النساء الفلسطينيات: "حقوق منتقصة ومهام مزدوجة"

بقلم: 

 

حين دخلت مكاتب "مركز الدراسات النسوية" في مدينة نابلس في الضفة الغربية كانت مديرة المركز روضة بصير، تقلب في يديها بيانا موجها للرئيس محمود عباس، تراجعه وتعيد صياغته، وتغير كلمة هنا وفقرة هناك، عسى أن يكون تأثيره أفضل من رسائل سابقة وجهت للرئيس من هذا المركز وجمعيات نسوية أخرى تطالبه التدخل لوضع حد للعنف الذي تتعرض له النساء في الضفة الغربية.

وقالت ناشطة أخرى هي بثينة حمدان منسقة حملة "معاً لاستصدار قرار رئاسي يجرم قتل النساء في فلسطين" في مقابلة سابقة مع صحيفة القدس العربي إن الحملة وجهت اكثر من 120 رسالة لعباس الا انه لم يرد ولا على واحدة من تلك الرسائل.

وقد تناقلت وسائل الإعلام المحلية أكثر من جريمة قتل تعرضت لها نساء على أيدي افراد من العائلة في السنوات الأخيرة، تراوحت بين ما يسمى "جرائم الشرف" التي يرتكبها في العادة أحد أشقاء المرأة/الفتاة أو والدها، وجرائم منبثقة عن نزاع عائلي بين الزوج والزوجة.

آخر الجرائم، والتي وقعت في بلدة الرام بالقرب من القدس كانت من الصنف الثاني، حيث أقدم الزوج على طعن زوجته أمام أطفالها الثلاثة، حسب ما روى الجيران للصحافة.

مركز الدراسات النسوية في نابلس هو أحد المنظمات المدنية التي تسعى لتمكين المرأة الفلسطينية ومؤازرتها في وجه العنف والتمييز المؤسساتي، فقد ورد في تقرير التنمية الإنسانية للأمم المتحدة لعام 2009/2010 /الأراضي الفلسطينية المحتلة أن "النساء والفتيات الفلسطينيات في الأراضي المحتلة يعانين تمييزا مؤسسيا وقانونيا واجتماعيا راسخا".

وأورد الباحثون أمثلة على التمييز في مجالات الزواج والطلاق وحضانة الأطفال، والزنا والاغتصاب وجرائم الشرف، حيث يعامل كل من الرجل والمرأة بمعيارين مختلفين، لصالح الرجل.

تمييز

يبدأ التمييز ضد المرأة في رحم الأم، فمنذ اللحظة التي تعرف فيها الأم جنس الجنين إما أن يقابل الخبر بالفرحة في أوساط العائلة إن كان ذكرا، أو بالغم والنكد والحزن إن كان أنثى، كما تؤكد روضة.

وتشير الى بعض الأمثال الشعبية الفلسطينية التي تبرر إهمال العناية بالأطفال الإناث، حيث السائد ان "للبنت سبع أرواح"، وبالتالي فهي تتطلب رعاية صحية أقل من شقيقها الذكر، وترى روضة أن هذا يقف وراء نسبة أكبر من الوفيات في أوساط البنات دون سن الخامسة مقارنة بالأطفال الذكور في نفس السن.

ثم تنمو الفتاة محاطة بالنظرة الدونية التي يكرسها القانون، فعلى سبيل المثال "تحتاج المرأة لكي تتزوج أن تحصل على إذن من ولي أمرها الرجل، ويحق للرجل تطليق زوجته من جانب واحد وشفهيا في حين يطلب من المرأة استخدام نظام المحاكم لطلب الطلاق"، كما ورد في دراسة الأمم المتحدة المذكورة آنفا.

وفي حال حصلت المرأة على الطلاق يحق لها الاحتفاظ بحضانة الأطفال حتى سن التاسعة فقط.

أما الجانب الذي يمارس فيه القانون الإجحاف الأكبر بحق المرأة فهو تعامله مع ما يسمى "بجرائم الشرف"، حيث يحصل الجاني على عقوبة مخففة مقارنة بجرائم القتل العادية.

"معاناة مزدوجة"

وبالرغم من أن ضحايا العنف والمواجهات مع الجيش الإسرائيلي والمستوطنين هم من الرجال بشكل أساسي، حيث بلغت نسبة الرجال الفلسطينيين الذين فقدوا حياتهم منذ عام 2000 حتى تاريخ إعداد الدراسة 94 في المئة، بينما بلغت نسبة السجناء من الرجال 99 في المئة، الا أن المرأة تواجه الأعباء المترتبة على غياب الرجل من رعاية للعائلة وتوفير مصدر للدخل،أي تقوم بمههام الرجل والمرأة معا، كما تقول روضة.

