خطبة نتنياهو التي لن تكون

نتنياهو

بِقلم جدعون لفي

إليكم الخطبة التي كان يجب أن يخطبها نتنياهو هذا الاسبوع في الجمعية العمومية للامم المتحدة:

إنني أقف هنا اليوم أمامكم خجولا مخزيا. خجولا ومخزيا من نتائج الهجوم الاسرائيلي الوحشي على غزة. وخجولا ومخزيا بسبب العدد المخيف من المدنيين الذين قتلتهم دولتي، وخجولا ومخزيا بسبب مقدار الدمار الذي أشاعه جيشها الذي لا زمام له. إن الجيش الاسرائيلي جهد جهدا ما لمضاءلة اصابة المدنيين لكن من يعلم مثلي أن ليس الحديث عن أكثر من وسائل لاسكات الضمير إن كان هذا ما زال موجودا في اسرائيل، وعن حيل دعائية.

والنتائج موضوعة أمامكم – فها هي ذي 2200 جثة ملقاة – تتحدث من تلقاء ذاتها. وقد كان يجب أن تعذب كل اسرائيلي مُنصف، وهي تعذبني ايضا. وأريد من فوق هذه المنصة أن أحني رأسي وأعبر عن أسف واعتذار الى سكان غزة عما فعلناه بهم. وسيسهم بلدي بقدر استطاعته لتعويضهم.

خرجنا في هذا الهجوم بعد أن لاحظنا فرصة ذهبية – خطف الفتيان الثلاثة في الضفة وقتلهم – لضرب حماس والتشويش على حكومة المصالحة التي هدد انشاؤها بدفع تسوية مع اسرائيل قدما. ووقعت حماس في الشرك الذي دفناه لها، وبدأت تطلق القذائف الصاروخية على اسرائيل ردا على خطواتنا القوية الموجهة على رجالها في الضفة. ورددنا نحن باللغة التي هي الأحب إلينا في الحديث مع الفلسطينيين، أعني لغة القوة العسكرية والقتل والتدمير. وأقول بالمناسبة إننا أثبتنا للعالم بذلك أننا لا نحسب له حسابا وليس هناك ما يدعونا الى فعل ذلك، فالعالم يغضب واسرائيل تحتل وتقتل. واذا كان أحد ما قد اعتقد أنه لن تكون بعد تقرير غولدستون عملية هوجاء اخرى في غزة فاننا لم نثبت فقط أنه تكون عملية كتلك بل أنها تكون أكثر وحشية مما سبقها. لأنه لماذا نصغي الى العالم؟ والولايات المتحدة موجودة في مكان عميق في جيبنا – ولا توجد دولة في العالم تستطيع الاستخفاف بها مثلنا – وما سواها غير مهم. وماذا عن الرأي العام والقانون الدولي؟ إنهما معاديان للسامية.

لكن كل ذلك من الماضي. ففي الصباح الذي تلا الحرب في غزة استيقظت اسرائيل وأنا فيها، على حقائق جديدة. فقد أدركنا فجأة أن القوة والعدوان لا يقدمان الدولة الى أي مكان وأن اسرائيل لن تستطيع أن تحيا على سيفها الى الأبد لأنه لا يوجد لهذا مثيل سابق في التاريخ، وأنه توجد حدود حتى لقوتها غير المحدودة في ظاهر الامر، وأنه لا يمكن محو غزة أو طرد الفلسطينيين، وأن عشرات القتلى الاسرائيليين ايضا كان قتلهم عبثا، وأن اسرائيل لم تحرز شيئا وأنها ستدفع ثمنا أبهظ كثيرا في حرب اخرى.

أدركت في الصباح الذي تلا الحرب الفظيعة ما لم أدركه من قبل وهو أن الطريق الوحيد للاهتمام بمستقبل دولتي أن أبذل جهدا لتُقبل في المنطقة الاشكالية التي توجد فيها وألا تدير لها ظهر الغرور كما فعلت حتى الآن. وأن من الواجب علينا بسبب العواصف التي تعصف بنا أن نتوصل الى حل المشكلة الفلسطينية وهي أم كل المشكلات قبل أن يتأخر الوقت. وأنه اذا كان ما زال يوجد احتمال لحل الدولتين الذي التزمت به ولم أقصده قط فان هذه هي الفرصة الاخيرة.

وأنا أدعو الآن من فوق هذه المنصة ممثلي حكومة المصالحة الى الاتيان لتفاوض سريع مع اسرائيل، فقد بُحث في كل شيء بحثا متعبا ويجب بت القرار فقط للتوصل الى اتفاق. وستأتي اسرائيل من جهتها مع التزام بانهاء مطلق للاحتلال في مدة متفق عليها. وستفرج قبيل بدء التفاوض عن آلاف السجناء الفلسطينيين كي تبرهن للشعب الفلسطيني على أنه حدث شيء ما في اسرائيل حقا. وأنا أقترح في مقابل ذلك على الحكومة الفلسطينية أن تجري استفتاءا شعبيا مشتركا اسرائيليا فلسطينيا يحدد هل نتجه الى حل دولتين في حدود 1967 أم الى حل دولة واحدة ديمقراطية ومتساوية لكل سكانها.

لم يكن كل ذلك ولن يكون، فهو كله أحلام يقظة. وقد حصلنا بدل ذلك على خطبة دعائية جوفاء مستكبرة اخرى. وصفق المستشارون المتملقون ودعاه أشياع إدلسون الى مأدبة، وبقيت اسرائيل سادرة بالطبع.

صحيفة هآرتس

حرره: 
س.ع