رشيد الخالدي في"وسطاء الخداع ـ كيف نسفت الولايات المتحدة السلام في الشرق الأوسط

بقلم: 

كانت لدي اليوم الفرصة لقراءة الكتاب الجديد الرائع لرشيد الخالدي :"وسطاء الخداع :كيف نسفت الولايات المتحدة السلام في الشرق الأوسط.
الكتاب غير السميك (١٥٠ صفحة فقط) من الضروري للجميع أن يقرأوه بكل تأكيد (وخصوصا في أوساط القيادة الفلسطينية) ممن يرغبون في فهم الحقائق الماضية والحالية والاحتمالات المستقبلية . كما أن توقيت نشره خلال زيارة الرئيس باراك اوباما لاسرائيل مؤخرا وإمكانية حدوث تغيير حقيقي ذي معنى وبناء والتي ظهرت من خلال الرسالة التي وجهها اوباما دائما والتي كانت تفيد بشكل قاطع أنه لا تغيير أبدا.
والملخص على الجيب الداخلي لغلاف الكتاب يقول :"وسطاء الخداع يعرون الحقيقة حول السبب في استحالة تحقيق السلام في الشرق الأوسط :فلعدة عقود تخفى صانعو السياسة الأميركية في زي وكلاء غير منحازين يعملون على جلب الجانبين معا، بينما كانوا في الواقع وكلاء للظلم المتواصل ويمنعون فعليا القيام بالخطوات الصعبة لكنها الضرورية لتحقيق السلام في المنطقة".
ثلاثة من المقتطفات على الغلاف الأخير تقول :
جون ميرشماير :""ما حدث للشعب الفلسطيني منذ العام ١٩٤٨ واحدة من أخطر الجرائم في التاريخ الحديث. اسرائيل بالطبع تتحمل المسؤولية الكبرى عن هذه المأساة. وعلى أي حال، وكما يقول رشيد الخالدي في كتابه الجديد الذكي، فالرؤساء الأميركيون منذ ترومان وحتى اوباما انحازوا إلى جانب اسرائيل عند كل منعطف وساعدوها في إلحاق الألم الفظيع والإذلال بالفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، فقد استخدموا البلاغيات عالية الصوت وغير الأمينة لتغطية سلوك اسرائيل الوحشي. وكما يظهر كتاب "وسطاء الخداع" بوضوح، فالولايات المتحدة تستحق بجدارة أن تسمى "محامية اسرائيل".
آفي شلام :"استنادا إلى تجربة رشيد الخالدي كمفاوض فلسطيني وإلى الوثائق التي كشف النقاب عنها مؤخرا، يشن الخالدي هجوما مباشرا على الأساطير والمفاهيم الخاطئة التي أحاطت بما يدعى بالدور الأميركي في "عملية السلام"، والتي هي عملية ولكن دون سلام. عنوان الكتاب ليس قويا جدا :فالكتاب يوضح بشكل شمولي أنه فضلا عن كون الولايات المتحدة وسيطا أمينا لإسرائيل، فهي تواصل العمل كمحامية عن اسرائيل- ما يلحق أضرارا فادحة بالمصالح الأميركية، وبالفلسطينيين، وبالمنطقة كلها. ويستحق البروفسور الخالدي التقدير لكشفه بشكل رائع عن الفجوة القاتلة بين البلاغيات وحقيقة الدبلوماسية الأميركية بخصوص هذه القضية بالغة الأهمية".
سيمور هيرش :"الخالدي جمع التاريخ والمنطق السليم، وقبل كل شيء الفهم لمحادثات السلام العربية الاسرائيلية التي توسطت فيها واشنطن، ليثبت أن الأمن القومي الأميركي ستتم خدمته بشكل أفضل من خلال سلام عادل في الشرق الأوسط. وبدلا من ذلك، فهو يكتب بأسى بأن جهود واشنطن لتكون وسيطا نزيها "تقع في مكان ما بين السخرية الزائدة والزيف"- ويضع أميركا الديموقراطية، بالتزامها المعلن بالحرية للجميع، في موضع من يكرس الإخضاع المستمر للشعب الفلسطيني. إنه كتاب مهم".
