعة لمركز خارجي، فهذا القول يعني ان قرار حركة حماس ليس بيدها بل بالمركز الأم وبالتالي لا يوجد استقلالية للقرار الوطني وهذا ما نرفضه كوطنيين فلسطينيين.
[8] - أثارت تصريحات للقيادي في جماعة الإخوان المسلمين صفوت حجازي في بداية ديسمبر 2012 بخصوص توطين الفلسطينيين في سيناء ردود فعل غاضبة من قوى المعارضة المصرية، ومع أن صفوت حجازي انكر التصريحات المنسوبة إليه إلا أن الموضوع أثار تخوفات كثيرة في الشارع المصري وخصوصا أنها تزامنت مع تسهيلات على معبر رفح الحدودي وتوتر الأوضاع الأمنية في سيناء ووصول طريق المصالحة الفلسطينية لطريق مسدود .
[9] - في السادس من مايو عام 2004 نشرت صحيفة "يديعوت "الإسرائيلية للمرة الأولى ما سمي بـ"خطة التسوية الإسرائيلية الدائمة" التي وضعها رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي "جئيورا آيلاند” والتي تتضمن تسوية إقليمية، وتوسيع قطاع غزة نحو سيناء.. ونشر المشروع في كتاب بمعهد بيكر-السادات في واشنطن عام 2010.
[10] - في فترة زمنية متزامنة مع ظهور خطة غزة الموسعة تم إعادة طرح فكرة الكونفدرالية بداية داخل النخب السياسية الإسرائيلية سواء من خلال خطة جيورا آيلاند نفسه أو داخل الكنيست الإسرائيلية، وبعد ذلك التقى ألأمير الأردني حسن بنخبة من وجهاء نابلس وتحدث معهم بأن فك الأرتباط بين الضفة والأردن الذي جرى عام 1988 كان خطأ كبيرا وغير دستوري وانه يجب إعادة العلاقة بين الضفتين، وفي بداية هذا العام وبعد عودة الرئيس أبو مازن من الأمم المتحدة تحدث في اجتماع مع القيادة الفلسطينية عن فكرة الكونفدرالية مع الأردن طالبا منهم التفكير بالأمر جديا.
[11] - بالرغم من عدم نشر كامل تفاصيل الهدنة التي تم توقيعها يوم 21 فبراير 2012 إلا أن العنوان الرئيس لهذه الاتفاقية هو ( وقف الأعمال العدائية بين الطرفين ) ! وهنا تكمن الخطورة من خلال مساواة العدوان الإرهابي الصهيوني باعمال المقاومة واعتبار مقاومة الاحتلال عدوانا .