هنا يقدم المركز أشكالا متباينة من الدعم تتراوح بين الدعم المعنوي والمادي والتأهيلي، لمساعدة النساء على مواجهة القدان أولا ومن ثم الأعباء الجديدة، كما يقوم بإجراء دراسات وإعداد تقارير عن وضع المرأة، كذلك يقوم بحملات توعية مجتمعية وتنظيم دورات تدريبية.

بيت النساء

 

منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 وجد الفلسطينيون أنفسهم في فراغ مؤسساتي، حاولوا تعويضه من خلال المجالس المحلية وكذلك من خلال حملات العمل التطوعي التي أخذت على عاتقها القيام بالكثير من النشاطات التنموية، التي تراوحت بين مساعدة المزارعين في قطف الزيتون وتعبيد الطرقات وتنظيم حملات محو الأمية.

لم ينجم عن اتفاق أوسلو واضطلاع السلطة الفلسطينية بمؤسساتها ووزاراتها بمهام الدولة تراجع دور النشطاء والمتطوعين، بل تكاثرت منظمات المجتمع المدني التي تحصل على تمويل من مؤسسات دولية للقيام بمشاريع تنموية.

ومن بين المشاريع التي تمولها الأمم المتحدة أتيحت لي الفرصة للتعرف إلى "بيت النساء" في بلدة عنبتا شمالي الضفة الغربية، وهي مبادرة فردية قامت بها الناشطة جهاد سبوبه، التي قالت انها تقدمت بخطة المشروع عن طريق الجمعية النسائية للبلدة وحصلت على تمويل له من الأمم المتحدة.

تقول جهاد إن نشاطات المركز متاحة للفتيات والنساء من سن 14 ودون حد أقصى للسن.

من المعروف أن المساحة الشخصية للفتيات في القرى والبلدات الصغيرة محدودة وتكاد تنحصر في منزلها أو منازل صديقاتها حيث لا تشعر بحرية التعبير عن النفس، وتعاني من محدودية النشاطات التي تستطيع ممارستها.

"بيت النساء" مفتوح، كما تقول جهاد، أمام الفتيات والنساء للمشاركة بالكثير من النشاطات.

حين زرت المركز كانت مديرته عائدة لتوها من دورة اليوغا التي تشرف عليها مدربة بولندية هي زوجة أحد أبناء البلدة.

حدثتني جهاد عن بعض المشاريع والنشاطات الإضافية التي ينوي المركز تنظيمها، منها إنشاء مكتبة، علما أن في البلدة مكتبة تابعة للبلدية، لكن طبيعة الحياة في البلدة والجو الاجتماعي السائد لا يشجع الفتيات على ارتياد مكتبة البلدية.

يقدم "بيت النساء" أيضا استشارات قانونية للنساء في حال الخلافات الزوجية ، حيث تعاقد مع محامية تساعد النساء على متابعة القضايا القانونية.

كذلك يستخدم مشرفة إجتماعية لمساعدة الفتيات والنساء على التعامل مع الضغوط النفسية والاجتماعية.

سألت مديرة المركز إن كان بيت النساء يوفر مأوى لمن تضطر لمغادرة بيت الزوجية أو العائلة بسبب خلافات، كما يوحي اسمه، فأجابت أن هذا ليس من بين الخدمات التي يقدمونها، علما بأن هذا أكبر تحد تواجهه النساء في المجتمعات العربية في حال نشوء خلافات، فهي لا تقابل في العادة بالترحاب في بيت والديها الذين يحاولون إقناعها بالعودة الى منزل الزوجية والتفاهم مع الزوج، تجنبا للإحراج الاجتماعي.

المواطنة (ر.ي) من بلدة الرام، التي ذبحها زوجها على مرأى من أطفالها الثلاثة، كانت قد عادت الى منزل زوجها الذي هجرته بسبب خلافات حادة، تحت ضغط "إحراج وضعها الاجتماعي في منزل والديها"، والنتيجة: جريمة قتل أخرى تذهب ضحيتها امرأة، فهل سيكون مصير رسالة السيدة روضة التي تطالب الرئيس عباس بحماية النساء أفضل من سابقاتها؟

المصدر: 
بي بي سي