وفي ما يلي مقال كتبه رشيد الخالدي ونشر يوم ١٣ آذار في صحيفة "نيويورك تايمز" تحت عنوان :"هل تبقى أمل لعملية السلام في الشرق الأوسط":
ما الذي يجب أن يفعله باراك أوباما في فترة رئاسته الثانية، تجاه النزاع الفلسطيني الإسرائيلي؟
أولا، عليه تفادي الحكمة التقليدية القديمة التي تقدمها مؤسسة السياسة الخارجية في نيويورك وواشنطن، والتي تتشبث بالفتات القليل المتبقي من عملية سلام مزعومة ساهمت، على مدى فترة الأربعة والثلاثين عاما منذ إبرام اتفاقية كامب ديفيد، في إبعاد إمكانية تحقيق السلام عن أي وقت مضى.
حينما بدأ أحدث تكرار لهذه العملية بآمال كبرى في مؤتمر السلام في مدريد في عام 1991، والذي أدى إلى معاهدة أوسلو بعد عامين، كان هناك 200 ألف إسرائيلي مستوطن بشكل غير شرعي في الأراضي الفلسطينية المحتلة: اليوم، العدد أكبر بمقدار الضعف.
وفي خلال هذه الفترة، تحت حكم أربعة رؤساء متعاقبين، لم تفعل الولايات المتحدة، التي كانت تعمل في الظاهر كوسيط أمين، شيئا للحيلولة دون هيمنة إسرائيل تدريجيا على الأراضي نفسها التي كان من المفترض أن يطبق عليها حل الدولتين.
حتى عام 1991، كان بمقدور غالبية الفلسطينيين، على الرغم من كونهم يعانون تحت نير احتلال الجيش الإسرائيلي، السفر بحرية. واليوم، لم يسمح مطلقا لجيل كامل من الفلسطينيين بزيارة القدس أو دخول إسرائيل أو اجتياز الحدود بين الضفة الغربية وغزة. إن التمييز ضد الفلسطينيين، مقترنا مع حالة الاهتياج التي أحدثتها الانتفاضة الثانية في الفترة من 2000 - 2005 وبناء مستوطنات تبدو دائمة، بالإضافة إلى جدار يقوم على سياسة الفصل العنصري، لها كلها تبعات مأساوية لعملية سلام مزعومة قادتها الولايات المتحدة.
لقد شملت «عملية السلام» تشددا إسرائيليا بشأن فلسطين بموازاة أهداف السياسة الخارجية غير ذات الصلة بتقدم عملية السلام وتوفير الحرية للفلسطينيين. وفي أواخر السبعينات من القرن العشرين، أضيف إلى هذا مكسب الحرب الباردة الاستراتيجي المتمثل في نقل مصر من الجانب السوفياتي إلى الجانب الأميركي.
أبعدت اتفاقية «كامب ديفيد» المعقودة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن والرئيس المصري آنذاك، أنور السادات، بالأساس «القضية الفلسطينية». وكانت هذه المعوقات أساس عملية أوسلو، والتي اعترفت فيها إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية ببعضهما بعضا، فيما تم تأجيل مناقشة القضايا المحورية كافة، مثل الحدود واللاجئين والمياه والمستوطنات الإسرائيلية ووضع القدس.
ومع اقتراب انتهاء فترة ولايته الأولى، تجاهل أوباما بشكل أساسي أجندة صنع السلام المتواضعة مقابل هدوء مؤقت في حملة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للدخول في حرب مع إيران. ومن جديد، تمت التضحية بفلسطين، وكان ذلك هذه المرة من أجل رشوة إسرائيل العدوانية لانتهاج سلوك جيد بشكل مؤقت.
لقد قوت «العملية» التي تزعمتها الولايات المتحدة في نهاية المطاف شوكة أقصى اليمين الإسرائيلي وجعلت حق تقرير المصير الفلسطيني متعذرا تحقيقه بدرجة أكبر من أي وقت مضى، واستمرارا للغرابة، نجد أن «عملية السلام» تأتي على العكس من أي تعريف مستنير للمصالح الذاتية الأميركية. لقد كرست صورة الولايات المتحدة بوصفها المدافع عن إسرائيل والمساند لها.
