أُمُّ كلثوم والزّمن الجميل

ام كلثوم

لا أحدٌ ينسى أُمّ كلثوم في زمنٍ جميلٍ ولّى وأشكُّ بأنْ يأتيَ مِثلها في زمنِ الانحدارِ للأغاني والطّرب كزمننا هذا ، فكيف لنا أنْ ننسى وهي تُغني عَنْ الحُبِّ والتي لمْ تترك أيّةَ مُفردة للرومانسيّةِ والضّعف الإنساني آنذاك ، إلا وتغنّت بهما ، وعلا صوتها وصدحَ مِنْ حُنجرة ربّانيّةٍ فجعلتْ مِنْ صوتها أسطورة محفورة في وجداننا ونردّدُ أغانيها بكُلِّ حُبٍّ.

لقدْ منَحها الله حُنجرة استطاعتْ أُمُّ كلثوم أنْ تخلقَ تغييراتٍ في الأشكالِ الأدائيّة ، وجعلتْ مِنْ أُسلوبها مدرسة حقيقية للغناءِ والطّرب والاستفادة مِنْ كُلِّ مراحل الصوت ، فمن الحادِّ الذي يتوسّط في منطقة السوبرانو وهنا أقصدُ الصّوت الأعلى بين النّساء إلى الأصواتِ التينور الذي هو أعلى الأصوات الرجولية في المدى الوسطي ، والأصوات الغليظة في الباس.

فحُنجرة أُمُّ كلثوم تميّزتْ واختلفتْ عن غيرها مِنَ المُطربات والمغنيّات بأنّها قامتْ بعرضِ النّغمة الواحدة ، وكانتْ قادرةٌ على أداءِ درجات السُّلم الموسيقي بكُلِّ أريحية.

ومما لا شكّ فيه بأنّ التّجويد التي تشرّبتْ به ساعدها كثيراً ، وهي لمْ تكُنْ تُدرك بأنّ صوتها ونبرته جميلان لهذه الدّرجة واستمرّتْ في بدايتها تُغني بكُلِّ ثقة رغم التّعب الذي كانَ جليّاً على مُحيّاها .. فالزّمن الجميل كانَ يفرضُ ولا يسألُ، فمرّات كثيرة كانتْ أُمُّ كلثوم تقومُ بتغييرِ الجُمل اللحنيّة ، حيث كانتْ تلك الجُمل تشكّل عبئا على المُلحنين مما اضطر عددٌ منهم بوقف التّعامل مع أُمّ كلثوم .

لا أحد يُنكر بأنّها آمنتْ برسالتها بكُلِّ حُبٍّ وإيمانٍ واستطاعتْ أنْ تجعلَ ذاك الزّمن أجمل زمن مرّ مع وصولِ جمالياتها لحياتنا..

لقد اختارتْ أُمّ كلثوم الطّريق الأصعب والأتعب وهو التّجديد في الأغنية التي عادة ما تقفُ على جُلِّ الأخلاقيات ، والكثير مِنْ قيمِ المُجتمع الشرقي الذي تشرّبتْ مِنه أُمّ كلثوم ، فالله خلقَ أُمّ كلثوم في زمنٍ يصعبُ أنْ يعودَ للوراءِ ، فذاك الزّمن الجميل الذي ترافقَ مع ألحانٍ جميلةٍ ستبقى فينا رغم رحيل الأُسطورة وأغانيها ، فلم تمت أُم كلثوم كصوتٍ لأنّ صوتَها ما زالَ يصمُّ آذاننا ..

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.