لجنة المبادرة العربية: الموافقة على تعديلات واشنطن

بقلم: 

إعلان رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية حمد بن جاسم آل ثاني عن موافقة الدول العربية على مبدأ تبادل الأراضي مع إسرائيل لا يأتي بجديد على الموقف الفلسطيني الذي يقبل منذ وقت طويل بهذا المبدأ، وخاصة منذ مفاوضات طابا وخصوصاً في المفاوضات مع حكومة إيهود أولمرت، حيث حصل خلاف مع أولمرت في حينه على نسبة الأراضي التي تريد إسرائيل ضمها إليها وتبادلها مع فلسطين، في ذلك الوقت كان الخلاف حول ما بين 3-4% الفرق بين ما يقبل به الجانب الفلسطيني وما يطالب به الإسرائيليون. ومع ذلك يبقى السؤال هل من المفيد أن توافق لجنة المتابعة الخاصة بالمبادرة العربية للسلام على إدخال تعديلات على المبادرة في وقت ترفض فيه إسرائيل التعامل معها، وترفض كذلك مبدأ العودة إلى حدود العام 1967 ضمن شروط بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يشترط بالإضافة إلى عدم الانسحاب من كامل الضفة الغربية عدم التخلي عن غور الأردن وحل قضية اللاجئين في إطار الدولة الفلسطينية والاعتراف بإسرائيل وطناً قومياً للشعب اليهودي.

التعديل الذي تحدثت به اللجنة العربية هو مطلب أميركي كان قدم للرئيس محمود عباس خلال زيارة الرئيس أوباما للمنطقة، وهو لم يكن التعديل الوحيد الذي تطالب به واشنطن، بل هناك تعديلات أخرى ترغب بها من قبيل بدء الدول العربية عملية تطبيع العلاقات مع إسرائيل حتى قبل التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين وقبل أن تنسحب من كل الأراضي العربية التي احتلت في العام 1967، وتريد توضيحات بخصوص حل قضية اللاجئين بحيث يجري حلها في إطار الدولة الفلسطينية العتيدة. ولهذا السبب هناك تخوف من أن يكون التعديل هذا مقدمة لتنازلات عربية أخرى بدون وجه حق، بل وبدون أي مقابل. وبما أن القيادة الفلسطينية كانت وما تزال تقبل فكرة تبادل الأراضي بنسب ضئيلة، والإسرائيليون يعلمون ذلك، فلماذا يتم الحديث عربياً عن الموضوع وهو بمثابة الدخول في تفاصيل خارج عن سياق المبادرة العربية للسلام التي تحدثت عن المبادئ العامة للحل.

إسرائيل في ظل نتنياهو لا تعتبر العملية السياسية موضوعاً على أجندتها، وحتى هذا التعديل العربي الذي يستجيب لمطالب الإدارة الأميركية اختلف عليه وزراء وحلفاء نتنياهو بين مرحب مثل الوزيرة تسيبي ليفني ورافض مثل أفيغدور ليبرمان الذي يرى فيه كلاماً لا يعني إسرائيل. ولا يبدو ان الموقف العربي الجديد الذي يثير انفعال ليفني يعني الحكومة بشيء، خصوصاً في ظل الحديث عن مبادرة لعقد اجتماع رباعي يضم كلاً من فلسطين والأردن وإسرائيل والولايات المتحدة. هذا الاجتماع أو القمة التي لا تبدو أهدافها واضحة هل هي مجرد إعلان عن بدء المفاوضات أم أن لها وظيفة أخرى مثل الاتفاق على الهدف النهائي للمفاوضات والمرجعيات التي تحكم عملية التفاوض. وهل لجنة المتابعة العربية توصلت إلى تفاهم ما مع واشنطن غير مسألة جلب الجانب الفلسطيني إلى طاولة المفاوضات؟! في الواقع هناك أشياء كثيرة غير واضحة وتفتح الشهية أمام الكثير من التساؤلات.