إضافة إلى ذلك، فإنها تمثل إهانة لذكاء الشعب الفلسطيني. وعلى الرغم من اشتراك بعض قادتهم في عملية حولتهم إلى مشردين، مع استمرار بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية بلا نهاية، فإنهم جديرون بأن يكونوا أكثر من مجرد سجناء في أراضيهم.
وفي حالة ما إذا قرر أوباما تكريس جهوده لحل النزاع - إن حصل هذا - فلن يكون الأمر سهلا؛ فالفلسطينيون منقسمون بشكل حاد ما بين مؤيدين لحركة فتح التي يرأسها محمود عباس، الذي يحكم الضفة الغربية، ومؤيدين لحركة حماس المسلحة التي تهيمن على غزة. و عقبة أكبر في طريق السلام هي حكومة نتنياهو المنتمية اليمينية، المصممة على التوسع الإقليمي.
باختصار، إذا لم تتضمن أهداف عملية السلام الكاملة نهاية للاحتلال، بإزالة المستوطنات وتوفير الظروف الملائمة لمنح حق تقرير المصير بشكل حقيقي للفلسطينيين، فما هي إذن الغاية من التظاهر باستئناف عملية السلام من جديد؟
ثمة حقيقتان سيحسن اوباما صنعا، إذا ما وضعهما في اعتباره.
إن سيطرة إسرائيل القوية على الفلسطينيين تعني أن الصراع ليس ذلك الذي يتطلب تنازلات متبادلة من الطرفين. وفضلا عن ذلك، يتوجب أن يتحقق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وليس بين أوباما ومعارضيه في الحزب الجمهوري، وفي اللوبي الإسرائيلي والأحزاب اليمينية في إسرائيل.
إذا لم يستطع أوباما التعامل مع تلك الحقائق، فسيكون من الأفضل كثيرا له أن يكون أمينا: الولايات المتحدة ترسخ هذه الحقيقة غير المقبولة وتنوي تحمل الخزي الناتج على الصعيد الدولي. وتدرك الشعوب من مختلف أنحاء العالم أن أميركا قد ساعدت على مدى عقود عدة في تطوير وضع، تكون فيه على الرغم من أشكال التوسل من أجل دعم قيام دولة فلسطينية، وعلى مدى المستقبل المنظور ستكون فيه، سلطة واحدة حقيقية ذات سيادة تمتد ما بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن: هي دولة إسرائيل.
إن اليهود الإسرائيليين هم وحدهم من يتمتعون بحق المواطنة الكاملة في تلك الأراضي، بينما يعيش خمسة ملايين فلسطيني في حالة قهر وإذلال أو نفي ويعيش فيه 1.2 مليون عربي فلسطيني في إسرائيل كمواطنين من الدرجة الثانية. إن قيام «حل دولة واحدة» يقوم على تحمل التمييز العنصري والقمع أمر لن يدوم في نهاية المطاف، إذ أن مصدر الدعم الخارجي الوحيد المتبقي له يأتي من الولايات المتحدة وأوروبا، اللتين يزداد وعي مواطنيهما بأن مثل هذا الهيكل يتعارض كليا مع قيمهم الخاصة، مثلما كانت جنوب أفريقيا في عهد التمييز العنصري.
بالنسبة لأوباما، هناك قرار جاهز. فبإمكانه استمالة الولايات المتحدة نحو الاستمرار في تأييد وتمويل وضع حالي غير عادل ساهمت في إنتاجه، أو يمكنه أن يبدأ في صياغة نهج جديد يرتكز إلى إدراك أن الولايات المتحدة يجب أن تعارض بصراحة الاحتلال وبناء المستوطنات وأن تؤيد حق الفلسطينيين الذي لا يمكن مصادرته في الحرية والمساواة وإقامة دولة. ليس هناك حل وسط.

المصدر: 
القدس