عرشُ الإحتلال نُشيده بجهلنا ..

أكثر ما يثير اشمئزازي أن يقال عن ذاك الحاجز الملعون "معبر قلنديا" كلمة مزعجة حد القرف الذي نكون فيه عند مرورنا منه، هيكل الحاجز مشكلٌ بطريقة  لا تنبئ أبدًا أن الذي سيمره بشر، أطفال وشيوخ ونساء ينتظرون الضوء الأخضر لتفتح ما نسميه " المعاطة" حتى نمر إلى "معاطة" ثانية ، لتتفحصنا تمامًا، وما يتطلبه من خلع ملابس أو الحجاب، وحتى الحذاء ! الجيش الأقوى في الشرق الأوسط يخاف من "أحذية الفلسطينيين"، يمكن أن نظل نلف مرات ومرات حتى تتوقف تلك الآلة المزعجة عن اصدار ذاك الصوت، لكن كل ذلك يهون في سبيل أننا سنمر من بعد ذلك إلى القدس . 

حيث الحاجز عليك أن تفتعل الصبر، هم لم يختلقوا ذاك الحاجز ليشعرونا بأنهم الأقوى وحسب، إنما لنكره بعضنا البعض ونشتم نفاذ صبر بعضنا من ذاك الجندي الأحمق الذي يراوح مكانه وهو ينظر إلينا وكل عيوننا موجهة صوب مخرج الحاجز اللعين، يمكن لي أن أدعي معرفة لذة شعوره حينها !.

إن صارت مشكلة بينك وبين الجندي احذر فليس الجندي السبب، وليس الإحتلال الذي أمعن في طرقه القهرية للفلسطينيين، إنما السبب أنت لأنك تعرف المحتل ومع ذلك لم تصبر وبهذا أرهقت من معك بردة فعل الجندي الغاضب عليك، ليجثو غضبه علينا جميعًا . 

حيث القدس تشعر بملكية المكان حالما تجد أن مالكيه الأصليين فيه، وخاصة القدس وما يتملك الفلسطيني المحروم من رؤيتها من مشاعر مختلطة، الحزن يجاور الفرح، الفرح اللحظي أننا في القدس، والحزن لعلمنا أن ساعات قليلة ويعلمنا التصريح الملعون أن وقت المغادرة سيحين، إلا أن في كل مرة أذهب فيها أشعر بنفس الغصة التي يشعرها كلنا، فثمة احتلال بيده القرار ليسمح ويمنع متى يشاء ومن يشاء من زيارة قدسنا، مشاعر جمة تكن في آن واحد، الفرح والمرح في أزقتها، الطقوس الدينية، الصلاة، صوت الآذان، الناس تفترش ساحات الحرم القدسي لموعد الإفطار، المدفع الذي يعد موسيقا المكان، التراويح في القدس عالم آخر، الليل تزينه قبة الصخرة، كلها مشاعر أكثر من رائعة، وفي كل مرة نذهب أصدق أن للقدس " لغةٌ سَتَفْهَمُها إذا أصْغَيتْ " ، أحب الأنوار في باب العمود، والسوق المليء بأشياء عادية لكنها من القدس ! 

  في القدس لست تدري عند أي حقبة زمنية تحط ناظريك، عندما تتحدث الحجارة بلغة الأرقام، سبعمئة عام مر على تشييدها ومنها ما يزيد عن ذلك، حينما تمر والأصدقاء والمرشد المقدسي -وجب شكره- لنعرف المدينة حقًا بتاريخها ووجودها وسماتها، ولا تعرفها طريقًا وحسب، مشت بنا الأقدام عند حائط البراق، اليهود يدقون رؤوسهم ويتمتمون، رأيناهم من حارة المغاربة/ اليهود، وقبة الصخرة تشع نورًا يأسر الناظرين، فسرعان ما تهدأ النفس قليلًا وتذهب بنا الأبصار إليها بعيدًا عن إحتلال المكان !   سرنا والمرشد المقدسي حتى مسجد عمر بن عبد العزيز الذي أغلقه الإحتلال وأقام عليه كنيس الخراب، بالقرب هناك كنيس لا أدري ما اسمه لكنني لست أنسى الغصة التي جثمت على قلبي حينما رأيت بابه مرسوم عليه شعار هيكلهم المزعوم، وترتيب يندرج تحته بشكل بارز أبواب القدس، هذا الباب لا يمكن لطفل أن يراه ولا يتذكره، هذه سياسة وليست اعتباطًا، تطعيم الكبير قبل الصغير بأكاذيبهم لتصبح حقيقة ونحن الخبال، بالقرب منّي سمعت محتلًا يقيم في أرضي جلب عددًا من السائحين يشرح لهم عن المكان، وددت لو أمسكت بذاك السائح وأفهمته أن الذي يشرح لك اغتصب أرضي ووجودي وتاريخي، وأن الذي يعرفك بالمكان صعلوك أتوا به بلادك إلى فلسطيني من جيتوهاته المظلمة . لا أحب الانبهار بذكاء المحتل، لكن حينما يحرم الفلسطيني من دخول أرضه في وقت يمارس فيه القيادة عهر الانقسام، يضيع تاريخ بأكمله لنصبح الهنود الحمر في يومًا ما، ففي الوقت الذي لا يزال البعض منا يتلعثم كلما سئل في برنامج مسابقات عن مساحة الحرم القدسي أو عن عدد أبوابه - الاجابات التي من المفترض أن تكون بديهية - بما أننا نقاتل منذ زمن لاسترجاعها والأرض المسلوبة ، انهمك الإسرائيليون طويلًا ليصنعوا من أكاذيبهم تاريخًا مشهودًا، بينما ننهمك نحن في صراعاتنا العبثية حتى صارت حقيقتنا أكذوبة وأكاذيبهم حقيقة .  

نحن قوم ابتلانا الله بقيادة ساذجة ، حُرمنا من أرضنا بل وتحالفت علينا غباء قادتنا ضدنا لنبقى جاهلين بموجودات الأرض؛ العين التي تبصر لا تنسى، فما بالك بعين ممنوعة من الرؤية وعقل لا يعرف ! مناهجنا الفلسطينية لا تعرف من القدس سوى قبة الصخرة وسور القدس والمسجد القبلي حتى أن البعض منا لا يفرق بين المسجد القبلي وقبة الصخرة !  حتى شاشاتنا الفلسطينية تفتقر لسياسة إعلامية توعوية هادفة ترصد كل حجر  في القدس بتاريخه العظيم ! لسنا نريد صورًا جامدة تطربون اذاننا بسماع أغنيات وطنية والصورة تلحق أختها دون معلومة تذكر، ولسنا بحاجة لبرامج موسمية عن القدس ، نحن بحاجة لمعلومات وإن وجب تكرارها عليكم بها، مع أننا بحاجة إلى أضعاف تاريخ القدس بأزمنته المختلفة لنرصد كل ما تركوا العابرين فيها.

" أُمرر بها واقرأ شواهدَها بكلِّ لغاتِ أهلِ الأرضِ فيها الزنجُ والإفرنجُ والقِفْجَاقُ والصِّقْلابُ والبُشْنَاقُ والتاتارُ والأتراكُ، أهلُ الله والهلاك، والفقراءُ والملاك، والفجارُ والنساكُ، فيها كلُّ من وطئَ الثَّرى " .

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.