وفي الوقت الذي يبدي العرب فيه مرونة جديدة تسارع إسرائيل الى التصعيد في المناطق الفلسطينية تقصف في غزة وتغتال وتطلق يد المستوطنين في الضفة للتنكيل بالفلسطينيين، حيث يرجمونهم بالحجارة ويحرقون حقولهم ويعتدون عليهم وعلى ممتلكاتهم العامة والخاصة وحتى دور العبادة لم تسلم من عدوانهم. وكأن الموقف العربي جاء ليقول لإسرائيل: هناك قبول بوجود هؤلاء المجرمين في أرضنا وإعطاء الشرعية لاستيطانهم ،على الرغم من أن الأشقاء العرب لم يقصدوا ذلك.

وسيكون التعديل العربي على مبادرة السلام مضرّاً فعلاً إذا لم يكن مقروناً باتفاق ما يضمن إنجاح العملية السياسية بدخول العامل العربي بقوة في هذه العملية في ظل ضمانات أميركية جدية. ولكن من التصريحات التي يجود بها المسؤولون الأميركيون يبدو أن المطلوب هو فقط مفاوضات علها تسفر عن اتفاق الطرفين على شيء ما يغير الواقع ، أو يخلق مناخاً من الهدوء يسمح للقوى الدولية بمتابعة الملفات الساخنة الأخرى مثل ملف سورية وإيران وكوريا الشمالية.

وتتابع إسرائيل ما يجري على الساحة السورية لأنه يؤثر عليها ويهدد أمنها خاصة إذا ما انهارت الدولة السورية وسيطرت على بعض مناطقها قوى لا تريدها على حدودها. وتشيع أن النظام السوري استخدم السلاح الكيماوي ضد مواطنيه لأنها تريد أن ترى كيف ستتصرف الولايات المتحدة والقوى الكبرى إزاء ما يقولون: انه تجاوز للخطوط الحمر التي رسمتها واشنطن لنظام الأسد. لكي تعرف ماذا سيحصل مع إيران فيما لو تجاوزت الخطوط الحمر هي الأخرى ومضت على طريق إنتاج اليورانيوم المخصب. أما الصراع مع الفلسطينيين فهو يدار على نار هادئة غير مقلقة ولا تزعج الساسة الإسرائيليون. حتى موضوع غزة لا يحتل اهتماماً كبيراً لدى إسرائيل إلا من زاوية الرد على النيران المنطلقة من هناك ومراقبة تدفق السلاح للقطاع. ولكنها مرتاحة للوضع القائم طالما أنه يوجد عنوان في غزة يتحمل مسؤولية ما يحدث هناك، وهو معني بالعمل من أجل الحفاظ على التهدئة، حتى لو حصلت مناوشات هنا وهناك وقصف متبادل فهذا جزء من إدارة الصراع. ولا شيء يجعل إسرائيل مستعجلة على تغيير الواقع المريح بالنسبة لها على الرغم من مخاطر الانفجار الكامنة فيه. ولعل حادثة حاجز زعترة وما تلاها من تطورات هي دليل على حالة الاحتقان والتوتر التي تلقي بظلال ثقيلة على الوضع في هذه المنطقة.

الدور العربي مطلوب ومتابعة المبادرة العربية للسلام مطلوبة كذلك بهدف تطبيقها وخلق كل ما يمكن من آليات ووسائل ضغط يمكن أن تحشر إسرائيل في الزاوية وتملي عليها الانصياع للغة العقل والمنطق والقبول بالمرجعيات الدولية لملية السلام بما فيها المبادرة العربية، ولكن بين هذا المطلوب وبين مجرد التحرك الذي ينطوي على مرونة قد لا تكون محبذة والذي يريد أن يقول "نحن موجودون" هناك فرق واسع. فأي من الاثنين يريد العرب، وهل يقوون على الخيار الأول؟.

المصدر: 
الأيام